مقالات

سامح المحاريق يكتب: رعد ..

التاج الإخباريسامح المحاريق

رعد.. 

رفضت قبل فترة تعليقات حول السلطة الفلسطينية، رأيتها تجاوزاً غير مقبول، ويقيني الشخصي أنه لا يحق لأي شخص لا يقاسمهم القبض على شظايا زجاج الحياة اليومية أن يصدر أحكاماً حول تصرفاتهم، الإيجابية أو السلبية، فالعامل الفلسطيني في هندسة الإذلال الصهيونية هو الذي شيد الجدار العازل، قام ببناء أسوار سجنه، حيث يتطابق الوطن مع السجن، لأن أفواهاً جائعة وأجساداً غضة تنتظر في منازل جميعها مهددة بالجرافات لتهدم في أي وقت. 

لست في الموقع الأخلاقي الذي يمكنني من إطلاق الأحكام على العملية الأخيرة، والجانب الآخر، عليه أن يدفع ثمن جميع المشاهد المرعبة التي طبعت جيل رعد وأصبحت جزءاً من ذاكرته، من محمد الدرة إلى الرضيعة إيمان حجو. 
في عالم آخر، كان لرعد أن يصبح نجماً على موقع الانستغرام، أو رئيس فريق للتسويق في شركة دولية، الفتى لا تعوزه الوسامة، هي وسامة جديرة بأن تتهافت عليها الفتيات لا البنادق، ومع ذلك عليه أن يدفع ثمن كثير من المؤامرات.

دعوني أكون محامي الشيطان، لماذا لم يكن الداخل الفلسطيني ذلك الوحش المؤرق في السبعينيات والثمانينيات، ببساطة لأنه لم يكن جزءاً من اللعبة الأممية القذرة التي بدأت في غير مكان، ودفعت بملايين الفلسطينيين ليكونوا الحل لمجموعة من الأنظمة العربية في أزماتها الداخلية، في تلك الفترة، كانت مشاجرة بين فلسطيني وإسرائيلي تنتهي في المخفر، وليس باحتلال القرى، ولذلك فالمسألة تستحق تأملاً أبعد من مجرد التعاطف أو التشجيع أو الاحتفاء. 

الفلسطيني معني بكرامته، وما يحدث هو عمل يومي وحثيث لتجريده من كرامته، ورعد لا ينفجر من أجل الأرض، هذه مفاهيم الشتات الفلسطيني، فأرضه هي حدود القرية أو البيت أو الملكية الخاصة بأسرته، رعد يفعل ذلك من أجل كرامته. 

ربما علينا أن نعترف اليوم، بأن الفلسطيني الذي يعيش في الخارج عليه أن يتوقف عن سلوك الألتراس تجاه المقاومة في الداخل، لأنه لا يفهمها بصورة كاملة، وعليه أن يتوقف عن الانتهازية تجاه الحواضن الاجتماعية التي يعيش داخلها، وأن يترك البحث عن أي ميزة لفلسطينيته، فالجيل الثالث أو الرابع ولد في الشتات، وعليه أن يفهم أن قضيته مختلفة عن الفلسطيني في الداخل، كما عليه أن يعمل بوصفه عضواً فاعلاً في المجتمعات الجديدة، وليس مجرد عنصر وظيفي للوظيفية اليهودية، عليه فقط ألا يتحول إلى وجه آخر ويؤسس لما يمكن تسميته بالمسألة الفلسطينية.  

تحمل مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين تضحيات كبيرة، وعايش اللاجئ تشوهاً نفسياً لأنه أهدر وسط مجتمعات عربية تعاني من الابتسار وتخضع لضغوطات تعريف الهوية بعد أن تحولت من أقاليم ومزارع خلفية للامبراطوريات إلى دول ناشئة يتقدم لإدارتها الإقطاع القديم في صورة حديثة، ومعهم ضباط الجيوش من الأغرار غير المؤهلين والمحملين بأوهام نهضوية لا يعرفون أنها وإن تواجدت في أطراف منها لدى طبقاتهم الوظيفية، فهي تبقى غائبة عن عشرات الملايين في القرى والأرياف البعيدة. 

اليوم، نقف أمام قضية شعب يعتمد على مداخيل شهرية تصل إلى 500 مليون دولار من العاملين وراء الخط الأخضر، وتسوية يجري معظمها في الغرف المغلقة، وما يمكن أن نفعله هو أن نعطيهم حريتهم في ممارسة حياتهم ومقاومتهم، وحتى ما يرونه هزيمةً لائقة، وأن ندعمهم بما نستطيع، ولو بالصمت النبيل الذي يترفع عن إدانتهم. 

أنت أدرى يا رعد.. يا هذا الفتى الذي أهدرناه.. لتنم قرير العين يا أيها الجميل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى