مقالات

الرّواشدة: نصرخ .. ولكن بلا جدوى

التاج الإخباري – حسين الرّواشدة 

حين يتأخر قطار “الإصلاح” كنت أشعر بالخوف والحزن، لكن حين يتغير منطق “مكافحة” الاصلاح ويحاول البعض ان يقنعنا باننا لا نستحقه، وحين تستمر مسلسلات التجاوز والخطأ، ويبدع البعض في صناعة “الازمات”، ويستمرئ آخرون مواصلة “العبث” بالنواميس الوطنية، ويصرون على البقاء في “الزمن” الذي خرج الناس لفك حصاره الذي طوقهم منذ عقود.. حين يحدث ذلك اضع يدي على قلبي.. وتنتابني موجة من الفزع والريبة.. لدرجة انني لا اصدق ما يحدث. 

منذ اعوام ونحن نصرخ، بعضنا يكتب في الصحافة وبعضنا يدبّ الصوت في الشارع ، وفي الصالونات السياسية ، والندوات العامة ، حتى انبرى لساننا، محذرين من وصول الناس الى اليأس، ومن نفاد صبرهم، وفقدان ثقتهم بالجميع ، ومن قساوة الظروف التي قد تدفعهم الى الكفر، بكل ما ألفناه من أدبيات وتراث ، وبكل ما تربى عليه جيلنا من “اخلاقيات”، لا لأنهم لا يؤمنون بها ، وانما لأننا بما فعلناه بأنفسنا أوصلناهم الى الجدار. 

قلنا عشرات المرات إن قطار الاصلاح اذا تباطأ وتأخر كثيراً ، سيواجه على مسار آخر مواز قطار “نفاد الصبر” ، هذا الذي يسير بسرعة جنونية، ودعونا مراراً الى ضرورة دفع القطار الأول بكل ما نملك من امكانيات وارادات لكي نستدرك القطار الآخر ،ونخفف من سرعته.. لكن يبدو ان اصواتنا ذهبت سدى ، وأن آذان المسؤولين لم تلتقط ذلك، بحجة انه مجرد صراخ وسينتهي حين يتعب مطلقوه ، والمستمعون له ايضاً.

جردة حسابات الاعوام الماضية تؤكد لنا – بدون أدنى شك – أن “حالة مجتمعنا” تراجعت وانحدرت نحو الاسوأ، وأن رهاناتنا على “ارضاء” الشارع وجموده، أو على “صور” الفوضى المخيفة فيما حولنا التي تردع الناس عن المطالبة بحقوقهم، لم تكن صحيحة، وبالتالي فمن واجبنا اليوم ان نراجع مواقفنا ومعادلاتنا السياسية، وان نفتح عيوننا بشكل افضل على ما يدور في مجتمعنا، وما يتغلغل داخله من احتقانات، وما يعكسه خطابه المعلن والصامت من مخاوف وتحذيرات، لكي لا نفاجأ بما لا يسعدنا ، ولكي لا نقع في المصائد التي وقع فيها غيرنا.. وعندئذ لا ينفع “الفهم المتأخر” ولا الندم ايضاً. 

ان ما وصل اليه مجتمعنا لم يكن مفاجئا الا للذين ما زالوا مصرين على انكار الحقيقة، فحين تموت “السياسة” تحضر الفوضى، وحين تنحدر قيم المجتمع بفعل ما طرأ من ضغوطات وافساد للمجال العام، يتحول الناس الى مجموعات متناحرة تحركهم نوازع الانتقام من انفسهم ومن الآخرين، وحين تسد ابواب الحوار ويتلاشى الامل ويهيمن منطق “الاستهانة” والاستعلاء ويختلط “اللامشروع” بالمشروع ، يفرز المجتمع اسوأ ما فيه، ويعبّر كل مواطن عما بداخله بطريقته الخاصة، ويحاول ان ينتزع حقوقه بيديه، تماما كما يحصل في العصور التي ضلت فيها المجتمعات عن ولادة فكرة الدولة والقانون واخلاقيات العيش المشترك وقيم العدالة والحرية التي تجعل الجميع يشعرون بالامن والاستقرار “والرضا” والقناعة.

نحن مقبلون على تحولات سياسية لها استحقاقاتها، سواء على صعيد الداخل وما يتعلق به من “ازمات” اقتصادية ومقررات مُرّة، أو من “صراعات” وانقسامات في مناطق النفوذ وخارجها، وعلى صعيد الخارج بما يحفل به الاقليم من “نذر” حرب قائمة واخرى قادمة، ومن اشتباكات طائفية ومذهبية، ومن ترتيبات وخرائط جديدة يُعاد رسمها، وبالتالي فان “الفاتورة” التي سندفعها ستكون باهظة، وهي تحتاج الى “جبهة” داخلية متماسكة ومؤمنة بما يستحق علينا وجاهزة لكي تدفعه.. واعتقد ان حالة مجتمعنا ليست كذلك؛ ما يعني أننا سنواجه “لحظات” صعبة يفترض ان نستبقها بعمل “جبّار” وجهود جدّية، تستهدف أول ما تستهدف تغيير المعادلات السياسية القائمة نحو معادلات صحيحة وصلبة تقنع الناس بأن مرحلة جديدة قد بدأت حقاً. هل ستبدأ حقا ..؟ لا ادري. 

بقي لدي رجاء واحد للمسؤولين : دعونا ننقذ بلدنا من هذا المجهول، دعونا نخرج من منطق الاستعلاء والاستهانة في التعامل مع الناس وقضاياهم ونجرب منطق “الفهم” والاستجابة.. دعونا نفتح الابواب المشروعة امام الناس ونخفف معاناتهم ونطمئنهم على مستقبلهم ونعيد اليهم الثقة بانفسهم وبلدهم ، لكي لا ندفعهم الى الدخول من ابواب غير مشروعة ومزدحمة بالالغام ايضا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى