مقالات

الفن والدراما وتوظيفها السياسي إنجاحاً لمرحلة التحديث، ما المطلوب ؟

التاج الاخباري – بقلم سلطان عبد الكريم الخلايلة

تبدع المجتمعات دوماً حينما تنجح في صياغة أدبٍ مرئيٍ يصنع ثقافة تمثّل هموم وأولويات الناس، وبكل تأكيد هذا يدعونا لأن نطرح تساؤلنا المشروع: لماذا لا يمكننا في الأردن صياغة مثل هذا الأدب، وما هي العوائق أمام ذلك؟ والجواب يأتي فوراً أن العوائق كثيرة، وأولها ما يعانيه الناس والمجتمعات البشرية بعمومها من هرج ومرج، ولكننا أيضاً نستعرض حالة الفيلسوف الكندي المعاصر آلان دونو الذي لم يكن في نزهةٍ أو في حالة ذهنية يسودها التهريج وهو يكتب عن "عصر التفاهة" في كتاب جاء بعنوان: نظام التفاهة، فأبدع في ذلك لا محالة ونجح في ما كتبه وبات علامة فارقة في مجاله. 

نعلم بأن هذه المشكلة ليست وحدها الشعوب العربية من تعاني منها، بل إن ضحالة الأدب المُقدّم للناس ومنه المرئي تعاني منه الشعوب بأكملها، كما أن "ثقافة التفاهة" تُقدم اليوم بصفتها الثقافة السائدة، ثم يراد صناعتها ويراد لها أن تحكم وتضبط إيقاع أفراد المجتمعات البشرية وهذا الأمر يضيف مزيداً من الأعباء على من يريد صناعة ثقافية جادة مفيدة، ولعل الكثير منّا يتابعون اليوم ويرون بأن لا شيء مفيد وجاد إلا ما يقدم من أطباق تفاهة أو مما يقدّم من شخصيات توّلد التفاهة وأفكار معلّبة بطريقة أنيقة حتى لا يرى أحد تفاهتها. 

هُنا وبكل واقعيّة، فقدت الدراما قدرتها على تقديم ما يجب أن تقدمه، وباتت المواد التي تصنعها من جدل واختلاف هي تلك التي لها صلة وثيقة مع نظام التفاهة العالمي، و دعونا هنا نقول ونعترف بأن من أهم وسائل تشكيل الوعي المجتمعي في مختلف القضايا سلباً أو إيجاباً هي الدراما التي تنقل تفاعلات الناس مع واقعها الإجتماعي فتحوِّل قصص المشاهد إلى وعي جمعي يرتد على الواقع الحي في جميع مجالاته ومنها الجانب السياسي. 
كل هذا يذهب بنا إلى الوقوف كثيراً عند أهمية الدراما والفن وتوظيفها السياسي، فهي القوة الناعمة لتوجيه رسائل اجتماعية وسياسية للمجتمع، لا سيما ونحن نخوض محيطات في الظلمات فوق بعضها طبقات متراكمة؛ ليس في مجتمعنا بحسب، بل في العالم أسره، كما أن التشابك والتفاعل بين السياسة والدراما يعتبر ذو أهمية كبيرة لما يقدمه من تكوين الصورة الذهنية من الناحية السياسية، ونود أن نقول أيضاً أن هنالك أهمية لخلق مساحة واسعة لنقل جدل المجتمع والسياسة إلى دراما وبث نقاشات شعبية، وتقوم تلك الدراما على تقديمها في مقاربات فنية لمحاكاة مجموعة من القضايا أو التركيز على واحدة منها ليصبح لها دور في معالجة صادقة دون انحياز  وأن لا تكون مجرد مسكنات دون حلول. 

إن تأثير الفن السياسي ودوره في المجتمع يعتبر تأثيراً بالغ الأهمية للدخول في معترك الحياة السياسية، كما يكون أيضاً أداة لجمع أناس مختلفين مقابل الشاشة لمشاهدة وتقديم سرديات، حتى لو كانت متعارضة مع سياسة الإنتاج، مثلاً يؤدي إلى  تشكيل وعي سياسي راسخ؛ يغير في سلوكيات الناس بما تتطلبه الاستراتيجيات والخطط، ولن أخوض في جانب الدراما والسرديات التاريخية وأهميتها في تقديم القضايا للمجتمع الدولي، بل سأبقى في دائرة تأثير الدراما محلياً وعن دور الدراما والفن في السياسة، وهذا ما أردت تسليط الضوء عليه فالدراما ونجاح رسالتها في ذلك تزعج من لا يريدون الإصلاح والتحديث السياسي، وتزعج الفاسدين من بعض المسؤولين ومن هم في بعض المؤسسات من خلال تسليط الضوء على مواطن الخلل لتقويمها ومعالجتها.
دعوني أن أختم هذا المقال حينما كنت برفقة زملائي أعضاء لجنة تمكين الشباب في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأذكر حينها كيف أشّرنا للأدوار الهامة للدراما على صعيد التنشئة السياسية للشباب وقدّمنا توصيات للجهات المختصة ضمن ورقة السياسات التي قدمت مع حزمة القوانين حينها، وكلّي أمل أن ترى هذه التوصيات النور كما رأت باقي التوصيات ومخرجات اللجنة الملكية النور وخرجت إلى حيّز التنفيذ بعد مرورها بالقنوات الدستورية المختلفة، وباعتقادي أن هذا الطموح قابل للتحقيق نظراً لأهميته الكبيرة، فلا سبيل لنا اليوم إلا بالإصلاح الشامل الذي يجب أن نتكاتف جميعاً من أجله سعياً لنهضة أردننا واستمرار تحديثه وصولاً لما نأمله.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى