مقالات

الزعبي يكتب .. لماذا لا يسمع العالم؟

التاج الإخباري – بقلم الدكتور عبد الله سرور الزعبي – في البداية أقدم اعتذاري من الدكتور Raz Segal من جامعة Stockton والمختص في دراسات الهولوكوست والابادة الجماعية، لاستخدامي هذا العنوان وهو جزء من عنوان مقالة له بتاريخ 13/10/2023 “كانت إسرائيل صريحة بشأن ما تنفذه في غزه: لماذا لا يسمع العالم”.

ومن خلال متابعتي لما يجري من احداث، وما رافقه من حراك دبلوماسي قوي لجلالة الملك وخطابة المباشر لقادة العالم وشعوبها، والداعي لحل جذري للقضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة، والذي أسفر عن انتزاع تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الأردني، ومقابلة جلالة الملكة مع محطة CNN، والتي كانت بمنتهى القوة وذات تأثير عالمي كبير، وخاصة بين الشعوب الداعمة للعدالة والتعايش السلمي، والتي تحدثت فيها عن قوة ومتانة القيم الأخلاقية التي يلتزم بها الأردنيون.

اوصلت الملكة في مقابلتها، رسالة بان قتل المدنيين مهما كانت جنسياتهم مدان اسلامياً واخلاقيا، ومطالبة بحرية التعبير دون تميز وبينت انه من حق اي دولة ان تدافع عن نفسها، ولكن ليس من حقها ارتكاب الجرائم والعقاب الجماعي، مؤكدة على موقف جلالة الملك بان الحل السياسي هو الوحيد لضمان امن واستقرار المنطقة وغيرها من المواضيع المهمة.

ان قيام بعض الجهات الاعلامية بتوجيه النقد للمقابلة، وهذا قد يعود الى اسباب مختلفة، الا ان ما يثر الدهشة ان يقوم رئيس وزراء إسرائيل السابق نفتالي بينت (والذي كنا ننظر اليه باعتباره لا ينتمي لمجموعة المتطرفين، وهو اليوم ضمن قوات الاحتياط، والجاهز للمشاركة في الاعمال القتالية في اي لحظة)) بانتقاد المقابلة، ومطالبا بتقديم الادلة على ما تفضلت به الملكة.

من خلال متابعتي للأحداث التي تجري واعمال العسكرة لمنطقة شرق المتوسط، والتي قد تدفع المنطقة للانفجار في أي لحظة، سأجيب على تساؤلات بينت بلسان بعض من أساتذة الفكر ومحبي السلام من اليهود.

وأكثر ما لفت انتباهي كتابات Segal، وهو الباحث في الإبادة الجماعية، والعنف الجماعي، والذي عرف جريمة الإبادة الجماعية، بانها “نية التدمير الكلي او الجزئي لجماعة قومية او اثنية او عرقية او دينية. وعند العودة للمادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية نجد انها حددت خمسة أفعال تندرج تحت هذا التعريف (قتل أعضاء الجماعة، الحاق ضرر جسدي او عقلي بالجماعة، اخضاع الجماعة لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كليا او جزئيًا، فرض تدابير تستهدف إحالة إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل الأطفال بالقوة من مجموعة الى أخرى).

وهنا نتسأل هل كانت النية متوفرة، ويجيبSegal ، بان إسرائيل أعلنت عن ذلك من خلال وزير دفاعها بفرض الحصار الكامل على غزه، لا بل فقد ذهب ابعد من ذلك قائلا اننا نحارب حيوانات بشرية، وبالتالي حسب Segal فالنية متوفرة ومعلن عنها رسميا، وتم اخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية بقصد تدميرها، وذهب ابعد من ذلك معتبرا التصريح بانه خطاب عنصري.

اما من حيث القتل، فيشير Segal، بانه تم اسقاط ما يزيد عن 6000 قنبلة على غزة، (قتلت وجرحت عشرات الاف، معظمهم من الأطفال) وهذا يعادل ما أسقطته أمريكا في حربها على أفغانستان، وبالتالي فانه يكشف عن وجود خطة إسرائيلية ممنهجة، وقد صرح بها هاغاري من الجيش، قائلا “يتطلب التركيز على الاضرار وليس الدقة”.

ان الحصار المفروض على غزه، يعتبر الأطول بالتأريخ الحديث، ويؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي صراحة الى إيصال الحصار الى وجهته النهائية في التدمير الممنهج، وحسب Segal. فان اعمال الإبادة الجماعية بغزة صريحة ولا تخجل إسرائيل منها.

في مقال اخر، نشره Segal بتاريخ 19/10/2023 “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزه”، وهو يجيب على تصريحات بينت (صاحب الانتقاد لمقابلة الملكة) عندما قال “نحن نقاتل النازيين” واعتبر Segal ان هذه اللغة لاإنسانية، وفيها تشويه للواقع، مبينا بانه وأكثر من 800 من الباحثين في القانون الدولي ودراسات الهولوكوست والابادة الجماعية، بينوا بان عنف الإبادة الجماعية يتكشف في غزه اليوم وبكل وضوح. كما ان Segal يقول بان العنف ضد الفلسطينيين، قضية منهجية وهيكلية منذ إنشاء الدولة، من خلال الاحتلال العسكري والحصار وسياسات الفصل العنصري، ويطالب بالمساءلة حسب المادة 3 من الاتفاقية. ان ما كتبه Segal، يعتبر أفضل رد على بينت وغيره من المنتقدين، ويؤكد ان إسرائيل ترتكب ثلاثة أفعال للإبادة الجماعية وهي موثقة، ويطالب بوقف الحرب ورفع الحصار وتزويد السكان بالمياه والغذاء والدواء والطاقة.

ان موضوع منع المياه النظيفة عن غزه، فانا شخصيا، مطلع عليه بشكل جيد (سبق وان شاركت مع زملاء من الجامعة الاردنية ووزارة المياه وغيرها في الكثير من الدراسات والابحاث المائية في المنطقة)، في عام 2007 كنت قد شاركت في مؤتمر البحث العلمي والتعليم في الشرق الاوسط، والذي حضره ستة من حملة جائزة نوبل، وقد تم اختياري لرئاسة جلسة قطاع المياه والبيئة، وتفاجأت بمدير معهد المياه والبيئة في جامعة الازهر بغزه، يطلب ادراج اسمه ليعرض قضية المياه التي يعاني منها القطاع نتيجة للحصار، الامر الذي وجدت انه من واجبي تلبية ذلك، ساعدني في احد الأستاذة المان من جامعة الهمبولت واخر من حملة نوبل، ووافقت الدكتور Zafra من جامعة شيكاغو (رئيسة المؤتمر) على ذلك، وابدع الدكتور ابو مايله بطرح قضيته وحصلنا على موافقة الحضور (منهم ستة من حملة نوبل) بان تقوم رئاسة المؤتمر بمخاطبة سفارات الدول الكبرى ومبعوثي المنظمات الدولية في الشرق الاوسط بضرورة توفير المياه النظيفة لغزه.

ومن باب الانصاف تفاجأت برسالة من رئيس جامعة الازهر بغزة الدكتور جواد عاشور تحمل الرقم ج م ز/ 2/ 2007/ 999 تاريخ 23/12/2007، يشكر فيها الأردنيين وعلى راسهم جلالة الملك ومن ثم يشكرني شخصيا، ورسالة أخرى تحمل الرقم م م ب/181/ 2007 تاريخ 23/12/2027 من مدير معهد المياه الدكتور يوسف أبو مايلة. وهذا يؤكد للجميع بان الحصار مضروب على القطاع منذ ذلك الوقت على الأقل.

وكوننا يجب ان لا نكتفي برأي واحد، فأننا نضيف ما كتبه J. Katz، وهو الذي قضى فترة ليست بالقصيرة بالعمل في إسرائيل وتحت عنوان (Out of Zionism) والمنشور بتاريخ 24/10/2023، ويقول بانه تعلم ان إسرائيل تريد ثلاثة أشياء (اليهودية والديمقراطية وكامل الأرض)، لكنه يؤكد بانها لن تحصل الا على اثنتين منها، ويضيف بانه عندما علم بأحداث 7/10 كان مرعوبا من عدد القتلى، وكنه مرعوباً أكثر من ردة الفعل الإسرائيلية، وتساءل ما الذي يمكن ان يتبعه اقل من القتل الجماعي؟ ولماذا لم يتم انهاء الاحتلال خلال السنوات الماضية؟ مؤكدًا على حق إسرائيل في البقاء، ولكن الامر نفسه بالنسبة لغزه (والضفة الغربية) فلا يجوز قتلهم بشكل جماعي ومحاولة دفعهم من ارضهم، ويطالب بقيام دولة فلسطينية حرة.

اما Chris Doyle وهو صاحب خبرة في المنطقة وعمل على تغطية احداث الربيع العربي، ويقول بان الفشل في المسألة بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال السنوات السابقة، يعتبر فشل للقانون الدولي، كما ويتحدث عن اتساع الفجوة بين أمريكا وأوروبا والجنوب العالمي من جهة أخرى، بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية وكيفية التعامل مع اللاجئين الأوكران بطريقة مختلفة عن غيرهم.

الدكتور Leaven من Boston والذي اعرفه شخصيا، كان يردد بعدم جواز ارتكاب الجرائم رداً على ارتكاب جريمة، ودائم الحديث عن غياب المسألة والعدالة وقيام الدولة الفلسطينية الأمنه.

بتاريخ 18/10 كتب Arnon Rosenfeld مقالا بين فيه شعارات مسيرةFarragut Square والتي طالبت بوقف اطلاق النار ووقف الفصل العنصري، وان اليهود يستحقون ان يكونوا امنين، لكن لا يوجد امن في الإبادة الجماعية. كما ويقول في المقال وعلى لسان Eva Borgwardt ان إسرائيل لديها سجل في الرد على الهجمات، وأوضحت بان ردها على مذبحة 7/10 بانه لم يسمع به أحد من قبل من حيث حجمها والدمار الذي سيلحق بسكان غزه، وهذا امر غير مقبول.

ان ما كتبه Eugene Doyle في مقالته بعنوان Why I’ll be marching for Gaza مثير للاهتمام، ويقول إن جرائم الحرب التي ارتكبتها حماس، لا تبرر الجرائم واسعة النطاق والتي ترتكبها إسرائيل، ويضيف لا يمكنك قتل الاف المدنيين وقطع الماء والغذاء والدواء والطاقة، والايحاء بانك الضحية. كما ويتهم الغرب بالصمت لسنوات طويلة على المذابح المرتكبة بحق الفلسطينيين.

ان التقرير المنشور بتاريخ 26/10 من قبل Kit Klarenberg يبين فيه خطة معهد الامن القومي والاستراتيجية الصهيونية لإعادة توطين جميع سكان غزه في مصر، والتي اعتمدت بعد أسبوع واحد من هجوم حماس، معتبرين ان ما حصل يعد فرصة فريدة ونادرة لأجلاء سكان القطاع بالكامل. وهو نفس المعهد الذي سبق وتبنى فكرة Arnon Sofer لبناء سياج ومراقبة دقيقة حول غزه، وتنبأ بحمام دم دائم، قائلا: عندما يعيش 2.5 مليون شخص في منطقة مغلقة ستكون كارثة إنسانية، حيث يزداد الناس ويكون الضغط على الحدود مروعا، وستكون حربا رهيبة، وإذا أردنا ان نبقى على قيد الحياة، فسيتعين علينا ان نقتل ونقتل ونقتل طوال اليوم وكل يوم.

ان ما ذكرته، يعتبر جزء بسيط مما كتبه وتحدث به الكثير من أصحاب الفكر والضمير الإنساني من اليهود في أمريكا وأوروبا وإسرائيل نفسها واطلعت عليه خلال الفترة الماضية اما بصفة شخصية او من خلال مشاركتي في الكثير من المؤتمرات والمحاضرات الدولية، فيعتبر ردا قاطعاً على انتقاد بينت (رئيس وزراء إسرائيل السابق) لمقابلة جلالة الملكة والتي ابدعت فيها وتمثل اراء كل الأردنيين وأصحاب الفكر والإنسانية من شعوب العالم.

وهنا فانه من حق المحبين للسلام من شعوب الأرض ان يتسألوا، لماذا لا يسمع العالم؟ ويستجيب ويعمل على مسألة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والفصل والتميز العنصري والذي أثبته Segal وغيره، ويوقف التطرف ويكبح جنون الحكومة الإسرائيلية، قبل ان تذهب بالمنطقة الى الدمار ويفوت الأوان.

مؤكدين للجميع باننا في الأردن نقف جميعا خلف جلالة الملك، صوت الحق والحكمة وصاحب المواقف الثابتة والمؤمن بان الحل الوحيد لاستقرار المنطقة لا يمكن ان يكون الا من خلال الحلول السلمية والتي عملنا من اجلها في الأردن خلال العقود الماضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى