مقالات

نهرب إلى الماضي ..

التاج الإخباري – الدكتور عاصم منصور

نهرب إلى الماضي عندما نعجز عن تغيير الحاضر، باحثين عن ملجأ آمن وغير مكلف، نصنعه في خيالنا، ثم لا نلبث أن نصدقه. ونحبس أنفسنا داخله خشية أن ندفع ضريبة تغيير الحاضر أو حتى التصالح معه. وكلما أمعنا في تجميل الماضي، وفي إضفاء لمسة مغرقة في الرومانسية عليه، قسونا على أنفسنا أكثر في التعايش مع الحاضر، وازدادت تعاستنا واستحال علينا تغيير الواقع.


لو نظرنا إلى الماضي بصورة أكثر عمقا وموضوعية، وقبلناه كما هو، من دون تغيير، لاستطعنا تمييز وتقدير الصورة الحقيقية بدلاً من تلك الزائفة التي أجرينا لها عملية “فوتوشوب”. ولوجدنا أن بعض الأشخاص الذين كنا نظن بأنهم أصدقاء مخلصون لنا، وكانوا جزءاً من ماضينا، ليسوا سوى عابرين، طارئين على حياتنا، وبأن سنوات الدراسة الجامعية التي نحنّ إليها كانت مليئة بالمنغصات، والضغوطات، وضيق ذات اليد، وأن الأفلام والأغاني القديمة لم تكن أفضل؛ فمنها الجيد ومنها الهابط، إذ إن الحياة هي الحياة بنجاحاتها وإخفاقاتها، وأفراحها وأتراحها، تضحكنا حينا، وتبكينا أحيانا أخرى، لكن انتقائيتنا في تناولها هي التي تصنع الفارق.


البشر يملكون المقدرة على إعادة صياغة ماضيهم وجعله يبدو أفضل حالاً أو أسوأ. وبإمكانهم إضافة أي جزئية يشاؤون إليه، كلما شدهم الحنين، لتختفي الصورة الحقيقية بالتدريج تحت طبقات كثيفة متخيلة لم تكن جزءا من تلك الصورة.
عاصم منصور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى