مقالات

اليوم العالمي “لذاك المرض”

التاج الإخباري – د عاصم منصور

يحدث أنه عندما يتم تقديمي بصفتي الوظيفية لشخص أقابله للمرة الأولى، أن يختطف لون وجهه ويعلوه الشحوب وقد يبادرني بعبارة تعودت سماعها “الله يكفينا شركم”.

يحدثنا المؤرخون أن السرطان لطالما كان وصمة، يفضل الناس السكوت عنه، فها هي الملكة الفارسية أتوسا التي عاشت في القرن الرابع قبل الميلاد والتي يعتقد أنها صاحبة أول حالة موثقة للإصابة بسرطان الثدي، تفرض على نفسها حجرا صحيا اختياريا معتزلة الناس تعاني بصمت لا يخرجها من عزلتها الا عبد لها اغريقي يدعى ديمسيدوس والذي عرض عليها معالجتها جراحيا.

وبعد هذه الحالة بعشرات القرون تمتنع صحيفة نيويورك تايمز في عام 1950 عن نشر إعلان توعوي مدفوع الاجر عن سرطان الثدي معللة أنها لا تستطيع ذكر كلمة سرطان أو كلمة ثدي على صفحاتها كي لا تخدش شعور قرائها.
وفي نفس السياق ذكري لي أحد الأصدقاء وهو وزير أسبق للصحة، أنه كان يشيح بوجهه تطيرا كلما كان يمر بموقع بناء المركز في تسعينيات القرن الماضي.

تحفل ثقافتنا الشعبية بكم من الاساطير عن مرض السرطان والتي انتقلت من جيل الى آخر، ما جعلت منه وصمة ومرادفا للموت وهو ما أخر مكافحته، وأدى الى احجام الكثيرين عن الكشف عنه مبكرا او التخلي عن بعض العادات التي تزيد من احتمالية حصوله.

قد يكون الطب قد فشل في إيجاد حل جذري لمرض السرطان لكن ما شهدته السنوات القليلة الماضية من اختراقات في أساليب تشخيص وعلاج المرض يفوق ما أنجزه في هذا المجال عبر العصور، سواء من خلال العلاجات الموجهة أو العلاج المناعي أو الجيني كما شهد الكشف المبكر عن السرطان ومتابعة تطوره قفزة نوعية من خلال ما يعرف بالخزعة السائلة حيث يتم التشخيص الجيني للمرض عبر فحص عينة دم دون الحاجة لإجراء خزعة. أنا على يقين أن العلم سيحدث اختراقات مهمة في مجال مكافحة السرطان ستؤدي الى القضاء عليه أو على الأقل تحويله إلى مرض مزمن يمكن التعامل معه من خلال العلاجات الحديثة بإذن الله.

السرطان عدو، وهو عدو شرس لكن لن يكون بالإمكان مقاومته ما لم نعترف به، ونتحدث عنه في العلن وأن لا نختفي خلف الأساطير والتابوهات، وأول خطوة تكون بتسميته باسمه الذي منحه اياه ابوقراط، وليس “ذاك المرض”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى