مقالات

حسين القلاب سليل “عمود البلقاء”… وداعا

التاج الاخباري- د. مخلد الزيودي – رحيل مبكّر وموجع للشيخ الشاب حسين القلاب وهو في ذروة تقديمه نموذجا للقيادات العشائرية الشابة، باغته المرض ليغادر ارض الأردن مودعا لها. ليس غريبا ان يتزامن رحيل النموذج الشاب، مع حالة الفوضى التي عمّت الساحة الأردنية التي اتّخذت من العشائرية شعارا اتسم بالضبابية وعدم الوضوح حد التشّويه لمفهومها ودورها في بناء الأردن الحديث.

حسين محمد فاضل القلاب، سليل عشيرة اردنية عربية عريقة شكّلت حضورا متميّزا أهلها لزعامة قبيلة بني حسن منذ قرون مضت، لتلعب دورا محوريا في ضبط حالة الفوضى التي سادت في المنطقة منذ بدايات القرن التاسع عشر نتيجة لصراع مراكز القوى الكبرى. هذا الدور توّج بتأسيس اول تجمّع لعشائر البلقاء واتخذ اسما له عُرف “بحلف البلقاء” كشكل من اشكال الإدارة الحكومية المحلية. ذاع صيت “ابن قلاب” بين قبائل الأردن وبادية الشام والعراق والجزيرة العربية بوصفه زعيما وفارسا وقاضيا عشائريا في أكثر القضايا تعقيدا، القتل والشرف “الدم والعرض” منحته افعاله وحكمته وحسن ادارته لقب “عمود البلقاء” العمود الذي تسند ظهرك عليه آمنا مطمئنا، العمود الظاهر من بين كل الاعمدة المحيطة به، العمود – واسط البيت -الذي لا يمكن ان تبني البلقاء بيتها من دونه.

احتل فقيد الأردن مكانة مرموقة على مستوى القبيلة والدولة منذ سنوات بوصفه نموذج لجيل أبناء العشائر وامتداد لزعاماتها الحقيقية مرتديا عباءة المعاصرة والحداثة، لم يتسنى له التعليم الجامعي، فتعلم في مدارس الرجال الكبار والزعامات الحقيقية، تعلم في مجلس ابن قلاب، مجلس اهله وأبناء عمومته، لم يحمل لقب “الشيخ” الذي يصدر عن مفوضية العشائر ليحترم بذلك اعمامه الذين حملوا هذا اللقب، رفض وبشكل قاطع ان يحمل لقب “دكتور فخري” هذا المرض الذي نشرته بعض الهيئات الخاصة على مرأى من الدولة ومؤسساتها التعليمية لتسخيف الألقاب والرتب، هو “ابن قلاب” وهذا يكفي.

آمن بدور دولة المؤسسات والقانون، لذلك سعى جاهدا مع غيره من القيادات العشائرية لإعادة صياغة القوانين والأعراف العشائرية السائدة لتنسجم مع مفهوم الدولة الحديثة. كان من أهمها قانون “الجلّوة العشائرية” المترتبة على جرائم القتل. الا انه كان مدافعا شرسا وعنيدا حيال قضايا “العرض والشرف” في مواجهة تشريعات الدولة التي جاءت متسامحة الى حد كبير حيال هذا الموضوع بحجة ضغط واشتراطات الدول المانحة.
حسين القلاب، اخي الذي لم تلده امي، افتقده اليوم كما يفتقده كل الأردنيين، الذين يلجئون له لفض نزاعاتهم، او وقف ترحيلهم من ديارهم عن جريمة لا ذنب لهم بها ارتكبها طائش فحمّلوا وزره ظلما وبهتانا، تفتقده الحرائر اللواتي تم التطاول على سمعتهن من قبل من لا يعرف الشرف، يفتقده اب ضاقت الدنيا بوجهه من ظلم ذوي القربى والجوار، تفتقده مجالس الأردنيين التي تنتظر حضوره لسماع رأيه ومشورته.
لكل هذا وغيره، انت اليوم بين يدي العادل الذي تعلّمت منه العدل وأقمته بين الناس وحاشا ان يخذلك وسوف يوفيك حقك كما اوفيت عباده حقوقهم في الدنيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى