مقالات

مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل

التاج الإخباري – بقلم: د. محمد عبدالستار جرادات

وفق التوجيهات الملكية السامية تم إعداد رؤية الأردن 2025، لترسم طريقا للمستقبل وتحدد الإطار العام المتكامل الذي سيحكم السياسات الاقتصادية والاجتماعية القائمة على إتاحة الفرص للجميع. لذلك، فإن التوجه الأكاديمي وأهمية إختيار التخصص الدراسي لدى الملتحقين بالجامعات لهذا العام سيكون جزء من المخرجات المهمة لسوق العمل، فمسؤولية الحكومة (ديوان الخدمة المدنية) تكون بنشر التوعية لمتطلبات سوق العمل في المراحل القادمة، وعلى أولياء الأمور بتوعية أبنائهم بذات الخصوص. نشر ديوان الخدمة المدنية لائحة بالتخصصات المشبعة والراكدة والمطلوبة في سوق العمل على مستوى المحافظات وبحسب الجنس والدرجة العلمية (جامعي / دبلوم). أشارت هذه اللائحة إلى أن جميع التخصصات التي تصنف تحت مسمى (تعليمية) راكدة ومشبعة للإناث، بينما معظمها مطلوب لفئة الذكور. أما التخصصات الطبية، فسوق العمل مشبع من معظمها بإستثناء الأشعة والتمريض والطب. من جهة أخرى، فإن سوق العمل في ركود وإشباع من جميع التخصصات الهندسية والإدارية  للذكور والإناث الجامعيون، أما لحملة الدبلوم، فالتخصصات المطلوبة هي؛ الهندسة الكهربائية، علوم الحاسب الآلي ونظم المعلومات الإدارية.

تعد هذه من الأسباب المتعددة التي تساهم في الإرتفاعات الكبيرة بمعدلات البطالة في المملكة، فعلى خلاف الممارسات الفضلى في معظم الدول المتقدمة، فإن هرم التعليم لدى الإقتصادات المتوسطة يتطلب أن يلتحق غالبية الطلبة بالتعليم المتوسط والتقني والمهني، ويلتحق ما يقارب ثلث الطلبة فقط بالتعليم الجامعي. أي أن نصيب التعليم التقني والمهني هو ثلثين. لكن الوضع القائم في المملكة هو على النقيض من ذلك تماما، حيث أن غالبية طلبتنا يلتحقون بالتعليم الجامعي بينما القلة القليلة من يتوجهون للقطاع التقني والمهني، إذ يشكل عدد طلبة الجامعات اليوم ما يقارب 300 ألف طالب وطالبة، بينما نصيب المعاهد المتوسطة والمهنية والتقنية 30 ألفا فقط. ومن هنا، فإن مطالبة ديوان الخدمة المدنية للطلبة بعدم الالتحاق بالجامعات والتوجه نحو التعليم المتوسط والتقني والمهني محقة.
تعزيزا للأهداف التوعوية والإرشادية، فقد تم إدراج جميع بيانات الدراسة الخاصة بالتخصصات وربطها بعملية تقديم طلب القبول الموحد بحيث تظهر حالة التخصص مباشرة أمام مقدم الطلب وتصنيفها كمطلوبة ومشبعة وراكدة. فعند إختيار التخصص تظهر حالته سواء كان مطلوبا باللون الأخضر أو مشبعا باللون الأصفر او راكدا باللون الأحمر، كما يمكن لمقدم الطلب معرفة مجموعة من المعلومات التي تساهم في مساعدته على اختيار التخصص المناسب، كالحد الأدنى للمعدل، ووصف مختصر للتعريف بالتخصص ومجالات العمل التي تتصل به، إضافة لإحصائيات محدثة حول أعداد الطلبة الملتحقين حاليا على مقاعد الدراسة في الجامعات وكليات المجتمع لكل تخصص، وذلك بالرجوع الى بيانات هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها، بحيث يستطيع الطالب التعرف بيسر وسهولة على الحجم المتوقع للخريجين خلال الفترة القادمة، الأمر الذي يوفر للطلبة وذويهم صورة متكاملة لواقع التخصصات المطروحة للتسجيل، وبالتالي الابتعاد عن التخصصات غير المطلوبة.
في سياق الحديث عن التخصصات الجامعية المطلوبة، وفي ظل الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، فإن حلول الآلة مكان الإنسان بات قريبا جدا بعد أن كان من محض الخيال لسنوات طويلة. يطلق مصطلح الذكاء الإصطناعي لوصف عمليات محاكاة الذكاء البشري باستخدام الآلة المبرمجة، بحيث يصبح بإمكان هذه الآلة إنجاز المهام والأعمال البشرية من تلقاء نفسها بناءا على معلومات تم إدخالها إليها بشكل مسبق مع إمكانية التعلم الآلي، ويحتاج تطبيق مبدأ الذكاء الإصطناعي إلى استخدام برامج متخصصة وخوارزميات عالية التعقيد تدخل فيها بعض من لغات البرمجة المتطورة كالجافا والبايثون، بحيث تعمل هذه الأنظمة على استيعاب كم هائل من المعلومات ثم تقوم بتحليلها لتبني أنماط تساعدها في عمليات التنبؤ المستقبلية. ومن هنا؛ تشمل توجهات الحكومة الأردنية التي يبدو أنها بدأت تولي مزيدا من الإهتمام لتخصصات علم البيانات والذكاء الإصطناعي من خلال إدراجها ضمن البرامج الأكاديمية المعتمدة في جامعاتها وكلياتها الحكومية، فإن التطور التكنولوجي المتسارع يوحي بأن مستقبل التخصص سيكون واعدا ليس فقط على مستوى المملكة، إنما في مختلف أنحاء العالم، ويمكن لخريجي هذا الإختصاص العمل أيضا في مختلف المجالات التي يعمل بها خريجو تخصصات الحاسب والبرمجة والكهرباء والميكانيك والتخصصات الأخرى ذات الصلة.

بلغت نسبة النجاح العامة في امتحان شهادة الدارسة الثانوية العامة لهذا العام 63.1%. حيث أن نسبة النجاح في الفرع العلمي 73.9%، فيما نسبة النجاح في الفرع الأدبي %53.9، ونسبة النجاح في الفرع الشرعي 80.6%.. وبلغ عدد المشتركين في الدورة الحالية 204189 طالبا وطالبة، حضر منهم 185042، فيما بلغ عدد الناجحين 116773. تقدم في المسار الثانوي الشامل المهني 11950 طالبا وطالبة نجح منهم 6139 طالب بنسبة 51.4%، أما في فرع التخصص الصناعي بلغت 39.5%، وفي الفرع الزراعي 58.4%، وفي الفرع الفندقي 53.9%، وفي فرع الاقتصاد المنزلي 58.3%.
كنتيجة لهذه الأرقام؛ فإن مجموع عدد الطلبة الذين سيلتحقون بالجامعات والكليات 116773، فيمكن أن يكونوا جزء من العمالة أو جزء من البطالة في السنين المقبلة، فعلى أولياء الأمور المساعدة في توعية الطلبة لبرامجهم وتحفيزهم على متطلبات سوق العمل، فهيكلية البيانات الخاصة بالمتعطلين عن العمل ووفقا للبيانات والمعلومات الصادرة من دائرة الإحصاءات العامة يلاحظ بأن البطالة تتركز بشكل أساسي بين حملة المؤهلات الجامعية، وحملة ثانوية عامة فما دون، ولا توجد أي مؤشرات تدل على وجود بطالة بين حملة دبلوم في التخصصات التقنية والفنية والمهنية، والتي يحتاجها القطاع العام والخاص بشكل كبير، وبالتالي فإن الرسالة الأهم هي ايصال المعلومة لأبنائنا الطلبة.
نتوجه بالثناء لوزارة التربية والتعليم على ما قدمت من جهد متميز وعمل دؤوب لأجل المصلحة العامة، بالجهود المبذولة لإتقان العمل وتوفير البيئة المناسبة للطلبة، ونتوجه بالشكر لجميع المعلمين وفرق الوزارة على جهودهم وإلتزامهم التام بالتعليمات والأنظمة، ولمديري المدارس لتجهيز قاعاتهم بما يناسب أبناءنا الطلبة، كما نتقدم بالثناء للإعلام التربوي على مستوى الوزارة ولوزارة الإعلام للدور الفاعل في نشر الوعي وإعطاء صورة واضحة عن الإمتحانات.
ومن هنا، تقترح الرؤية الملكية خارطة طريق للمستقبل تستلزم توافقا من فئات عريضة في المجتمع حول معالم الطريق والأدوار من كافة الجهات المعنية، وفي مقدمتهم القطاع الخاص الذي يجب أن يلعب دورا بارزا في تحقيق الأهداف المنشودة. كما أن على الحكومة توفير البيئة التمكينية لتلك الغاية. كذلك فإن الرؤية تعول على أن النجاح في تحقيق محتواها وتنفيذ السياسات الواردة فيها يتطلب التزاما من قبل المواطن والحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وذلك ترجمة لشعار المواطنة الفاعلة الذي أشار إليه صاحب الجلالة في أوراقه النقاشية.

حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى