أخبار الأردناهم الاخبارتقارير التاج

الأردن.. بيئة اعلامية طاردة.. خريجون بلا مهارات ورغبات بالهجرة

الإعلام الأردني يفقد احترافيته ومعايره المهنية.. والنقابة تخلّت عن دورها


"اعلاميو المقسم" يتصدرون المشهد


المادة" أبرز أسباب مغادرة الصحفيين للبلاد


تحديات المملكة لعبت دوراً في تراجع الإعلام الأردني


الغالبية الساحقة من خريجي الإعلام لا يملكون المهارات والمعارف الكافية


البيئة الإجتماعية في الأردن غير داعمة لعمل النساء في الصحافة


التاج الإخباري – عدي صافي 

يواجه القطاع الإعلامي في الأردن أسوةً بدولِ العالم تحدياتٍ عِدّة، منها رغبة شريحة واسعة من العاملين بمغادرة البلاد بحثاً عن فرص حياة أفضل، أو تحدي انعدام المعرفة لدى جزء من خريجي الجامعات. 

"درسنا في الجامعات نظريات الإعلام منذ نشأتها وقدم لنا بعض المعارف في امور معينة، إلا أننا حينما خرجنا إلى سوق العمل اكتشفنا أنَّ الواقع مغاير تماماً لما كنّا نعتقد، وعلمنا أننا لم نتلقى تدريباً عملياً كافيا"، هذا ما قاله عدد من الشباب الخريجين العاملين في مواقع الكترونية لـ"التاج". 


المادة" أبرز أسباب مغادرة الصحفيين للبلاد 

الصحفي المخضرم رجا طلب أكدَ أنَّ السبب الأساسي لرغبة بعض أبناء مهنة الصحافة والإعلام بمغادرة البلاد هو سببٌ مادي، معتبراً أنَّ عدد الصحفيين الذين قرروا هجرة البلاد لأسبابٍ تتعلق بمنع النشر أو التضييق أو غيرَ ذلك نسبتهم ضئيلة وتكاد لا تُذكر. 

علي "اسم مستعار"، بينَ أنَّ العمل في غالبية المواقع الإلكترونية في البلاد لا يكفي الصحفي لقضاء حاجاته المتنوعة، من تنقل ورداء ومعيشة، وهو ما بات يجبر الشباب اما على الهجرة أو على ايجاد عملٍ آخر، في حين لجأ البعض إلى "الإبتزاز" أو "التسول" من بعض المسؤولين. 

وقال طلب لـ"التاج" إنَّ هنالكَ تراجعا ملحوظا في مستوى وقيمة الإعلام الأردني ودرجة المهنية للصحفي الأردني؛ بحكم أنَّ  هناك شخصيات كثيرة  جاءت من المجهول أو من خلال السوشل ميديا ولا علاقة لها بالإعلام واخذت بتسيد المشهد الإعلامي الأردني، مبيناً أنّه لا يكشفُ سراً حينما يقول إنَّ  عدداً ليس بقليل من الناشرين سواءً للمواقع الإلكترونية أو لصحفٍ تصدر بشكلٍ أسبوعي أو شهري لا يملكون شهادات في الإعلام أو حتى شهادات ثانوية عامة وهم بالاساس دخلاء على المهنة . 


تحديات المملكة لعبت دوراً في تراجع الإعلام الأردني

وحول أسباب تراجع مخرجات الإعلام الأردني أوضحَ طلب أنَّ هنالك تراجعا في كل المستويات الإعلامية في العالم العربي؛ نتيجة الظروف السياسية التي مرت وتمر بها المنطقة منذ اكثر من ثلاثة عقود، عدا عن كون المناخ السياسي سلبي وضاغط وغير قادر على توفير حوافز للصحفيين، سواءً أكانت مادية أم معنوية. 

وفي الحالة الأردنية بين أنَّ الدولة شئنا أم أبينا تلعب دورَ "الحاضنةِ الأم"، ولأنَّ الأردن يواجه تحدياتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ كبيرة، أصبحَ دعم الحالة الإعلامية في أدنى سُلّمِ أولوياتها، مشيراً إلى أنَّ التلفزيون والإذاعة الأردنية كانتا في خمسينيات وستينيات وسبيعينيات القرن الماضي أهمّ بكثير من أي وسيلة إعلام عربية أخرى.

وتابع،" في حال رغبة الدولة برفع سوية الإعلام والإعلاميين ليكونوا عبارة عن رصيد وثروة وطنية حقيقية تتنافس على استقطابهم وسائل الإعلام العالمية فإن المطلوب منها هو ايجاد برامج مكثّفة لتطوير مهارات الإعلاميين لا سيما المتميزين منهم.


 إعلاميو" مقسم الهاتف" يتصدرون المشهد

رجا طلب علّق على تسيد بعض الإعلاميين للمشهد الأردني، واصفهم بـ"اعلامي المقسم" في اشارة إلى بعض البرامج الإذاعية لا سيما الصباحية والتي يتلقى  من خلالها هذا  "الإعلامي" شكاوى من الجماهير.

وقال لـ"التاج" إنَّ برامج الشكاوى لا تصنع حرفيين وربما معظمهم لا يعرفون كتابة الخبر أو المقال أو التقرير الصحفي ومع ذلك وبحكم العادة والتكرار والاطلالة اليومية التي تبدأ مع فتح الاتصالات الهاتفية أخذ هؤلاء حضورهم كما أخذوا لقب "اعلامي"، وبعضهم حقق شهرة بسبب طريقة الضحك المفتعلة والمتصنعة او طريقة تقعير الكلمات، وما زاد الطين بلة هي وسائل التواصل الاجتماعي التي حملتهم على اكتافها وروجتهم وصنعت منهم نجوماً بلا نجومية .

أحمد وهو سائق على "سرفيس" في العاصمة عمّان، قال إنَّ البرامج الصباحية التي تتلقى "الشكاوى" من المواطنين لها بعض الإيجابيات المتعلقة بحلّ قضايا عالقة لمواطنين، إلا أنها غدت تصور الأردن وكأنّه "نفق مظلم" لا يوجد به إلا المشاكل. 

وتابع في حديثه،" حلّ مشكلات المياه والكهرباء والطرقات يجب أن يكون من مسؤولية الجهات الحكومية بالدرجة الأولى، أي نعم من المهم أن تركز الصحافة على مشكلات المواطنين، ولكن ليس أنّ يصبح حديثها لا يتمحور إلا حول هذه القضايا". 


نقابة الصحفيين دخلت مرحلة "التراث" 

أما فيما يتعلق بدور نقابة الصحفيين والدولة ومؤسسات المجتمع المدني في تطوير مهنة الصحافة وتنظيمها، أكد طلب أنَّ نقابة الصحفيين الأردنيين دخلت مرحلة " التراث " وفقدت الى حد بعيد دورها وتاثيرها .

وأشار إلى أنَّ الدولة لم تعد معنية برفع سقف الحريات وتطوير المهنة، أما مؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر نفسها معنية بالصحافة وحريتها  فإنَّ معظمها وليسَ كلّها مرتبطة بمؤسسات خارج الأردن من أجل المنفعة والمساعدات والتمويل ولا تقدم أي نوع من الفائدة للجسم الصحفي أو مهنة الصحافة .

نقيب الصحفيين راكان السعايدة لم يجب على اتصالات واستفسارات "التاج" على مدى أيام، حول خطط النقابة في تطوير المهنة وتنظيم القطاع الإعلامي ككل.

اقرأ أيضاً:"الشبول يتحدث في لقاء موسع عن التحديات الإعلامية في الأردن". 


الغالبية الساحقة من خريجي الإعلام لا يملكون المهارات والمعارف الكافية

مؤسس وعضو مجلس ادارة مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور قال إنّه يجب قبل الحديث عن هجرة الشباب، تسليط الضوء على المستوى الذي بُذِل لتدريب وتأهيل الصحفيين وصناعة صحافة محترفة. 

وأوضح منصور في حديث لـ"التاج" أنَّ دراساتٍ كثيرة أُجريت تبين بها أنَّ الغالبية الساحقة من خريجي الجامعات لتخصصات الإعلام لا يملكون المهارات والمعارف الكافية، مشيراً إلى أنَّ أكثر ما تفعله كليات الإعلام اليوم هو الحشو عن نظريات تتعلق بالصحافة من دون وجود تطبيق وتدريب عملي. 

ونبّه إلى وجود مشكلة في الأردن تتعلق في تقييم وضع الصحفيين والصحفيات الشباب الذين يفترض أنّ يلتحقوا بالمؤسسات الإعلامية، مؤكداً أنَّ هذا الأمر ينسحب بالدرجة الأولى على المؤسسات الإعلامية الكبرى التي كانت تتربع على عرش الصحافة وتملك مئات الصحفيين، وبعضها كان يريح أكثر من ٢٠ مليون دينار في العام الواحد، إلا أنّها لم تخصص ميزانيات ولم تضع جهداً لتدريب الصحفيين. 

وأفاد منصور أنَّ ما ينطبق على المؤسسات الإعلامية ينطبق أيضاً على نقابة الصحفيين الأردنيين التي لم تبذل جهداً طوال العقود الماضية في تطوير المهنة والتدريب ولم تقدم اضافة نوعية في هذا السياق. 


منصور: المخاوف السياسية أفشلت مشروع المدينة الإعلامية الحرة في الأردن قبل ٢٠ عاماً

وعلى صعيدٍ آخر قال منصور لـ"التاج" إنّه في حال رغبنا بوجود صناعة للصحافة في البلاد، تستقطب رأس المال لبناء المؤسسات الإعلامية، التلفزيونات، الصحف والمواقع الإلكترونية، يجب أنّ نمتلك بيئة حاضنة وداعمة لحرية الإعلام. 

وتساءل إنّ كنّا نمتلك تلك البيئة في الأردن خلال السنوات الماضية من ناحية دعم حرية الإعلام سواءً على مستوى التشريع أو على مستوى السياسات والممارسات. 

وتابع، "أتذكر أنه قبل حوالي عشرون عاماً طرحنا فكرت انشاء المنطقة الإعلامية الحُرّة في البلاد، إلا أنّه وبسبب المخاوف السياسية فشل المشروع ولم ينفذ، لتصبح هناك مدينة اعلامية حُرّة في دبي بالإمارات العربية المتحدة، استقطبت أهم المؤسسات الإعلامية اليها. 


الصحفي يتمسك في بلاده في حال وجدَ حرية لممارسة عمله

وحول أثر الحُريات الإعلامية على هجرة الصحفيين، أكد منصور أنَّ للحريات الإعلامية تأثير كبير في هذا القرار؛ معتبراً أنَّ الصحفي في حال وجدَ بيئة عمل حُرة تساعده على اتمام عمله بشكلٍ احترافي وخلّاق، فإن ذلك سيدفعه إلى التمسك بالعمل في بلاده ومحاولة توسيع أفاقه، إلا أنه سيفكر بالرحيل في حال لم يجد بيئة داعمة. 

وفي ذات السياق قال إنَّ أحد أسباب رغبة الصحفيين بالرحيل هو أنَّ عدد كبير من المؤسسات الإعلامية ليست احترافية وأقرب إلى "الدكاكين"، موضحاً أنَّ ذلك مرتبط بشكل أساسي بعدم وجود صناعة اعلامية كبيرة، ما يعني عدم وجود شخص يقدم رواتب منصفة وعادلة للصحفيين. 

وبين أنَّ عدم وجود اعلان وادوات لدعم الإعلام، اضافة إلى دخل من وسائل وموارد مالية أخرى تقدمها الدولة، فإن الشخص سيبحث بالضرورة عن فرص أفضل للحياة. 


البيئة الإجتماعية في الأردن غير داعمة لعمل النساء في الصحافة

منصور علّقَ على بيئة العمل في القطاع الصحفي للإناث، مشيراً إلى أنَّ بيئة العمل للإناث في الأردن والوطن العربي في أغلب الوظائف تحوي تمييزاً ولا تكون مساندة وداعمة. 

وأكد أنَّ الصحفية لا تستطيع على سبيل المثال الخروج لتغطية صحفية في وقت متأخر من الليل؛ لأنَّ المجتمع لا يرحب بها، بل وسيوصمها وسيقدم عنها توصيفات غير ايجابية، وفي حال كانت أماً ولديها أطفال في ظل عدم تعاون الآباء سيرتب عليها مسؤوليات كثيرة. 

رلا "اسم مستعار" قالت لـ"التاج" إنها تواجه تحديات واسعة في عملها كصحفية في الأردن؛ مبينةً أنها لا تستطيع تنفيذ عشرات الأفكار التي تدور في مخيلتها في تقارير مصورة؛ لأنَّ بعضها يحتم عليها الدخول في مخاطر أو التصوير في أوقات متأخرة من الليل. 

وأفاد منصور أنّ الصحافة جزءاً من البيئة الإجتماعية فإن كانت بيئة المجتمع منصفة للنساء فذلك سيمتد وينسحب على الصحافة، ولكن إنّ كانت البيئة غير منصفة في كثير من المهن فبالتأكيد سيكون التأثير أكبر على الصحافة؛ لأنَّ طبيعة المهنة تتطلب الخروج إلى الميدان أو السفر أو غير ذلك. 


العالم بدأ يتعامل مع الصحافة بوصفها أداةَ بناءٍ ديمقراطي لحلّ أزمتها

وحول الحلول التي يجب أنّ تطرح لدعم الإعلام وتطويره، قال منصور لـ"التاج" إنَّ الدولة تحتاج إلى دراسة هذه الأزمة بالتعاون مع كافة الأطراف؛ لا سيما وأنَّ العالم أجمع بدأ يلحظ وجود أزمة في الصحافة وفي تأمين مواردها المادية مما جعلهم يتعاملون مع الصحافة باعتبار أنها جزء من أدوات البناء الديمقراطي. 

وطالب أنّ تكون الصحافة في الأردن مستقلة ومتنوعة؛ كي يضمن المجتمع حقه في الوصول إلى المعرفة، مبيناً أنَّ دولاً كثيرة أنشأت صناديق مستقلة لدعم الإعلام، على أن تكون الصناديق بمعايير واضحة وشفافة ولا تحكمها السلطة التنفيذية وإنما يكون بها شركاء من كافة الأطراف، مثل نقابة الصحفيين ونقابة الناشرين، وشخصيات من البرلمان والقضاء. 

وأوضح أنَّ تلك الأطراف تقوم بدراسة وضع الصحافة ويخصصون مبالغاً مالية من خزينة الدولة ومن مشاريع أخرى، لدعم الصحافة كي تستمر، ليسَ باعتبارها مؤسسات تجارية أو "دكاكين"، إنما باعتبارها منصات ومنابع للمعرفة تخدم الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى