مقالات

منصور: لأن البشر فانون

التاج الإخباري – د. عاصم منصور 

انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب «Being Mortal»، للطبيب والكاتب الأميركي أتول جاوندي والذي كنت قد بدأت قراءته وبشكل متقطع «على غير العادة» قبل أكثر من عام وذلك لثقل الموضوع الذي يطرحه رغم أهميته، فالكتاب يناقش طريقة تعامل الطب الحديث مع مسألة الشيخوخة والموت، من خلال التركيز على الكم دون النوع وذلك بالعمل على إطالة سنوات العمر بغض النظر عن نوعية هذه السنوات.

وقد تطرق الكاتب في كتابه هذا ومن معاناة شخصية من خلال ملازمته لوالده الطبيب المسن الذي ينتمي إلى الجيل الأول من المهاجرين الهنود إلى الولايات المتحدة، لنوعية الحياة التي يحياها قاطنو دور المسنين، والذين يعيشون حياة لم يختاروها بملء إرادتهم وتشوبها الوحدة والعزلة والضعف وتغلفها الكآبة وقلة الحيلة.

ويقارن دور الأسرة في ثقافتين مختلفتين في رعاية المسنين من قبل أفرادها مستحضرا الدور التقليدي للأسرة الممتدة في المشرق مقابل اضمحلال هذه الأسرة في الغرب بسبب التغير في نمط الحياة وانصراف أفراد العائلة للعمل، فالعائلة الممتدة التي كانت تحمي المسنين وتعتني بهم بدأت بالتقلص، والتي انسحبت من هذا الدور مرغمة لصالح الدولة وشبكات الرعاية الاجتماعية. واليوم نلمس انكماش العائلة الممتدة حتى في دولنا نتيجة التغير الديمغرافي الذي تشهده دول المنطقة.

وفي هذه الحالة يكتسب الموضوع بعدا مأساويا آخر حيث لم تحافظ هذه المجتمعات على تقاليد الأسرة في التكافل لرعاية مسنيها وفي نفس الوقت لم ترتقي برعايتها الصحية والاجتماعية لسد الفراغ الذي تركه اضمحلال الأسرة فتركت هذه الفئة الأضعف في المجتمع تعاني بصمت الم العزلة والمرض والتهميش.

لقد ساهم التطور في الرعاية الصحية في إطالة عمر الإنسان إلى مستويات غير مسبوقة؛ لكن في خضم السباق بين نظم الرعاية الصحية في تحسين المعايير الصحية كزيادة الأرقام على عداد الحياة، نسوا أن يلتفتوا إلى جودة هذه السنوات، وأن يأخذوا رأي من يعيشها فيما إذا كانت تستحق هذا الجهد.

غالباً ما تكون القرارات المصيرية فيما يخص الشيخوخة وعللها في غير أيدي أصحابها، فالمريض هو آخر من يستشار ويبقى القرار إما بيد النظام الصحي المشغول بعد السنين أو للأهل المسكونين بأنانية يغلفها الحب من خلال رغبة دفينة في تأجيل الفقد ولو على حساب كرامة ومعاناة من يحبون؛ لذلك تراهم يقدمون على إجراءات وتداخلات نعلم جميعا أنها لن ترجع عقارب الساعة إلى الوراء، لكنها ستمدد من وقت المعاناة.

الكتاب دعوة وتحد للقارئ لإعادة النظر في نظرته إلى الشيخوخة والموت وقيمة الحياة الإنسانية، ودعوة للاستثمار في الجانب الذي يُعنى بتوعية الحياة من الطب مثل الرعاية التلطيفية والرعاية في مرحلة الاحتضار، هو باختصار دعوة لأنسنة الرعاية الصحية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى