مقالات

رجالٌ لنّ تأخذهم سِنةٌ أو نَوم عن نَجدةِ الملهوف

التاج الإخباري – كَتبَ عدي صافي

"رجالٌ لمّ ولنّ تأخُذَهم سِنةٌ أو نَوم عن نَجدةِ الملهوف"، ما وجدتُ وصفاً أدَق، وكلماتٍ أصدق، من تلك، لأبدأَ حَديثي عن رجالٌ بواسل.

أفرادُ الأمن العام، أوتادُ الأرض، ملائكةُ رَحمَة، في أفراحنا حاضرين، وفي ملاعبنا يحفظون الأمن، وعلى أرصفةِ الطرق يوفرون الأمان، وحينما يناديهم الملهوف يلبّون. 

 عمارة اللويبدة سقطت، فأسقطت قلوبَ الأردنيين، هرع جنودُ المعارك الصعبة إلى موقع الحادثة، وعلى مدار ثلاثة أيام لم تأخذهم سِنةٌ أو نَوم خلال عمليات الإنقاذ وما زالوا يشقون الصخور بحثاً عن ناجين أُحتجزوا تحتَ الرُكام. 

القصة لا بُدَّ أن تُقرأ، بل لا بُدَّ أنّ نحياها بكُلِّ ما أوتينا من مشاعر، حيث أن الرجال الذين حفظنا ملامحهم عن ظهرِ قَلب، والتراب يغطي كامل جسدهم، هُمّ، سكنَ صوتَ دقّ المعدات في عقولهم، ينادونَ على المحتجزين كما ينادونَ أحبّاءهم، ويسمعون أنينهم الخافت، يسألونهم بحُبّ عمّا يُريدون، ويطمئنونهم على الذين تعشقهم شُغافُ قَلوبهم، يعطونهم ماءً ليرتوي بهِ ظمأهم الذي  ارتشفَ منذُ الفاجعة، الخوفَ والغُبار، والقلق الذي لا ينتهي.

رجالنا البواسل الذين نفاخر بهم الدنيا يثابرون لرفع حجارةٍ وزنها أطنان، أياديهم تنزفُ دماً، لكنهم ما شعروا بالألم ابدا؛ فغايتهم حمايةَ أرواحٍ تنادي من الظلمات، ليصلَ صوتها الى النور! 

النور بعد الظّلمة، النور، بعدَ الألم، النور، بعدَ البُكاءِ والدّم، ودائماً سيأتي النور ليحجب الظلمة والسواد ما دامَ ابناء الأردن العظيم، واقفين صفاً واحداً، متراصين مع بعضهم، لا يتركون بعضهم لألم الزمان… 

في هذه اللحظات الأليمة، نساءٌ قبّلنَ النَّعوش، قُبلةَ الألم! 
مشاهدٌ مُهيبة؛ تكبيراتُ المساجد وترانيمُ الكنائس ودعواتُ البُسطاء تختلط في سماءِ الأردن التي تذرفُ حُزناً في ليالٍ بائسة… 
ليعلم النّاس، أنَّ الدينَ للّه، وانّ الأخوةَ لأبناءِ الأردن، نَحُنُّ الى بعضنا البعض، حنين الطفلِ لصدرِ أُمه.
من فارقونا طارت أرواحهم البريئة نحوَ العلياء نحوَ السماء..
ورجالُ البأسِ والسلام، يواصلون ليلهم بالنّهار؛ لمساعدة المحتجزين تحتَ الرُكام…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى