مقالات

القطامين من بين مطرقتين، خرجَ سالماً!

التاج الإخباري – كتب عدي صافي

الدكتور معن القطامين وبعد سنوات من المعارضة السليمة والنقدّ البناء للحكومات المتعاقبة وافق على الدخول إلى الفريق الوزاري بعد ضغط كبير من الشارع العام؛ لثقتهم بفكره ووطنيته واصرار من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة.

القطامين والذي حمل حقيبتي العمل والإستثمار واجه منذ البداية مطرقتين، الأولى كانت الضغط الشعبي الكبير والثانية الظروف الصعبة التي يعاني منها العالم بسبب جائحة كورونا وشح السيولة في خزينة الدولة.

خبر تقديم معن القطامين استقالته تسبب في حالة من الصدمة للحكومة ذاتها لا سيما وانه جاء بعد تعديل وزاري وقسمه لليمين الدستورية امام الملك، وصعباً على المواطنين الذين رأوا بصيص امل في توليه دفة القيادة لا سيما وان نسب البطالة وصلت إلى أعلى مستوياتها في تاريخ المملكة.

ولكن لو رأينا الأمر بعين المنطق والحقّ لأيدنا هذا القرار وان كان موجعاً لنا كمواطنين عموماً وللشباب خصوصاً؛ لأن معن وقبل دخوله للفريق الحكومي طالب بأن يتولى قيادة حقيبتي العمل والإستثمار؛ لمعرفته المسبقة بالظروف المالية الصعبة وبشح السيولة المالية في مخصصات وزارة العمل، ولإيمانه بأن  الإستثمار الخارجي هو الصولجان لحل جزء من المشكلة التي تؤرق الدولة الأردنية منذ عشرات السنين وهي البطالة، لذلك فضل أن يوازن بين عمل الوزارتين، وزارة العمل تقوم بادارة ومراقبة وتنظيم السوق من دون أن تتحمل مسؤولية خلق وظائف جديدة وهذا هو المتعارف عليه في كافة دولِ العالم،  والإستثمار لجلب الإستثمارات الخارجية وتسهيل عملها وهو ما سينعكس ايجاباً على نسبة البطالة وسيؤدي إلى تحريك عجلة الإقتصاد شيئاً فشيئاً.

القطامين وخلال أقل من ١٥٠ يوماً اصطدم بمعيقات عدة، أهمها تخفيض ميزانية وزارة العمل من ١٩ مليون دينار في العام الواحد إلى ٩ ملاين دينار يخصص منها قرابة ال٨ مليون كرواتب ونفقات، اضافة إلى التخبط الواضح في اتخاذ القرارات من قبل وزارة الصحة والإستمرار بقرارات الفتح والإغلاق والتي انهكت القطاع الخاص ورفعت من أعداد المعطلين عن العمل وهو ما صعب العملية على الوزير المستقيل، عدا عن أن الأردن تنافس دول المنطقة واخص دول الخليج التي تقدم تسهيلات كبرى للمستثمرين وهو ما شكل عائق كبير أمام القطامين لإقناع أي مستثمر يملك مشروعاً نتائجه واعدة بالقدوم إلى المملكة وجلنا ندرك المعيقات البيروقراطية التي تجذرت في هيكلِ مؤسساتنا، والعائق الثالث والأصعب من وجهة نظري كان التعطش الشعبي لرؤية انجاز على ارض الواقع تنعكس نتائجه على معيشة المواطنين الأردنيين الذين هدمت جسور الثقة بينهم وبين الحكومات منذ زمنٍ مضى.

المنطق يقول بأن الفشل في حل مشكلة البطالة منذ سنوات طويلة لن يستطيع القطامين حله خلال هذه المدة القصيرة؛ فهو لا يملك عصا موسى او معجزات سليمان، والظروف الإقتصادية العالمية ادت إلى صعوبة اقناع المستثمرين في وضع اموالهم بمشاريع لا يوجد ضمانات لنجاحها، ومن ثمَّ وضعه بين خياران أحسنهما مرّ وهما الإختيار ما بينَ وزارةٍ مخصصاتها المالية تكفي فقط لتغطية رواتب الموظفين، ووزارة أخرى مشروعه قائم عليها ولا يستطيع التخلي عنها وهذا ما أكده لدولة الرئيس قبل الموافقة على الإنضمام للفريق الحكومي!

بعد استقالة الدكتور معن القطامين من منصبه بالرغم من تأديته لليمين الدستورية قبل يومين، رأى عدد كبير من المحللين والكتّاب والجماهير أن هذا القرار استعراضي ويندرج تحت المراهقة السياسية ويضع رئيس الوزراء في موقف لا يحسد عليه ويمسّ تقاليد الدولة الأردنية، واتفق نسبياً معهم في هذا الأمر كون قرار الإستقالة سيقابله مشكلة في عمق صورة الحكومة بوصفها جزءاً من الدولة ذاتها، ومعن وان اختلفنا معه بالطريقة التي استخدمها استطاع بحنكته السياسية اعتماد خطة ذكية جعلت الرئيس في موقف صعب أمام المواطنين،
ولكنني لا أبدي أي استعطاف تجاه رئيس الوزراء بل واحمله المسؤولية الكاملة على حالة التخبط الحاصلة حالياً؛ فهو الذي لم يعطي الدكتور معن القطامين الفرصة الكافية لتنفيذ خططه والتي من المؤكد انها تحتاج إلى أكثر من سنة على اقل تقدير، هذا ان فرضنا أن القطاعات تعمل بشكلها المعتاد!

الصورة النهائية التي نراها الآن وحالة الصعصعة التي تمر بها البلاد سببها الرئيسي أن الوزراء والنواب لا يمثلون قوى حزبية تحمل مبادئ راسخة لا يفترض أن تتغير نتيجة لتبدل الوجوه، فالمسألة مرتبطة بالأشخاص ومع كل تعديل حكومي او استقالة حكومية سنرى وجه جديد يجُبُّ ما قبله من خطط ويبدأ بالعمل من الصفر وهو ما سيبقينا داخل دائرة مفرغة لن تقدم نتائج ملموسة أمام الجميع، وبعد ١٠٠ عام من عمر الدولة الأردنية نحتاج إلى  مراجعة شاملة لآليات تشكيل الحكومة وفهم دورها وتنطيمها!

ارى أن معن كان يستحق فرصة أفضل وولاية اوسع ومدة أكبر، وقد استطاع في ظل وجود قوى الشد العكسي أن يخرج من بين المطرقتين سليماً، على عكس بشر الخصاونة الذي انقلبت عليه أفكاره وجعلته في موقف صعب؛ فهنالك اتهامات واسعة تطاله بعد اقالته لوزيري العدل والداخلية بحجة مخالفتهما لأوامر الدفاع بالرغم من انه خالف ذات القوانين وبنفس الطريقة قبل أيام!
اضافة إلى وجود حالة من الكفر بالحكومات بين ابناء الشعب الأردني؛ بسبب فشل أجهزة العلاقات العامة من تأدية وظيفتها المعنية بالإتصال وبخلق حملات اعلامية تؤدي إلى بناء جسور ثقة يتبعها تغيير في الأفكار للأشخاص الذين تلقوا المعلومة والذي يصاحبه تغييراً في السلوك، وانت إذا أقنعت شخصاً فقد ملكته واذا ملكته فقد وجهته إلى ما تريد!

المؤكد أن استقالة معن أضعفت الحكومة وجعلتها ركيكة، ولا أظن أن ترائِب أعضاء الفريق الوزاري قادرة على مواجهة الرياح الشعبية خلال المرحلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى