مقالات

سياسة القبول الجامعي وضرورة التطوير!

التاج الاخباري- الأستاذ الدكتور محمد صايل الزيود– ان المتابع لسياسة القبول الجامعي على مدى عقود خلت، يجدها تعتمد معايير جوهرها الاستثناءات لفئات عديدة في المجتمع الأردني لاعتبارات اجتماعية واقتصادية ووظيفية ومهنية لذوي الطلبة بالدرجة الأولى كون أبناء هذه الفئات لديهم ظروف استثنائية تمنعهم من الحصول على التعليم بمواصفات وجودة عالية مقارنة بغيرهم من أبناء المجتمع. وتضم سياسة القبول الحالية استثناءات بنسبة مئوية تبلغ (47%) ممن يتم قبولهم سنويا في الجامعات الرسمية لاعتبارات اجتماعية متمثلة بظروف المناطق النائية أو ضعف التحصيل في مناطق معينة تحقيقا للعدالة الاجتماعية. كما تمنح سياسة القبول الحالية استثناءات لأبناء العاملين من المعلمين والقوات المسلحة والمؤسسات الأمنية وأبناء المناطق الأقل حظا والمخيمات وطلبة السنوات السابقة وأوائل المحافظات والألوية وأبناء العاملين في الجامعات. وتمنح مقاعد جامعية لأبناء الشهداء وأبناء المخيمات وللعاملين في وزارة التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وأبناء الأردنيات وأبناء المغتربين.

إن بعض هذه الاستثناءات محقة لتحقيق العدالة الاجتماعية ومراعاة ظروف الطلبة وظروف عمل أولياء الأمور الذين قد لا يتواجدوا لمتابعة تحصيل أبناءهم إلا أن بعض هذه الاستثناءات جاءت امتيازات لفئات معينة وليس مراعاة لظروف صعبة قد يعيشها الطلبة وهذا جاء أيضا على حساب العدالة الاجتماعية والعدالة الأكاديمية. وبنظرة فاحصة نجد أن هذه السياسة تكاد تكون فريدة من نوعها كون من يدخل الجامعات بناء على معايير التنافس الأكاديمي الخالص دون الحصول على استثناء لأي جهة كانت تبلغ ما نسبته ( 43%) ممن يقبلوا في الجامعات سنويا. أما الجانب الآخر لسياسة القبول فيتمثل بتوزيع الطلبة على البرامج الدراسية بناء على فرع الدراسة في الثانوية العامة من خلال طلب قبول يلزم الطلبة بتعبئة ما يقرب من ثلاثين خيارا تخصصي ولعل هذا أيضا يشكل تحدي للكفاءة الأكاديمية للطلبة والتحاق الطلبة في برامج لا تلبي طموحاتهم ورغباتهم وحاجات سوق العمل.

إن المستقبل القريب يتطلب مراجعة سياسة القبول الجامعي كون بقاء هذه السياسة على هذا النحو أمر لا يتوافق مع معايير الكفاءة والجدارة الأكاديمية وبأن ضعف جودة التعليم المقدم للطلبة أمر يجب تجاوزه بإصلاح تربوي يرتقي بجودة الخدمات التعليمية لتكون رفيعة المستوى للجميع، وليس لأبناء بيئة أو منطقة أو فئة معينة على امتداد مساحة الوطن. لذلك فإن مراجعة سياسة القبول يجب أن تتزامن مع خطط وبرامج وطنية لتحسين ظروف المناطق النائية وتجويد الخدمات التعليمية المقدمة للطلبة في مناطقهم بما ينعكس إيجابا على تحسين تحصيلهم من خلال تعليم نوعي غير متوافر للآن ويتخذ فقدانه مرتكزا لمنح الاستثناءات للقبول الجامعي، لذلك يتوجب إعادة صياغة هذه السياسة لتبنى على الكفاءة الأكاديمية ومستوى التحصيل للطلبة في المرحلة الثانوية. كما أن بقاء سياسة القبول بوضعها الراهن دون وجود مشروع وطني طموح لتطوير النظام التربوي يعني معاناة المجتمع والجامعات وبالتالي سوق العمل من توزيع الطلبة على تخصصات وبرامج دراسية لا ترتبط برغباتهم ولا تمثل طموحاتهم، وبالتالي فإن هذا الواقع غير السار الذي تخلقه سياسة القبول الحالية يتطلب إعادة النظر في كافة تفاصيلها بالشراكة حتما بين وزارة التربية والتعليم التي تخرج طلبة الثانوية العامة والتي يتوجب عليها أن تعيد النظر بفلسفة ونظام الثانوية العامة ليقارب تجارب الدول المتقدمة والتي تنتهج أنظمة للثانوية العامة والقبول الجامعي مغايرة تماما لتجربتنا الوطنية التي نعتقد أن من واجبها مواكبة تجارب الدول المتقدمة.

إن نقطة البدء في تطوير سياسة القبول تكون من خلال طرح برنامج وطني للإصلاح التربوي يمكن النظام من تقديم خدماته التربوية للجميع بجودة عالية لبناء الإنسان المتمكن من العلم والمعرفة والمتحلي بالفضائل والمكتسب للأدوات والمهارات الحياتية والعلمية التي يتطلبها الحاضر والمستقبل، كل ذلك من شأنه أن يعيد الألق للنظام التربوي وإنجازاته وترتيب الأردن في التصنيفات العالمية لأنظمة التربية والتعليم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى