مقالات

العلاقات الأميريكية ـــ السعودية هل ستعود إلى طبيعتها بعد مرحلة الفتور الحالية …؟

التاج الإخباري – بقلم: المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات 

أن منطقتنا العربيه وخاصة  دول الخليج العربي تعد من أغنى مناطق العالم بثرواتها الطبيعية، لذا ظل الصراع عليها لا يتوقف بين الدول الكبري كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وغيرهم، هذا وتبقى الدولتين الفاعليتين في هذه المنطقة هي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وغابت العراق بعد ذهاب صدام حسين، ويقال اليوم بأن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية وبتوجيه مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان كانت قد دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر في فك الإرتباط بالمنطقة، وكانت الدبلوماسية الأميركية تجاه الرياض بعد فترة فتور نتجت من إستقلالية القرارات السياسية السعودية بعيداً عن مطالب الولايات المتحدة الأميريكية، وكانت قد تزايدت خلال الفترة الأخيرة التحركات على الجانبين الإيراني والأميركي ألتي تؤشر إلى أحتمالات تصعيد أو تأهب، فعلى الجانب الإيراني كثف الحرس الثوري من نمط أستعراض القوة في الخليج العربي عبر الإعلان عن تزويد وحداته البحرية بطائرات مسيّرة وصواريخ " كروز " وصواريخ باليستية، إلى جانب إجراء مناورات في جزيرة أبو موسى، مع تزامن التحركات الإيرانية نلاحظ مساران أميركيان، الأول تعزيزات أميركية في الخليج العربي تهدف إلى ردع إيران، فقد وصل أكثر من ( 3000 ) بحار ومشاة من البحرية الأميركية إلى البحر الأحمر في ما قيل إنه رد على مضايقات إيران ومصادرتها لسفن تجارية خلال الفترة الأخيرة، ووفقاً للقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية سينتكوم ، فمنذ عام 2019 أحتجزت إيران وأعترضت سفناً عدة تمر بالخليج العربي، في محاولة للضغط على الغرب حينما أنسحبت واشنطن من الإتفاق النووي، وكنوع من أستعراض قوتها أمام جيرانها من دول الخليج، لكن بعد إتجاهات التقارب بينها ودول الخليج العربية، أصبحت التعزيزات العسكرية وأستعراضات القوة تثير جدلاً في الآونة الأخيرة، وفي المقابل حرصت واشنطن على إبراز أهتمامها بالأمن البحري الإقليمي بعد أعوام من إظهار عدم الإكتراث بتفاعلات المنطقة في ظل إستراتيجية التوجه شرقاً ألتي أنتجتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ إدارة باراك أوباما وتزايدت مع إدارة جو بايدن وألتي أدت إلى خفوت الأهتمام الأميركي بالشرق الأوسط وبدء الإنسحاب التدريجي الذي تأكد مع الإنسحاب من أفغانستان وتقليل القوات الأميركية داخل العراق وبعض القواعد العسكرية في الخليج، هذا وجرت في النهر مياه كثيرة، بحيث فترت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول المنطقة، لا سيما المملكة العربية السعودية ألتي إنتهجت سياسات أقتصادية وسياسية ودبلوماسية تباعدت عن الموقف الأميركي، خصوصاً في ملف الطاقة وأسعار النفط وحجم الإنتاج، كما تقاربت إيران وبعض دول الخليج العربي والحدث الأهم كان إتفاق المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية برعاية الصين، حيث تم إفتتاح سفارةالمملكة العربية السعودية في طهران مؤخراً، ليؤشر إلى أهتمام صيني متزايد بالشرق الأوسط، منطقة النفوذ والمصالح الأميركية في مقابل الإنسحاب الأميركي وبعده من الدور السياسي والأمني التقليدي، لذا  تحول الموقف الأميركي أخيراً ليعيد الأهتمام مرة أخرى بما يجري في منطقة الخليج العربي، فوصول جزء من القوات الأميركية إلى المنطقة وصفه مسؤولو الدفاع بأنه رد على محاولات إيران للأستيلاء على ناقلات تجارية، كما أعلن البنتاغون نية نشر طائرات هليكوبتر ومراكب إنزال برمائية إضافية للأنضمام إلى عشرات الطائرات الأميركية من طراز  Fــــ35 ، إضافة إلى طائرات  Fــــ16 و إــــ10 ومدمرات الصواريخ الموجهة البحرية، فضلاً عن تكثيف الدوريات المشتركة في مضيق هرمز ومن حوله، والإهتمام الأميركي أخيراً قد يكون لأسباب عدة منها إقتراب الموعد النهائي في تشرين أول/ أكتوبر لانتهاء عقوبات الأمم المتحدة على إيران من الإتفاق النووي لعام 2015 والتي لم تنجح حتى الآن في التوصل إلى أي إتفاق، إلا بعض التسريبات الإعلامية الغربية حول تفاهمات سرية ولكن لم تتبلور نتائجها للآن. فربما يكون هدف التحركات الأميركية أخيراً في الخليج العربي إبراز نوع من الحزم والردع في مواجهة إيران.
     هذا وكان المسار الأميركي الآخر في الخليج العربي قد أرتبط ببعض التفاهمات التي حدثت مع المملكة العربية السعودية، سواء في ما يخص حل أزمة السودان أو زيارات الدبلوماسيين الأميركيين للمملكة العربية السعودية، فكانت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وهي زيارة أخرى رفيعة المستوى إلى المملكة العربية السعودية بعد أسابيع فقط من وصول مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، جيك سوليفان، كما أن الدبلوماسية الأميركية تجاه  المملكة العربية السعودية بعد فترة فتور كانت قد نتجت من إستقلالية القرارات السياسية السعودية بعيداً من مطالب الولايات المتحدة وأتباع سياسات نفطية مستقلة، ومعالجة مصادر التهديد لأمنها بالإعتماد على ذاتها، وأدت تداعيات السياسة الخارجية السعودية أخيراً إلى إعادة  الولايات المتحدة التفكير في دورها بالشرق الأوسط، فبدت حريصة على تجنب تحركات بكين لتصوير نفسها على أنها وسيط دبلوماسي ومصدر للدعم الأمني في المنطقة البديل لواشنطن، أي إنه يمكن القول إن السياسة الخارجية السعودية أخيراً التي وسعت من شركائها الإقليميين والدوليين وأعتمدت على ذاتها لمعالجة مصادر تهديدها ومنها ملف المصالحة مع إيران، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة النظر في فك الأرتباط بالمنطقة، ومن ثم يمكن القول إن التعزيزات الأميركية في الخليج العربي والزيارات الدبلوماسية المكوكية للدبلوماسيين الأميركيين إلى المنطقة كلها بدافع من الدور السعودي أخيراً، سواء إقليمياً أو على المستوى الدولي، أما في ما يتعلق بإيران، فلم تكن الدافع الرئيس والمحرك لإدارة بايدن تجاه المنطقة وقضاياها، فالسلوك الإيراني في مياه الخليج العربي كما هو لم يتغير منذ مجيء إدارة بايدن، أي إن الولايات المتحدة تريد إعادة الأرتباط وإعادة الأعتبار لدورها الدبلوماسي والأمني وتعزيز شراكاتها مرة أخرى مع دول الخليج، ومن ثم فإن تحركاتها أخيراً هي رسائل إلى دول الخليج نحو الطمأنة والشراكة وإرسال رسالة مفادها بأننا لن نترك فراغاً لمنافسينا الإستراتيجيين في المنطقة، أي إن إدارة بايدن تسعى إلى تعميق شراكتها مع المملكة العربية السعودية وتوسيعها بالنظر إلى الدور المهم الذي تلعبه الرياض وبمتابعة مباشرة من ولي العهد في جميع أنحاء المنطقة وكيف تموضع نفسها في المشهد العالمي الجديد، وعادة العلاقات الأميريكية ـــ السعودية تمر بفترات فتور ثم تعود إلى حالتها الطبيعية المتعارف عليها .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى