مقالات

بساطة العيش

التاج الإخباري – بقلم ناجح صوالحة

 قبل أيام شدني الحنين أن أعود لتعب أمي عندما كانت تبحث عن أي شيء في البــيت لأجل أن تصنع لنا وجبة الغداء قبل عودتنا من المدرسة, لا يهم نوعها أو مكوناتها أهم شيء أن تشـبع لهفتنا لنتناول طعاماً يسد جوعنا, زرعت بعض شتلات الباميا واللوبيا في قطعة ارض لنا وقمت بقـطفها وتجميعها لعل وعسى أن اتقن ما اتقنته الراحلة أمي، لأصنع بعضا مما كانت تصـنعه لنا من طعام، استـغرب أفراد أسرتي من مكوناتها ولأول مرة يشاهدون هذا الخليط «باميا» مع «لوبيا» مع كمية من البندورة, وضعتها أمامهم، وأنا كلي فرح.

أجزم أن هذا الجيل افتقد كثيرا من صعوبات تلك الأيام التي عشناها بمـعاناة وحاجة وفقر, كنا نرفع رؤوسنا بما يقدمه الاباء, لم نكن نشعر بالعوز رغم أننا عشناه بكل تفاصيله, كان القليل مما يتحصل لنا كالجبال نراه ونسعد به, كان تعبنا ومكابدتنا للحياة يعطياننا قوة ومنعة لنسير للأمام ولا نبالي بمعيقات الحياة، ونتجاوزها بكل ما أوتينا من عزم وتكاتف.

بسيـطة كانت حياتنا ونعمل بمردود قليل لكن كان يكفينا بحلاله عن حرامه ويمدنا بصبر واحتمال لنبقى كما يتمنى، والدانا كالصـخور في مهب الرياح, نصمد ولا نبالي، كانا على يقين دائم أن الصعاب تصنع المجد والمستقبل, لهذا كانـت عيشتنا وتعبنا هما المحفز لنواجه قادم الايام بمتانة وصبر وعزيمة.

في ليلهم وأعني هنا من يكون تفكيرهم أن يكون الغد بخير, تفكيرهم محدد بيوم او يومين وتترك باقي الأيام لله تعـالى يتدبرها بأمره, بساطة عشناها واثمرت اننا استطعنا تحمل الظروف الصعبة التي مررنا بها, أكلنا من تعب أيدينا وخيرات أرضنا, كان الجيران يميلون على بعض والمتوفر مع الجار هو لك, مكشوفين جميعنا وحاجاتنا معروفة ويسمع بها المحيطون بك, اغراض بيتك بمتناول يد جـيرانك ونادرا ان تجد جار يرفض ان يلبي طلب جاراً لإدراكه انه سيحتاجه ايضا.

صدقوني.. إن اردنا ان نخرج من الضائقة الاجتماعية والثقافية والمالية والنفسية سبيلنا ان نعيد تفكيرنا بمسارات حياتنا، لنزيل عن كاهلنا المفروض علينا رغـــما عنا، متطلبات الحياة الإضافية نحن اوجدناها وباستطاعتنا ان نستغني عنها لعدم جدوى وجودها, كماليات ونفقات اتعـبت اسرنا وزادت من تحديات نقاء معيشتنا وتفكك علاقات الناس بعضهم ببعض, كثيرا ما تجد من يتمنى أن يعيش ببساطة ويعيد شريط ذكرياته لتك الأيام ودموعه تسبق حديثه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى