مقالات

ملاحظات على توصيات اللجنة القانونية لمجلس النواب بخصوص قانون تنظيم مهنة المحاسبة القانونية المؤقت

التاج الإخباري – بقلم: أ.د. منصور ابراهيم السعايده 
كما ورد على لسان سعادة الدكتورغازي ذنيبات رئيس اللجنة القانونية لمجلس النواب فقد اجتمعت اللجنة مع مختلف الاطراف المهتمة في الامر، الحكومية وغير الحكومية، وعقدت العديد من الاجتماعات وخرجت  بالتوصيات التي نشرت في الصحف والمواقع الاخبارية اعتبارا من 29/1/2023، ولا بد من الاشارة الى ان التوصيات احتوت العديد من النقاط الايجابية، من اهمها تنظيم جانب المحاسبة من المهنة الذي لم يحضى باي تنظيم جاد من قبل رغم المطالبات المتكررة والمزمنة بذلك، والتي كان احداها طلب انشاء نقابة للمحاسبين اسوة بالمهن الكريمة الاخرى في الاردن والخارج، الا ان اللجنة الموقرة ارتأت ان توصي بانشاء جمعية للمحاسبين يكون لها تمثيل في الهيئة العليا للمهنة، وحرصت على بيان الحدود الفاصلة بين اعمال المحاسبة واعمال التدقيق والتي كانت متشابكة في القانون الموقت الحالي الذي كان في الواقع مصاغا بطريقة تخدم فئة واحدة من اصحاب المهنة (بتسمية مطاطة : المحاسبة القانونية)، واوجدت تلك التوصيات كذلك درجة من التوازن في التنظيم واجراءات الترخيص والحفاظ على الحقوق لكل من المحاسبين والمدققين، كما انها وطنت امتحان مهنة تدقيق الحسابات بمكتب خاص في ديوان المحاسبة. اما بالنسبة لامتحان مهنة المحاسبة فلن تتضح معالمه الا بعد ان تقوم جمعية المحاسبين ويصدر لها انظمة وتعليمات كافية تغطي جميع شؤونها،  واوصت اللجنة كذلك بانشاء معهد متقدم للتدريب لكافة اعضاء المهنة من محاسبين ومدققين سوف تتضح معالمه بعد صدور النظام الخاص به، ونرجوا الله ان تلقى هذه التوصيات التطبيق الجاد والامين دون تاخير بعد ان يصبح القانون نافذا، الا انه رغم كل هذه النقاط الايجابية المقدرة من قبل اعضاء مهنة المحاسبة فانه يؤخذ على هذه التوصيات ما يلي:  
1-    عدم التوصية بان يكون للهية العليا للمهنة امين عام (شخص متخصص عالي التاهيل ومتفرغ) لمساعدة الهيئة في ادارة شؤون المهنة التي اصبحت تحوي جمعيتين (واحدة للمدققين تضم 496 مدقق مزاول في الاردن واخرى للمحاسبين بعدد اعضاء يزيد عن ال 100،000 عضو على اقل تقدير)، وهاتين الجمعيتين اذا ما تكاملتا وتعاونتا مهمتين للاقتصاد الوطني ولكافة منشآت الاعمال صغيرة كانت ام كبيرة، والتي تزيد اعدادها عن اعداد المحاسبين والمدققين مجتمعين حسب احصاءات دائرة مراقبة الشركات،  وسيكون هناك معهد متقدم لتدريب المحاسبين والمدققين من الان فصاعدا. اقول هذا لان تجربة ال 20 سنة الماضية اشارت الى عدم فاعلية ادارة الهيئة ربما يكون احد اسباب ذلك الاكتفاء بوجود امانة سر فقط للهيئة ووجود كثير من اصحاب المعالي والسعاده مديروعدد من الدوائر الكبرى اعضاء فيها والذين قد لا تسمح لهم ظروف عملهم اليومية اعطاء الوقت الكافي لمهام الهيئة الجليلة اواستشعار نتائج عملها على المهنة والاقتصاد الوطني، الا انني كمتابع عن بعد لم الحظ كما غيري من المهتمين في الامر نشاط كاف للهيئة على الرغم من انه مطلوب منها عقد 4 اجتماعات على الاقل في السنة، وان المتصفح للانترنت، على سبيل المثال، لا يكاد يجد اي معلومة عن مخرجات اونشاط عمل اوافصاحات او قرارات او دراسات او اراء صادرة عن هذه الهيئة او حتى يجد موقع الكتروني لها لبيان كيفية الاتصال بها وعرض المشكلات وطلب المشورة، ولا نريد ان يتكرر هذا الوضع لسنين طويلة قادمة، وللتسهيل وتجنب اضافة تكاليف زائدة على الدولة نقترح ان يكون امين عام الهيئة موظف كفوء ينتدب بالتناوب من الدوائر المتخصصة المشتركة بعضوية الهيئة نفسها على ان يستبدل بشكل دوري.  

2-    لم تنصف توصيات اللجنة القانونية فئة حملة الدكتوراه في المحاسبة للترخيص المباشربعد الحصول على اثبات خبرة عملية في التدقيق او التدريس الجامعي لمواد المحاسبة وتدقيق الحسابات، وهذا ليس مطلب جديد او غير حكيم بل كما كان معمولا به في القانون السابق الدائم لتدقيق الحسابات رقم 32 لعام 1985، والذي على الرغم من سماحه بذلك لم يتقدم للحصول على رخصة التدقيق الا عدد محدود جدا لا يتجاوز اصابع اليد من اساتذة المحاسبة، والسبب في ذلك ان من لدية فرصة عمل بدخل مرتفع وثابت سواء في الجامعات اوغيرها من الوظائف المحاسبية داخل او خارج الاردن لن يضحي بوظيفته ويبحث عن عمل بديل متارجح الدخل من سنة لاخرى، الا ان الرغبة في ذلك تاتي لاسباب منطقية اولا وبناء على توصيات العديد من المؤتمرات والندوات العلمية ثانيا، التي اقيم بعضها بالاشتراك مع جمعية مدققي الحسابات (حسب التسمية المعدلة المقترحة) وكنت انا شخصيا شاهدا على ذلك نظرا لطول خدمتي في التدريس الجامعي والبحث العلمي لاكثر من 30 سنة، حيث كنت رئيسا للجنة التحضيرية لاربعة منها (ندوتان ومؤتمران ) انطلاقا من جامعة مؤتة عام 1993 والتي اوصت بضرورة الربط بين النظرية التطبيق في علوم المحاسبة وتدقيق الحسابات، والتي كان وما زال ينادي بها العديد من الشخصيات الوطنية المستنيرة الا انها لم تلقى التطبيق الجاد بعد،  وقام على اثرها ما سمي في حينه جمعية المحاسبة الاردنية ونجحت ادارتها باقناع جهات حكومية عديدة من ضمنها رئيس مجلس مهنة تدقيق الحسابات (رئيس ديوان المحاسبة انذاك) والاخوة مدققي الحسابات لتشكيل لجنة حكومية مهنية من كل الاطراف بما فيها جمعية المحاسبة الاردنية لاعادة النظر في قانون المهنة وشمول جانب المحاسبة بكل تفاصيله الى جانب التدقيق كونهما مهنتان لصيقتان ومكملتان لبعضهما (فلا تدقيق دون محاسبة تسبقه)، وتشكلت اللجنة المذكورة بتاريخ 1/6/1998 من قبل رئيس ديوان المحاسبة وكنت احد اعضائها وشاركت في العديد من اجتماعاتها ولا اعلم ما ذا جرى بعد ذلك بعد ان غادرت لفترة طويلة في اجازة تفرغ علمي خارج الاردن الى ان فوجئت كما غيري من المهتمين بصدور قانون المهنة المؤقت لعام 2003 وخلوه تماما من اي تنظيم لجانب المحاسبة سوى ما ذكر في مقدمة القانون ان للمهنة جانبان هما  المحاسبة وتدقيق الحسابات وتوقف الحديث بعد ذلك عن شيء اسمه المحاسبة، والادهى من هذا ظهور اسم مضلل للمهنة (المحاسبة القانونية) لتاتي مواد القانون بكاملها على شكل تحصين لحقوق وامتيازات اعضاء مهنة تدقيق الحسابات فقط لا غير، لابل وتصادر المادة 30/ ب منه اعمال المحاسبة الرئيسة في كبرى الشركات والتي يمارسها اليوم 80 مدققا/محاسبا، اي اصبح لدينا في الاردن وظيفة مزدوجة الولاء (المدقق المحاسب) والخالية بطبيعة الحال من اي نكهة لمبدأ الاستقلالية المطلوب حتما في وظيفة التدقيق، وبناء علية الغيت المادة التي كانت تجيز الترخيص المباشر لحملة الدكتوراة في المحاسبة وكأنها كانت تسيئ  لسمعة مهنة التدقيق على الرغم من ان بعض اعضاء هذه المهنة لا تتعدى تقافتهم التوجيهي حتى يومنا الحاضرمع كامل احترامنا لاشخاصهم ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب ان يعرفها القارئ الحصيف، ومن هنا فاننا ندعو اعضاء مجلس النواب الكرام ان يعيدوا النظر بهذا الامر عند طرح القانون للنقاش والتصويت، خصوصا بعد ان اصبح لدينا تشبع في اقسام المحاسبة في الجامعات وان هناك عددا من اساتذة المحاسبة المتقاعدين من الجامعات يمكن لهم ان يثروا المهنة التي اصبحت تعاني مؤخرا من ضعف او غياب لمؤشرات الجودة ومراجعة الزميل التي لجات لها الدول المتقدمة ودول المنطقة لتجويد مخرجات المهنة لصالح صناعة القرارات الاستثمارية الرشيدة. 

3-    لم تتنبه اللجنة الكريمة الى غياب عملية "تصنيف مدققي الحسابات" التي كان معمولا بها في قانون 1985 والنظام الصادر بموجبه لهذه الغاية، والذي كان يوجد درجة من الربط بين مستوى التاهيل العلمي والعملي وجسامة دور المدقق في كبرى الشركات، لدرجة ان البنك المركزي الاردني، مع مع غياب اي تصنيف قانوني، وضع تصنيفه الخاص لتحديد من يحق لهم تدقيق حسابات البنوك دون غيرهم، وحبذا لو اعيد العمل بهذا التصنيف على اسس تحقق الغاية منه وتراعي مستوى المخاطرالمسموح به لفئة تصنيف المدقق، وربما ان في هذا دليل اخر على ان صياغة اي قانون من وجهة نظراحدى الفئات المتاثرة به دون غيرها سوف لن ينتج قانونا بدون عيوب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى