مقالات

صّعصَعة ووعودٌ في الميدان، وصمتٌ مطبقٌ في البرلمان

التاج الاخباري – كتب – عدي صافي- في أحد الأزمان، سماءٌ معتمة سكنها الديجور، وجدثٌ بالي في كل مكان، هياكلٌ تسير في الطرقات، واضواءٌ فوقَ الأرصفةِ باهتات.. وفي الجزء المقابل من ذلكَ الزمان يوجد حائط صنعَ من رخام واستدعى بناءه انسٌ وجان..

في الجانب المعتم، حروبٌ ونزاعات وجائعٌ يفتعل المشاجرات، وفقيرٌ متوسدٌ للأرصفةِ والطرقات، وحقيرٌ يصطاد العذراوات ليتلذذَ بتضاريسهنّ، وخلف الحائط قصورٌ عظيمات ونساءٌ حسناوات واشهى الوجبات وارقى العطورِ والماركات..

في كلّ (4) سنوات يخرج من خلف الحائط أجساد بدينة ترتدي البدل وتدخنُ السيجار الكوبي الفريد، ويقولونَ بأعلى أصواتهم: هلموووا فقد جاءَ الفرج، أتينا من السماء لنرحمَ الضعفاء ولنطعم الفقراء ولنحاربَ ظلمَ النُبلاء.. هلموووا وادعمونا، فالعدلُ في الأوطان قائم والظلمُ لا محالة زائل، والمحتاج له كُل الغنائم، هلموووا يا أيها التعساء، من بعد اليوم لا عبودية ومطالبنا تشريعاتٌ وحرية، سيروا معنا إلى الصندوق؛ فهو المنجي لا سواه..

سارَ القطيع، أجسادٌ بلا روح وعقولٌ سلبت، غير مبالين بصحتهم وبمستقبلهم؛ حفنة دنانيرٍ حكَمتهم!
ساروا إلى الصندوق، وكتبوا عاااش.. وكتبوا بكم تزهوو….
وكتبوا سعااادة… فخااامة… عطووفة… ومجدوا في النهاية من كَسَر القلم.. مجدوا من تعالى وظَلَم وعادوا إلى جحور الفئران التي سكنوها.. منتظرين الخِطابات الرنانة…

وقفَ أصحاب المعالي على المنصات وجلسَ النواب في الشرفات، قال نائب: أنتَ شيطانٌ رجيم وقال أخر أنتَ ظالمٌ لعين، وصاحَ منادٍ من بعيد ألحرية الحرية بعدَ اليوم لا عبودية وقال مواطن يسقط يسقط حكم العسكر احنا الشعب الخط الأحمر الخط الأح…فقاطعه أحدهم وقال: مش شغلك يا مواطن!
عادَ نائب أخر وقال لا حقوقَ ولا حريات وسنحارب من اجلكم الواسطة والمحسوبيات… واستمرت هذه المسرحيات ساعاتٍ معدودات، إلى أن عاد الأموات إلى قبورهم وتوجه اصحاب المعالي والسعادة والعطوفة إلى قاعة المأكولات وتناولوا ما حلَ لهم وما طاب، وزيرٌ لثمَ شفاه بائعة هوى شعرها أشقر في ركنٍ مظلم، رغمَ أن تجاعيده من شدةِ كثرتها جعلته شبيهاً بنوعٍ من أنواع ال… البرية…
جزءٌ منهم اجتمع لمشاهدة سباق الخيول وكانَ الرهان مستقبل العبيد الذين سكنوا في الجهة الأخرى من الجدار، وعددٌ منهم تناولَ النبيذ الفاخر وقرعوا كؤوسهم “بصحة الفساد” وجزءٌ بدأ باستقدام الروسيات؛ ليعملنَ في المقاهي والحانات!
وجزءٌ لعبَ “البوكر”؛ كي يطعمَ الفقراء، عاقداً العزم أن يكونَ خليفةً للخلفاء…

جلسوا مجدداً على الشرفات، قال الأول واثار الثمالة على وجهه تحيا فلسطين قبلةُ المسلمين.. تمنحُ الثقة…
وقال أخر على العهدِ باقون، تمنحُ الثقة..
وصرخَ ثالث لعنَ الله الظلم، تمنح الثقة،
ونعقَ رابع انتم فاسدين.. تمنح الثقة،
وقال الخامس بأدب: نحن من اختارنا العبيد.. عذراً الشعب، لتمثيله وسنكون رصداً يحميَ التعساء وذئاباً ترعبُ الجبناء، تحمس الجمهور وبدأ يثور.. إلا أنّه نهقَ وقال: تمنح الثقة
تمنح الثقة.. تمنح الثقة (٤٠٠٠) الآفِ مرة وفي روايةٍ أخرى
(٨٠٠٠) مرّة…

عادَ العبيد إلى أوكارهم يلعنون واغلقت أبواب الحائط من جديد.
وانا أضع سيجارتي ال١٣٠ في مطفأة السجائر شممتُ رائحةً نتنة، فتذكرتُ قبّةً في وسط المدينة تشبه المطفأة بما حَوَت!
تمنحُ الثقة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى