مقالات

الدكتور عاصم منصور يكتب :درس من الهند …!

التاج الاخباري- سيبقى يوم الرابع عشر من نيسان للعام 2021 محفوراً في ذاكرة الهند الحديثة؛ ليس لأنه يمثل يوم الحج الهندوسي الشهير (كومبه ميلا )، الذي يحتفل به ملايين من أبناء الديانة الهندوسية مرة كل أربعة عشر عاما، وإنما لأنه كان بمثابة الشرارة التي أطلقت موجة تسونامي عاتية لجائحة كورونا، والتي عصفت بالهند وأغرقت مستشفياتها ومحارق الجثث بآلاف من الموتى وآلاف من الإصابات، ولا يتوقع لها أن تتعافى من آثارها في وقت قريب.
ففي هذا اليوم الذي يجتمع فيه أتباع الديانة الهندوسية من نساك وعباد ورهبان، يتدافعون بالآلاف تجاه نهر (الجانج) المقدس للمشاركة في طقوس ( شاهي سنان) والتي تعد جزءا من مهرجان (كومبة ميلا) الديني، وبالرغم من بدء موجة كورونا الثانية التي تشهدها البلاد، تسابقوا للغطس في النهر لغسل خطاياهم والفوز بالخلاص، متجاهلين الالتزام بأي من وسائل الصحة العامة، فكانت النتيجة ارتكابهم أثما أكبر عندما تسببوا في نقل العدوى كالنار في الهشيم، وتم تسجيل أعداد غير مسبوقة لحالات الإصابة( بكوفيد 19)، على مدى الأسابيع التالية لهذا الحدث، تجاوزت الثلاثمائة وخمسين ألف إصابة يوميا، وهي أعلى حصيلة إصابات سجلت في دولة منذ بدء الجائحة!
وتزامنت هذه الزيادة المرعبة في عدد الإصابات مع الإعلان عن اكتشاف سلالة جديدة متحورة للفيروس تجمع بين طفرتين، والتي لم تثبت مسؤوليتها، حتى اللحظة، عن ازدياد أعداد الإصابات، إلا أنها كانت كافية لإثارة الرعب في مختلف انحاء العالم، حيث أشارت التقارير الأولية غير المؤكدة إلى ان هذه السلالة سريعة الانتشار، ويصاب بها من هم أصغر سنا بين فئة الشباب وتتسم أعراضها بسرعة التطور.
ولم تكن أعداد الإصابات ولا الصور المرعبة التي تداولتها وسائل الإعلام من الهند أو حتى ظهور السلالة الجديدة هي التهديد الوحيد الذي جلبته هذه الموجة للعالم، بل أدت ايضا إلى اتخاذ الهند تدابير مشددة لمنع تصدير اللقاحات إلى دول العالم وخاصة النامية منها، والتي كانت تعتمد على الهند لتزويدها بملايين الجرعات، وبالتالي فإن هذا الأمر سيشكل تهديدا لبرامج التطعيم العالمية، والتي يبدو انها ستتلقى ضربة موجعة.
لقد تزامنت الاحتفالات الدينية مع حملات انتخابية حاشدة في انحاء البلاد حضرها العديد من الساسة دون كمامات أو مراعاة لأساسيات الصحة العامة، وهذا بدوره ساهم في تعميق الأزمة التي تمر بها البلاد، كما أن سلوك رئيس الحكومة الذي حاول إرضاء جمهوره من الهندوس المتدينين لأسباب انتخابية ساهم في عدم اتخاذ إجراءات قد تعرقل هذه التجمعات. بالرغم من أن خبراء في الصحة طالبوا الحكومة بإلغاء المهرجان وعدم السماح به. ومما زاد من حدة الكارثة ، ازدحام المدن الهندية المكتظة بالسّكان، وانتشار الجهل والأمية والبطالة، واعتناق الخرافة في تفسير المرض والوقاية منه.
يحدث هذا في دولة عملاقة مثل الهند التي أخرجت للعالم من العلماء والخبراء أكثر من أي دولة أخرى، وتبوأ العديد من ابنائها قيادة كبرى الشركات العالمية، وهي الدولة التي كان ينظر اليها العالم كلاعب رئيسي في المعركة مع الفيروس من خلال قدرتها الهائلة على انتاج الأدوية واللقاحات، وإذ بها نتيجة لسوء الإدارة، وعنجهية السياسيين تتحول إلى دولة متلقية للمساعدات، وهذا درس لباقي الدول، والتي ستواجه نفس المصير إذا ما سارت على نفس الخطى!
لقد كشفت هذه الجائحة عن أن العالم يعاني أزمة قيادة بالدرجة الأولى، حيث وسد الأمر في كثير من الدول إلى غير أهله، والذين صعدوا إلى سدة الحكم متكئين على خطاب شعبوي غرائزي لم يلبث أن تهاوى في مواجهة أول تحد، أوصل العالم إلى الوضع الكارثي الذي نعيشه اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى