مقالات

كوفيد يتسلل إلى غزة

عدلي صادق : كاتب وسياسي فلسطيني


فوجئ الناس بنبأ وقوع عدد من إصابات كورونا في قطاع غزة، وجاءت ردود الأفعال الأولى، لدى كثيرين من السكان، تُنحي باللائمة على مصدر الإبلاغ عن وصول الفايروس. لذلك كان النبأ أفدح من الجائحة نفسها. فكل أنواع الجوائح، تصل غزة وتغادرها، أو تحاول الوصول إليها، دون أن يفزع القطاع أو ينكسر!
الناظر إلى غزة من الجو، أو من يشاهد صورها الملتقطة من أعلى، لن يصدق أن هذه المدينة الفاتنة، تنطوي على كَمٍ من الأحزان والجراحات، لم تُصَب بمثله أحزام الصفيح حول المدن الفقيرة في آسيا وأفريقيا. ومن عجب أن الفايروس الذي أرعب العالم، ظل بعيداً عن غزة، كأنما يعلم أن ساحتها، تمتص كل أنواع المقذوفات التدميرية، من الجو والبحر والبر، ولن يهزمها فايروس!
عندما تفشى مرض التهاب الدماغ الإسفنجي البقري، الذي شاعت تسميته بـ”جنون البقر”، ثم انتقل الفايروس إلى البشر في بريطانيا، فأصاب الجهاز العصبي المركزي للإنسان؛ أصبح العالم كله في حال الفزع. لكن غزة لم تكترث، واستبشر الناس خيراً بهبوط أسعار اللحوم، وزاد الإقبال عليها، بل وتفتحت شهيتهم على أمخاخ الذبائح، التي حذرت الأنباء من تناولها، بدعوى أن الفايروس قد يتكثف فيها!
قبلها كان نذير “إنفلونزا الطيور” وقيل إن فايروساته أصابت البشر لاتصالهم المباشر بالدواجن. لكن دجاج غزة ظل معززاً مكرمّاً، يُذبح بكل إحسان، بعد الإمساك به يدوياً، ويُستطاب لحمه كالمعتاد!
وعندما ظهر كوفيد ـ 19 وتفشى وبدأ في حصد الأرواح؛ لم ينزل إلى ملعب غزة. وربما يكون اقترب من حدودها، ثم فر متأسياً على حالها أو يأسها من محاولة قهرها. ومن المفارقات، أن الحصار نفسه، وهو نقمة موضوعية، أصبح ـ في جزء من وظائفه الخبيثة ـ نعمة استثنائية، قوامها فصل غزة عن سوق العمل الموبوءة التي آذت الضفة الفلسطينية ونقلت إليها العدوى. فقد أصبح الطرف الذي يحاصر، هو الذي يئن ويلتاع، واهتزت حكومته التي تعربد وتحاصر. ففي غمرة التشكي والذعر، ربما كان ذوو المصابين اليهود، يتمنون اللجوء الإنساني إلى غزة المعقمة بالحصار. ومثلما تفعل الدول النظيفة مع القادمين من الدول المصابة، فرضت السلطات في غزة، حجراً صحياً على القادمين. ولتثبيت فكرة الحجر والعزل، فقد جعلته سلطات غزة، في البداية، أشبه بالنقاهة المرفهة، التي يتمناها الطلقاء، لريثما يتم إخلاء أكبر السجون، للاستمرار في العزل والتوسع فيه.
ظلت الأمور تجري وفق المعتاد، بالعصا والجزرة، حتى جاء النبأ من القدس، ينذر بوجود عملية تسلل مجموعة كورونية، تمهد لاجتياح شامل. عندئذٍ بدأت المعركة الضارية التي ستخرج منها غزة، عصيّة على كل اجتياح!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى