مقالات

هل انت تحت تأثير الإدمان؟

التاج الإخباري -هل انت تحت تأثير الإدمان؟ ونقصد هنا إدمان نشر التفاصيل على مواقع التواصل الاجتماعي.

بقلم: زيد ربابعه، دكتوراه
علم نفس اجتماعي

منصات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر وإنستغرام وسنا بشات وغيرها، أصحبت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فنحن نأخذ الأخبار والمعلومات من هذه المنصات، ونتابع الشخصيات المشهورة ومجمل تفاصيل حياتهم، ونحن بطبعنا نفضل بعض المنصات على أخرى

ولكن هل تسائلنا فعليا هل نحن تحت تأثير الإدمان؟ واقصد هنا الإدمان الحقيقي المرضي

يمكنك ان تسأل نفسك هل لديك هوس؟

هوس في نشر تفاصيل يومك؟

من أفطارك وطعامك وحياتك العملية وحتى المهنية؟ هل لديك هوس؟ هل تقوم بنشر يومياتك بشكل متكرر وشبه قهري؟

انت يا عزيزي واقع في فخ الإدمان، فهذا المنصات تم بنائها من أجل جعلك شخص مدمن لا يستطيع الخروج من هذه الشاشات وكل ما حاولت الخروج والهروب لا تلبث برهة إلا ان تعود ويزداد هوسك شيئا فشيئا.

ذلك لان من قام بتصميم هذه الخوارزميات والواجهات هم علماء نفس واطباء ولديهم فهم عالي جدا لسيكولوجيا الانسان، وتحليل الدماغ وعلم متراكم جدا في نفسية الانسان وطريقة تفكيره

استخدام علم النفس بشكل مهني، أدى الى نقل وعي الانسان من الواقع لهذا العالم الأفتراضي

وهنا سأسلط الضوء على بقعة صغيرة لاحظتها من خلال دراستي ومناقشتي مع أساتذة التخصص

الافراط المزمن في التواصل، ولا يقصد هنا التواصل الفعال المثمر مثل تلقي المعلومات والنقاش، والافراط في نشر الأمور الشخصية يعود لبعض الأسباب النفسية

غياب التواصل الوجاهي

ان أهم سبب يدفعنا الى كتابة أمور شخصية جدا، هو غياب تعبيرات الشخص المقابل، فنحن ربما ننشر بعض التفاهة بين الحين والأخر ولكن لا نشعر بالحرج ابداً، أولا لان ردود الأفعال تأتي متأخرة وثانيا لأننا لا ندرك ابدا تعابير القارئ بالمقابل، المغزى هنا انه تواصل مجرد من التعبير الجسدي واللفظي الذي يمثل جزء كبير من التواصل البشري.

وأيضا هذا النوع من التواصل الأحادي، عبر الزمن سيولد في النفس ممارسة الاقصاء، حيث اننا سنأخذ التعليقات الإيجابية ونهمل كل ما هو سلبي، بشكل بسيط وتلقائي عكس التواصل البشري الفعال، حيث ان الكلمات وطبقة الصوت وحركة الجسد ستؤثر فينا حقا لو كانت سلبية، وسيكون اهمال السلبية هنا وممارسة الاقصاء أكثر صعوبة

ونشر التفاهة والدناءة، في آخر فترة أصبح ترند في عوالم السوشال ميديا، كنوع من تمييز النفس انه غير مكترث او أنه شخص صاحب دعابة، ويتم ملاحظة هذا السلوك في نشر التفاهة ونشر الدناءة بتحطيم كل ما هو جميل في نشر المعلومات، حيث ان الشخص ذو الوعي المتوسط يحاول جاهدا تحطيم منشورات ذات قيمة علمية، او ذات قيمة مثرية

فأصبحت كلمة مثقف وسمة عار تنعت الشخص في هذه العوالم، حيث نشهد جيش كامل من ذوي الوعي المنخفض والمتوسط في اشبه ما هو بالحرب مع الطبقة المثقفة او مدراء الشركات وحتى الناشطين في حقوق الإنسان.

قلة الثقة في الذات وضعف الشخصية،

أنا لا أتكلم هنا عن المؤثرين الذين يسترزقون من نشر يومياتهم، فهي بمثابة عمل دائم بالنسبة لهم، بل أتكلم على وجه التخصيص عن المستخدمين لهذه المواقع والمنصات

انا أدعي أن من ينشر التفاهة او ينشر يومياته الخاصة، هو أي هي شخص باحث عن الاهتمام، اهتمام من حوله واهتمام الناس الغرب غير المحيطين، والامل الدائم في حصد الاعجاب

ما يحدث ان الشخص يلتقط صورة سيلفي وينشرها مع حكمة او مقولة لا يعي لها شي، ويظن انها مثيرة وناضجة وسوف تحصد الكثير من الإعجاب، وربما الصورة تصل الى دائرة أوسع من الأصدقاء وبالتالي المزيد من الاعجابات وبالتالي رفع هرمون السعادة أكثر، مما يؤدي الى نشر المزيد من الصور والمزيد من الفيديوهات والمزيد والمزيد وهكذا..

ان الأفراط في النشر ونشر الخصوصية دليل على نقص وضعف الشخصية في الحياة الواقعية، ويتم تعويضه في العوالم الافتراضية، أن سعادة الانسان مبينة على هرمونات ونواقل عصبية تفرزها ادمغتنا او تتلقاها من الخارج، ومن هذه النواقل العصبية الدوبامين والسيروتونين والاندرفين والاكستاسين، لنتحدث هنا عن الدوبامين

الذي يحدث مع كل تعليق وكل اعجاب ان الدماغ يفرز هرمون الدوبامين وبالتالي سعادة، ومع ازدياد الاعجاب وازدياد التعليقات الإيجابية يزداد انتاج الدوبامين وبالتالي سعادة أكبر، ويصل هذا الحدث المتكرر الى حد الإدمان

حيث ان أنظمة المكافئة في الدماغ يتم تعويدها على نمط معين، بسرعة كبيرة الذي يؤثر بشكل حقيقي على الحياة الواقعية، لربما لا نرى السعادة ابدا في البساطة ولا نرى السعادة في غروب الشمس او لحظة سعادة من محادثة بسيطة عابرة مع شخص عابر، ذلك ان جهاز المكافئة تعود على جرعات عالية من الدوبامين، وهنا لتصحيح الخطأ يجب ان نلجأ الى صيام الدوبامين حتى يعود الدماغ للعمل بشكل سليم.

الرغبة في تحقيق الذات

قد يؤدي البؤس وتدني احترام النفس وعدم الثقة والكثير من الاضطرابات النفسية المتراكمة من غير تفريغ، الى السعي الى طريقة بحث عن شرعية وموافقة من حولنا على ما نفعل، كمثال لذلك، بنت ثلاثينية بدأت تشعر بعدم الأمان حول الهيئة الخارجية لها، فهي تعلم في قرارة نفسها ان جمالها بدأ بالانحدار وهذا طبيعي جدا فنحن بشر ولا يمكن إيقاف الوقت، فانتها تبدأ بوضع الفلاتر والكثير من الصور والزوايا المحددة والكثير من الإضاءة والتعديل والنشر ثم النشر، للبحث عن المديح او مجرد الاعجاب حتى لو تلقت تعليقات سلبية لا بأس فهي طريقة للشعور بالوجود والأهمية وتحقيق الذات.

والواقع الذي نبني عليه ملفاتنا وذكرياتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، اننا لا ننشر الحقيقة ابدا، نحن ننشر جزء من الحقيقة ذلك الجزء الذي نريد للاخرين ان يراه، ان يرانا بهذه الصورة، فعلى سبيل المثال ذهابنا الى حفل خطبة او عيد ميلاد او تخريج او أي حفل خاص، نحن نقوم بنشر ما هو جميل تماما، ونهمل اننا ربما نكون بالحفل وحيدين وغير مرغوب بنا وحتى كل المشاعر السلبية التي تكون موجودة لا نتجرأ ان نفصح بها امام أي شخص

في هذ الإطار تدخل المنشورات التي تتحدث عن انجازاتنا والشهادات والميداليات والاوسمة والمواقف التي نفتخر بها، من اجل ان نحصل الاعجاب والمدح والدعم واعتراف المجتمع بوجودنا وتحقيق الذات نسعى للحصول على الاعجاب باي ثمن ممكن، حتى كلمات وجمل بسيطة يمكن ان تؤثر بنا بشكل كبير، مثل فخور بك، ما شاء الله عليك، منها للاعلى وهكذا

الوحدة

تمكننا شبكات التواصل الاجتماعي الفرصة كي نحكي للعالم قصتنا دون أن نعاني من تداعيات ذلك كما يحدث على أرض الواقع، فحينما نتحدث عن أسرارنا، مشكلاتنا، أو اهتماماتنا كثيرا ما نحس بأننا لسنا وحدنا، وأن هناك من يشاركنا نفس المشاعر والمشكلات والقضايا، وهو ما يمنحنا إحساسا ما بالتعاضد والتكاتف المجتمعي.

ان الوحدة هي أكبر محرك لنا للنشر، فنحن في مجتمع رأسمالي يجبرنا النظام على الدوام والعمل للحصول على لقمة العيش والحد الكبير من التواصل الفعال للأصدقاء

ان تواصلنا أصبح مهني بشكل كبير، وبناء العلاقات الاجتماعية أصبح صعب حقا، لذلك نشعر بالوحدة دائما، مجرد التفكير هل هناك أحد أستطيع ان ارفع الهاتف عليه وابدا بالبكاء مثلا؟ او مجرد الحديث؟ ام ان هذا كله أصبح على هذه المواقع ولا يوجد له مكان في حياتنا الواقعية

لماذا أصبح المعظم قوالب جاهزة وسهلة التنبؤ، لماذا نرى جيوش من المستخدمين مؤدلجين تحت اغطية الحرية والعدالة ولا نرى أي انعكاس على المجتمع او الوعي الجمعي

هل فعلا هناك ادمان حقيقي على هذه المنصات؟ انت عزيزي القارئ هل تستطيع ان تغلق صفحتك لمدة شهر؟ او أسبوع على الأقل؟

راقب ما تنشر بدقة، وحاول ان تكون واعي جدا جدا بما تتلقاه من معلومات من هذه المنصات

أتمنى لكم السعادة الدائمة الحقيقة بعيدا عن وهم ما تراه في الفضاء الرقمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى