مقالات

حديث الجمعة ساعة استجابة الدعاء التمسوها آخر ساعة من بعد العصر خفيفة لطيفة لا يرد فيها الدعاء

اعداد – الاعلامي بسام العريان

ما هو مقدار ” الساعة ” الواردة في الآيات والأحاديث ؟ وهل هو ستون دقيقة ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اله وتقبل الله منا ومنكم عبادات وطاعات يوم الجمعه وغفر الله لنا ولكم ولوالدينا ووالديكم وأصلح الله لنا ذرياتنا وزوجاتنا ونياتنا وجعلنا الله واياكم من المحظوظين بتلك الساعة الخفيفة اللطيفة التي لا يرد بها الدعاء يوم الجمعه بالخصوص وآخر ساعة عصر من كل يوم ….
هذا وقد جاءت لفظة ” ساعة ” في كتاب الله تعالى ، وفي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي كلام الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم ، والأئمة من بعدهم ، وليس المراد بها قطعا الساعة بمعناها العرفي الحديث ، وهي ” ستون دقيقة ” ؛ لأن الساعة بهذا المقدار لم تكن تُعرف في زمانهم ، والساعة في وضعها الحالي لم تكن مصنوعة أصلاً ، فلا اليوم كان مقسَّماً على أربع وعشرين ساعة ، ولا الساعة كانت محسوبة بالدقائق ، بل إن معنى ” الساعة ” في أكثر استعمالاتها هي بمعنى ” الجزء من النهار ” ، أو ” الجزء من الليل ” ، وقد تطول أو تقصر ، بحسب السياق والمراد في استعمالها ، كما أنها تطلق تلك اللفظة على ” القيامة ” ، وقد جمع المعنيان في سياق واحد ، وذلك في قوله تعالى ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ) الروم/ 55 ، فلفظة ” الساعة ” الأولى بمعنى : ” القيامة ” ، والآخر بمعنى : ” الجزء من الزمان ” .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :

يُخبر تعالى عن يوم القيامة ، وسرعة مجيئه ، وأنه إذا قامت الساعة : ( يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ) باللّه أنهم ( مَا لَبِثُوا ) في الدنيا إلا ( سَاعَة ) ؛ وذلك اعتذار منهم ، لعله ينفعهم العذر ، واستقصار لمدة الدنيا .
” تفسير السعدي ” ( ص 645 ) .
وتطلق – أيضاً – ويراد بها : ” الوقت الحاضر ” .
قال الفيروزآبادي – رحمه الله – :والساعَةُ : جُزْءٌ من أجْزاءِ الجَديدَيْنِ ، والوَقْتُ الحاضِرُ ، ( والجمع ) : ساعاتٌ ، وساعٌ ، والقيامَةُ ، أو الوَقْتُ الذي تقومُ فيه القيامةُ .
” القاموس المحيط ” ( ص 944 ) . والجديدان هما : الليل والنهار .

ثانياً:
بناء على ذلك يتبين أن ” الساعة ” المقصودة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة الجمعة ، وما يشبهه : أن المراد بها : جزء من الوقت ، وقد يقصر ذلك الجزء ، أو يطول ، ويُعرف ذلك من خلال سياق الحديث ، فساعة الاستجابة يوم الجمعة قصيرة الزمن ، ووقت ساعة الاستجابة كل ليلة أطول منه .

والأحاديث بنصوصها ، وفهمها يدلان على ذلك :
أ. عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ : ( فِيهِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا ) .
رواه البخاري ( 893 ) ومسلم ( 852 ) .
وزاد مسلم في لفظ عنده ( وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ ) .

قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله – :
( بيده يقللها ) أي : يبين أنها لحظة ، لطيفة ، خفيفة ، وزاد مسلم : ( وهي ساعة خفيفة ) .” دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ” ( 6 / 479 ) .

ب. عَنْ جَابِرٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ) .رواه مسلم ( 757 ) .

قال الشيخ محمد بن علان الصديقي – رحمه الله – :
وفيه على كل وجه : إيماء إلى اتساع زمنها ، بخلاف ساعة الإجابة يوم الجمعة ، ويؤيد ذلك : أنه أشار لضيق ساعة الجمعة بقول الصحابي ( وأشار ) – أي النبي صلى الله عليه وسلم – ( بيده يقللها ) ، ولم يقل مثل ذلك في الساعة التي في الليل .
” دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ” ( 7 / 4 ) .

وهكذا يُعرف قصر الزمان وطوله في معنى لفظ ” الساعة ” ، ففي آية سورة ” الروم ” يدل معناها على سنوات ! ، وفي بعض الأحاديث والآثار تدل على زمان يسير جدّاً ، نحو : ” فسكت ساعة ” ، و ” فأطرق ساعة ” ، و ” فلبث ساعة ” ، وما يشبه ذلك من السياقات .

ثالثاً:
ورد تقسيم النهار إلى اثنتي عشرة ساعة ، في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ – يُرِيدُ : سَاعَةً – لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ) .
رواه أبو داود ( 1048 ) والنسائي ( 1389 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
المراد بالحديث : تقسيم نهار الجمعة – من الفجر إلى الغروب – إلى اثني عشر جزءً ، حزء واحد منها هو الساعة التي يستجاب فيها الدعاء

قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – :
وظاهر الحديث : يدل على تقسيم نهار الجمعة إلى اثنتي عشرة ساعةً ، مع طول النهار ، وقصره ، فلا يكون المراد به الساعات المعروفة من تقسيم الليل والنهار إلى أربعة وعشرين ساعة ؛ فإن ذَلِكَ يختلف باختلاف طول النهار ، وقصره .” فتح الباري ” لابن رجب ( 5 / 356 ) .

وقال الشيخ عبد المحسن العبَّاد حفظه الله – وقد شرح الحديث فأوعب – :
وقوله : ( ثنتا عشرة ساعة ) : يدل على أن النهار مقداره اثنتا عشرة ساعة ، ومعلوم أن النهار في اصطلاح الشرع : من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وليس من طلوع الشمس إلى غروبها ؛ ولهذا فإن صيام الأيام إنما يكون من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، والليل أيضاً اثنتا عشرة ساعة ، لكن الساعات ليست مستقرة ، ثابتة ، على طول الأيام ، وإنما هي تزيد وتنقص بطول اليوم وقصَره ، فمعنى هذا : أن الوقت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقسَّم إلى اثني عشر جزءاً ، وجزء من هذه الاثني عشر هو مقدار الساعة التي جاء ذكرها في هذا الحديث ، فليست الساعة شيئاً ثابتاً في كل أيام السنَة – كما اصطلح عليه الناس في هذا الزمان ، حيث يجعلون الليل والنهار أربعاً وعشرين ساعة – ، ولكن أحياناً يصير النهار تسع ساعات والليل خمس عشرة ساعة ، وأحياناً يكون العكس ، فيجعلون مجموع اليوم أربعاً وعشرين ساعة ، ولا يكون الليل له نصفها والنهار له نصفها ، بل هذا على حسب طول الزمان وقصره ، لكن في هذا الحديث : ( النهار اثنتا عشرة ساعة ) سواءً في الشتاء ، أو في الصيف ، سواء طال النهار أو قصر ، فتقسم اليوم في كل وقت على اثنتي عشرة ساعة ، فتنقص الساعة وتزيد ، وبالتوزيع عليهما يختلف مقدار الساعة من وقت لآخر ، فمقدار الساعة في الصيف حيث يطول النهار : أطول من الساعة في الشتاء حيث يقصر النهار ، وقد كان النهار عند العرب اثنتا عشرة ساعة ، والليل اثنتا عشرة ساعة ، وقد ذكر ذلك الثعالبي في كتابه ” فقه اللغة ” ( ص 468 ) ، فذكر ساعات الليل ، وساعات النهار ، وأسماءها ، ولكن في تسميتها عندهم ما يدل على أن النهار يبدأ بطلوع الشمس ، وينتهي بغروبها ، ولكن في اصطلاح الشرع : النهار يبدأ بطلوع الفجر ، ولهذا سبق أن مر بنا من فقه أبي داود أنه ذكر عند غسل الجمعة : أن الإنسان إذا كان عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر يوم الجمعة : أجزأه عن غسل الجمعة ؛ لأن اليوم يبدأ بطلوع الفجر .

فعلى هذا : تكون ساعة الإجابة آخر جزء من اثنتي عشر جزءاً ، وقد تطول في الصيف ، وتقصر في الشتاء ، على حسب توزيع مجمل الساعات .” شرح سنن أبي داود ” ( شريط رقم 89 ) ، ( 6 / 244 ، 245 ) – ترقيم الشاملة – .

وأما بخصوص حديث الذهاب إلى الجمعة في الساعة الأولى ، والثانية ، إلى الخامسة ، وأجر كل واحدة منها : فيقسَّم الزمان من طلوع الشمس إلى الزوال خمسة أجزاء ، ويكون كل جزء هو المراد بالساعة ، وقد تطول مدتها عن الستين دقيقة ، وقد تقصر ، بحسب طول النهار ، وقصره ، كما سبق توضيحه ، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم ( 60318 ) .
وفي مسألة ساعة الإجابة يوم الجمعة انظر جوابي السؤالين : ( 82609 ) و ( 21748 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى