أخبار الأردن

متخصصون وباحثون يتأملون بيت المقدس في عيون الرحالة الأندلسيين والمغاربة

التاج الإخباري – عقد منتدى الفكر العربي، يوم الأربعاء 3/11/2021 لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضرت فيه أستاذة الأدب العربي والأدب الأندلسي وعضو المنتدى د. فريال العلي حول “بيت المقدس في نظر الرحالة المغاربة والأندلسيين”، وشارك بالمداخلات في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى، د. محمد أبو حمّور، أستاذة الأدب الأندلسي في جامعة المستنصرية في العراق د.أناهيد الركابي، وأستاذ الحضارة في الجامعة التونسية د.لطفي دبيش، والناقدة والباحثة في النثر العربي القديم والبلاغة الجديدة في المغرب الأستاذة نادية الزقان، والباحثة في الدراسات الأندلسية والاستشراقية في الأردن د.رشا الخطيب، وأستاذ اللغة العربية وآدابها في الجامعة الأردنية د.عبد الله المانع.

أوضحت المُحاضِرة د. فريال العلي أن صلة الأندلسيّين والمغاربة ببيت المقدس مرتبطة بأسباب دينية، وتتمثّل معالمها بالحج للبيت الحرام وزيارة المسجد النبوي وطلب العلم، وأن كثيراً من الرحالة آثروا البقاء ببيت المقدس حتى وفاتهم، وأسهموا في الحياة العلمية والسياسية حتى أصبحوا من العلماء المشهورين بين المشارقة أمثال أبو عبدالله القرشيّ الهاشميّ (ت599هـ).

وذكرت د. فريال العلي أن عدداً من الرحالة المغاربة والأندلسيين قد دونوا مشاهداتهم عن بيت المقدس، ووصفوه وصفاً دقيقاً غنياً بالمعلومات الهامة التي لم تدرج في كتب التاريخ المعاصرة، أمثال الأندلسي الشريف الإدريسي، وابن جبير، وابن بطوطة، والمقري.

ناقش المتداخلون أسباب توجه الرحالة المغاربة والأندلسيين إلى البلاد المشرقية وخصوصاً منطقة الحجاز وبيت المقدس، وأهمية أدب الرحلة في رسم صورة واضحة عن أحوال الشعوب في زمانهم، كما بينوا الأهمية الدينية والعلمية لبيت المقدس التي جعلت منه مكاناً يقصده من يطلب العلم والمعرفة ومن يحب الاكتشاف.

وأكد المشاركون أهمية إجراء دراسات وبحوث علمية بالرجوع إلى كتب الرحالة، واتخاذها مراجعَ، كونها تغطي مراحل زمنية واسعة، وتتناول موضوعات عديدة ومختلفة، يحتاجها الباحث لقراءة وفهم العلاقات بين الثقافات والحضارات السابقة للكتابة ونقل المعارف والمعلومات عنها.

التفاصيل:
أوضحت د. فريال العلي أن صلة الأندلسيين والمغاربة ببيت المقدس مرتبطة غالباً بأسباب دينية معالم تتمثّل في حج البيت الحرام وزيارة المسجد النبوي وطلب العلم، وأن كثيراً منهم آثر البقاء في بيت المقدس حتى وفاته، وأسهم في الحياة العلمية والسياسية، ومنهم أبو عبد الله القرشي الهاشمي (ت 599هـ) أحد أشهر المتصوفة الأندلسيين، وإسماعيل بن محمد الأنصاري الأبذي (ت 656هـ)، وكان إماماً في مسجد الصخرة، وأبو بكر الشريشي المالكي (ت 658 هـ) الذي تولى مشيخة الحرم الشريف ومشيخة المدرسة بالقدس.

وبينت د. العلي أن كثيراً من الرحالة المغاربة والأندلسيين قد دونوا مشاهداتهم عن بيت المقدس وأسهبوا في وصفها وصفاً دقيقاً وغنياً بالمعلومات الهامة، ومنهم الرحالة الأندلسي الشريف الإدريسي (ت 559هـ) في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”، حيث وصف سور المدينة بأبوابه الأربعة، وكنيسة القيامة، والمقبرة المقدسة، والكنيسة العظيمة، والمسجد الأقصى وصفاً كاملاً، وعَرَجَ بعد ذلك إلى وصف ما شاهده في رحلته من أماكن مختلفة، مؤكدةً أن كتابه يُعد مرجعاً هاماً عن فترة الاحتلال الصليبي لبلاد الشام.

وقالت د. العلي: إن ابن جبير (ت 614) أكثر الرحالة الأندلسيين الذين زاروا بلاد الشام، فزارها إبان الاحتلال الصليبي لبيت المقدس عام (578هـ)، ودون مذكراته لما جرى من أحداث ووقائع عسكرية بين المسلمين والفرنجة، وعاد إليها بعد أن حرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس وأقام فيها عاماً واحداً، ولم يصلنا من أخبار هذه الرحلة الكثير، وكانت رحلته الأخيرة إليها بعد أن زار الحجاز للحج عام (614هـ).

وأضافت د. العلي أن ابن بطوطة صاحب أهم رحلة في العصر الوسيط، ففي كتابه “تحفة النظار” الذي دوَّنه محمد بن جزي الكلبيّ (756هـ)، تحدث عن بيت المقدس بعد انتهاء الحروب الصليبية بشكل دقيق، فوصف سورها الذي هدم جزءاً منه صلاح الدين الأيوبي إبان معركة حطين، والقناة التي شقها سلاطين المماليك لتوفير المياه للمدينة، كما وصف كلاً من المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وكنيسة القيامة والمزارات الدينية المقدسة عند المسيحيين، وذكر أهل العلم والتصوف الذين اجتمعوا في بيت المقدس.
وذكرت د. العلي بأن المقري (ت1041هـ) في كتابه “نفح الطيب” ذكر رحلته لبيت المقدس عام (1029هـ)، وبيَّن بدائع وجمال المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ومحل المعراج الشريف، وبأنه ألقى بعض الدروس في المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة عام (1037هـ).

وبين د. محمد أبو حمّور أن أهم ما تكشف عنه الرحلات عموماً، والرحلات الأندلسية والمغربية هو تطور العلاقات بين أجزاء من العالم العربي والإسلامي أيضاً، وتوضِّح جذور التنوع الثقافي والمشتركات الحضارية، عدا الامتداد الحضاري والثقافي لحضارتنا في عالم العصور الوسطى ومعالم التطور، وما أفادت به هذه الحضارة العالم من تنبُّه إلى العلم والقيم والثقافة والأفكار والحوار. فالأندلس تمثل جسراً بين الثقافات كما أسهمت في نهضة أوروبا الحديثة باعتراف كثير من المستشرقين والباحثين الغربيين.

وأشار د. محمد أبو حمّور إلى أن الرحلات الأندلسية والمغربية تمثل صورة واقعية من صور التاريخ الاجتماعي والثقافي للشعوب العربية والإسلامية، خلال حقب تاريخية مختلفة، وتعبر أيضاً عن الأحوال السياسية والاقتصادية، كما تعد من الوسائل المهمة للتواصل المعرفي بين الشعوب، وتتحدث عن عادات وتقاليد ومظاهر حياة وأنماط عيش كانت سائدة في الزمان القديم، وتورد معلومات عن الكثير من الشخصيات في الأماكن والبلدان التي زارها الرَّحالة. 

ومن جهتها بينت د. أناهيد الركابي أن الرحلات المغربية والأندلسية إلى المدينة المقدسة غاية في الأهمية، لأنها تبيِّن لنا إسهامات العرب والمغاربة في الأدب الجغرافي وأدب الرحلة، موضحةً أنهم أوردوا في كتاباتهم معلومات تاريخية عن المدينة معتمدين على مشاهداتهم وما سمعوه من أهلها، وهي معلومات لا تتوفر في كتب التاريخ المعاصرة على الرغم من أهمية المكان، وذكرت أن الزيارات لمدينة القدس تأتي من أهميتها الروحية في الديانات السماوية الثلاث وخاصةً الإسلام، بالإضافة لطلب العلم على يد أكبر العلماء والمشايخ؛ وأكدت ضرورة عمل دراسات تتناول الجانب العمراني لبيت المقدس من خلال كتابات الرحّالة مع مراعاة التسلسل التاريخي لزياراتهم.

وقال د. لطفي دبيش: إن الأبحاث والقضايا التي تتعلق برحلات المغاربة والأندلسيين إلى بيت المقدسة جديرةً بالنشر والاهتمام، وهي قليلة مقابل الأبحاث المتعلقة بالشعر القديم والبلاغة، بالرغم من أن نصوصها عاشت امتداداً زمنياً طويلاً من القرن الثالث إلى القرن الخامس في المشرق الإسلامي، ومن القرن السادس إلى القرن الثامن في المغرب الإسلامي، ولاقت تقبلاً أكثر من النصوص الأدبية الأخرى، ما وفر فيها مادة معرفية زخمة تحيط بالمدينة من جميع عناصرها الطبيعية والبشرية، وأوضح أن أدب الرحلة أرسى القواعد المنهجية التي تستند إلى العيان والبحث الميداني، إلا أن الجوانب الذاتية والرؤية الشخصية والثقافية والسياسية لبعض الرّحالة يمكن أن تظهر في بعض نصوصه.

وذكرت نادية الزقان أن مدينة القدس مدينة متعددة الثقافات، تفتح أبوابها للقادمين إليها دون تعصب، وأن سكان المغرب العربي اهتموا بزيارتها منذ العهد الفاطمي كركن أساسي في فترات الحج والعمرة، ومنهم من استقر بها بشكل دائم وتولى مناصب مهمة في المدينة منها القضاء وإمامة المالكية بالمسجد الأقصى، وقد أصبح للمغاربة حضور مكاني في القدس خاصةً بعد خضوعها للحكم الفاطمي بعد معركة حطين سنة 583هـ، في شكل حارة تحمل اسم “حارة المغاربة” هدمت عام 1967م،

كما أطلق على أحد أبوابها في سورها الجنوبي-الغربي اسم “باب المغاربة”، وأوضحت أن جميع الأدوار الجهادية التي قام بها المغاربة تجاه بيت المقدس سواءً من ناحية علمية في الكتابة عنها وتوثيقها، أو عسكرية في دفاعهم عنها بمعركة حطين، أو أمنية في الحفاظ على القدس وحراستها عن طريق الاستقرار فيها، يأتي من مكانتها وأهميتها الدينية الكبيرة.

وذكرت د. رشا الخطيب أن كل الرحلة في نصها الخاص تتأثر بالوضع العام للمدينة والفترة الزمنية التي كتبت فيها، فهي وليدة العصر الذي كتبت فيه.

وأوضحت أن المغاربة والأندلسيين هم رواد أدب الرحلة، سجلوا مشاهداتهم للأماكن التي زاروها في بلاد الشام بالرغم من قلة رحلاتهم إليها مقارنةً مع رحلاتهم إلى الحجاز، نتيجةً لمخاطر الطريق التي سجل بعضها الرحالة عبد الله بن محمد العياشي في القرن السابع عشر، وأشارت إلى أن أدب الرحلة سلط الضوء على البيئة العلمية المزدهرة والمشتركة بين الشرق الإسلامي والغربه من خلال كتب التوصية التي كتبها كبار المشايخ والعلماء للرحالة، وعلى الحياة الدينية والثقافية في المدينة.

وبَيّن د.عبد الله المانع أن من أقدم الرحلات إلى بيت المقدسة رحلة القاضي عبد الله بن عربي عام (485هـ)، ورحلة نصر الدين محمد العلمي المغربي عام (656هـ).

وأضاف أن الرحلات تنقل الأفكار والمعارف والعادات والثقافات بين الشعوب وأداة تفاعل داخل الثقافة الواحدة، وربط التراث بالمعاصر، ووصل الماضي بالحاضر، إلا أنها حظيت بدراسات عربية قليلة، وأكد ضرورة إجراء دراسات تتعلق بأدب الرحلات المشرقية وأدب الرحلات المغربية تتناول موضوعات دينية وسياسية وديموغرافية وثقافية، وتحليل الخطاب للرحلات.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة YouTube.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى