مقالات

العقل المكعب والعقل المركب-في إدارة ملف عماد العدوان

التاج الإخباري – بقلم: اشرف الحجاج

بدقة متناهية كان هدوءا وليس بطئا وشتان بين الإثنان كالفرق بين الحكمة والتقاعس ،لذلك و بدءا من المحصلة لنقر جميعا ان الملف كان شائكا ومتشابكا ومعقدا ،وما تحقق فيه للآن هو انجاز لا يمكن إنكاره ولعل الاجابة التي تختزلها عودة عماد، تضع كل المطالبين بقطع العلاقات مع دولة الكيان وهي واقع حال في موقف اللاإجابة حال توجيه سؤال واحد لهم ( ماذا سيجري لو لم يكن هناك قنوات اتصال وتواصل وتشبيك مشترك ؟ وهنا نجد الاجابة اكثر وضوحا عند فلسطينيي الداخل اولا والكثير من الاردنيين كذلك والذين هم بأمس الحاجة لهذه القنوات لأسباب اجتماعية وسياسية واقتصاديا و…القائمة تطول .

 

هذه القضية لا يمكن إسقاط تفاصيلها على بقية الحالات السابقة التي قورنت بها بأستعمال العقل الفردي المكعب فالتعامل مع ثعلب سياسي بعقلية ( الحزب الاسرائيلي الحاكم )حاليا ليس امرا سهلا او متوسط الصعوبة ،ومن هنا فقد تسبب هدوء الدولة الاردنية في التعاطي مع القضية بريبة كبيرة لدى الطرف الاخر الذي حاول تحريك مياه راكده حسب اعتقاده وراهن على ذلك ربما أمنيًا بالبدايات ففشل ،لأن رسائل التطمين كانت مباشرة وسريعة وموثوقة الرسل بعقلية الموقف المركب.

 

كل هذا تزامن مع إقتضاب شديد في التصريح خوفا من أن تبوء كافة الجهود بالفشل حينها لن يرحم عقل الفرد عقل الدولة وستظهر وكأنها ضعيفة ،ولن يقول احد ان الكيان قد انسحب للخلف ،متجاهلين حقيقة ان الضغط الأمني – الشعبي هناك اضعاف وطأة الضغط الشعبي هنا ،أقلها التركيز والتذرع داخليا بربط السبب بالنتيجة؟ 

من هنا أسهب النظام الاردني في الهدوء ليس من اجل الكيان ،ولكن من اجل مواطن قبل ان يكون نائبا او إبن قبيلة صدر توجيه من رأس الدولة بمضمون واضح ( إستعيدوه .)

 

هنا تمثل القول الشهير : "القِيم جزءٌ أساسِي من عدَّة المُقاتِل " ولأن النظام الاردني مقاتل دبلوماسي يتمتع بقيم وخبرة تراكمية متخصصة فقد ساندته أدواته في إجترار قضية عماد العدوان إلى ارضه،انسجاما مع القناعة القيمية بأردنية المواطن وأن قضيته شأن داخلي بالمحصلة.

 

وعلى هامش كل تبعات هذا الحدث عقدت فعالية في الشونة الجنوبية تناشد وتثني على جهود جلالة الملك بهذا الشأن،ولعل الملفت هنا هو التعبير الحضاري السلمي المنضبط الذي جاء مغايرا لتوقعات الكثيرين وهي نواة تستحق ان ترعاها الدولة وتنميها ،أكدت على أنه لا غنى عن الدولة اولا وآخرًا وأن الصور النمطية قابلة للتغيير في المواقف المفصلية.

 

ولعل المأخذ الآن على وسائل الاعلام المحلية والمواقع الالكترونية هو الاعتماد والتسليم شبه المطلق وبمعايير مزدوجة على الرواية الاسرائيلية بشأن القضية وحيثياتها والذهاب ابعد من ذلك بالعودة لمربع ان الاجراءات التي اخذت بعد وصول عماد هي إملاءات الطرف الاخر متغاضيا عن التحقق من دستوريتها وقانونيتها وإن كنت اجد في الأفق أملا وكرما.

 

كنت اتمنى لو ان إعلامنا الالكتروني على الاقل شكك في مصداقية الطرف الاخر وتعلم من درس الهدوء العميق الذي مارسته الدولة وانتظر نتائج التحقيق الاردني ونشرها بحياد ولم يذهب بتلك الروايات الى مرحلة اليقين لتقزيم الحدث ومستواه والنقاط العمياء فيه ولم يركز على إظهاره كإنجاز يسجل للدولة، حتى بعض وسائل الإعلام العربية لربما بسبب عقد النقص كذلك لم تنصف هذا الإنجاز بل عملت على تقزيمه او تأطيره في نطاق ظهر وكأنه عمل روتيني يحدث شهريا.

إن مقارنة عقل الفرد بعقل الدولة مقارنة غير عادلة ولا منطقية اساسا لإنعدام اي مقاربة ممكنة بين مستوى المسؤولية التي تقع على كلاهما والوجود في موقع الإدارة التوجيهيه يختلف عن الاشرافية والتنفيذية مقابل العقل التتبعي اللاتحليلي الذي يسيطر على معظم العقل العربي إجمالا.

 

هنالك كثير من التفاصيل ستظهر بلا شك تتضمن الكثير من المتغيرات والألوان الأضافية الفاقعة التي اضيفت على ( لوحة القضية ) اسرائيليا بفرشاة الاعلام الاسفنجي ،ولو استخدمنا منهجية التفكير الجانبي لتعثرنا بالكثير من الحصى الذي سند روايتهم استراتيجيا وستتمكن الدولة الأردنية المؤسسية لاحقا من ازالته ،إلا ان الثوابت ستبقى ثوابت وأولها ان الدولة حاضرة وقادرة ولها قيم اصيلة متأصلة ،شاء من شاء وأبى من أبى وأن سياسة البقاء في الظل احيانا لا تعني ان الجلوس تحت الشمس مجدي اكثر،مما يقودنا للحاجة الى إعادة ضبط جديدة لبعض المسلمات او القناعات التي سيطرت على العقل الاردني الشعبي المؤثر لتتماشى وتنتقل بالتفكير من عقل الموقف المكعب الى عقل الموقف المركب وهذا يعتبر توظيفا حقيقيا لوظيفة العقل وهي التحليل ثم الحكم وليس العكس.

 

للتوضيح : المقصود بالعقل المكعب هو مكعب روبيك الذي يتلون حسب الحركة ،اما العقل المركب فهو العقل التراكبي التراكمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى