مقالات

محطة طارق “الباص السريع” ما بين وهم الحداثة وواقع الحال

التاج الإخباري – بقلم المهندسة دانا القطاونة

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور لجسم غريب المعالم مختلف التكوين عن الطابع العمراني لعمان ككل ، مبنى بمواد حديثة وبتصميم فراغي أقرب للمركبة الفضائية بمجسات على جانبيه ، وجوده بمنطقة مثل طبربور ذات التركيبة الديموغرافية العجيبة وطابع المنطقة السكنية المليئة بفوضى الاسواق ، ولكن على الرغم من ذلك هنالك شيء من النسيج المترابط وروح تحكي روعة المكان.

اليوم يقف المواطن الاردني بحالة من الذهول أمام هذا التصميم ، يقف من بعيد دون أدنى إدراك لمحاولات سلخ عمان عن هويتها العمرانية الاصيلة وصبغها بطابع الحداثة البعيد كل البعد عن ملامحها المتناثرة فوق جبالها السبع وبعيد أيضاً عن ملامح ساكنيها .

المصمم لم يحترم طبيعة البيئة الحضرية لعمان ولا بصمتها العمرانية الموسومة بالحجر الذي تحكي تصدعاته وشقوقه أحاديث أهل المدينة ، ولا تلك المداميك الشاهدة على أفراحهم وأتراحهم ، تلك الخطوط المتوازية الرتيبة كرتابة أحلامهم ، وإن تمردت أخذت بالارتفاع فقط لتواكب حالة التكثيف العمراني بالامتداد العمودي لتستوعب أكبر عدد ممكن من النازحين الى التجمعات السكنية في العاصمة ، الباحثين عن فرصهم المفقودة في المحافظات وغيرها .

تصميم المحطة جاء على المقاس البصري للباحثين عن الجمال والحداثة وعن التحف المعمارية ذات الملامح الدخيلة ، ولكن التصميم هذا ضرب بعرض الحائط نسيجاً عمرانياً مكتمل التكوين ، وخلق حالة من الشذوذ البصري ،بمنطقة أخذت طابع عمراني كلاسيكي جداً ، الامر أشبه ب تواجد هاتف "آيفون" حديث جداً بين مجموعة أجهزة نوكيا قديمة للغاية ،تخيلوا حجم الغرابة !

عدم إحترام المصمم للهوية وأصالة المكان لا يعني أنه مبدعاً ولا أنّه يخلق شيء من العدم مبتكر وفريد وفيه شيء من الجنون والتمرد على المألوف لاحداث ثورة عمرانية ، هذا تشوهاً بصرياً فقط .

 كما لاحظت في الاونة الاخيرة أن أمانة عمان تسعى جاهدة لطمس إرث معماري عظيم بزرع أجسام غير مدروسة تلفت انتباه المتلقي بشكل لحظي وتبدد فكرة أن كل ما وصلت الية ثورة العمران في الاردن ما هو إلا امتداد لمدارس معمارية أردنية نتاج إبداع مهندسين أردنيين أقطاب وأرقام صعبة في هذا الحقل ، أي ليس عشوائياً وجاء صدفة! 

احترام النسيج العمراني سواء بالمواد أو بالفكرة التصميمية واحترام المبدأ العام للتصميم وهو "الشكل يتبع الوظيفة" ، لا يعني خلق كل ما هو قديم وتقليدي ، عشرات المباني تحمل طابعاً مشابه لهوية عمان في غاية البراعة والتطور .

بُعد أمانة عمان عن المجتمع المحلي واستثناء مخططيه ومهندسيه من المشاركة في صنع القرار ، وعدم دقتها في اختيار المصمم يخلق حالة من الفوضى وإثارة الجدل ، ويزيد من حجم الفجوة بين المدينة وساكنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى