مقالات

الحوارات: الزور بين أمن وأمن

التاج الإخباري – د. منذر الحوارات 

صارت التشديدات الأمنية في منطقة الزور حديث المجالس، وهذه تحرم المزارعين فرصة العناية بمزارعهم في الفترة الصباحية الباكرة، إذ إن عليهم الانتظار لساعات ريثما يتم تفتيشهم حتى يتمكنوا من الوصول، يضاف إلى ذلك الحرائق والخنازير وتلويث المياه وإطلاق الحشرات.

تبدأ منطقة الزور من جنوب بحيرة طبريا مع بدء مصب نهر الأردن وصولاً الى البحر الميت بمسافة 150 كم وهي محاذية لنهر الأردن وفلسطين المحتلة،  وتبلغ مساحة الأراضي المزروعة فيها حوالي 100 ألف دونم يستفيد منها 4000 مزارع، هؤلاء يعانون الأمرين في كل لحظة حتى يحافظوا على مصدر رزقهم، لكن دولة الاحتلال تريد المنطقة جرداء خالية من اي نشاط زراعي حتى تسهل مراقبتها.

تستغل اسرائيل غياب المزارعين الأردنيين وتبدأ بحرق  الأعشاب الجافة في الجانب الفلسطيني بعد الساعة الرابعة مساء بعد أن تكون قد جهزت سيارات وطائرات الإطفاء، ولا تمضي سوى فترة قصيرة حتى تعبر النيران الى الضفة الشرقية وتبدأ بالتهام المزارع والبيارات بالذات مع تواجد العشب الجاف، طبعاً في جانب الاحتلال سرعان ما تطفأ النيران بينما في الجانب الأردني على الضفة الشرقية حيث لا يوجد احد ولا يستطيع احد الدخول بسبب عدم تغطية تصاريح العبور بالفترة المسائية، ومع اول واصل تكون ألسنة اللهب قد قضت على آخر شجرة أو شتلة وأصبحت المزارع والبيارات أثراً بعد عين، وبهذا الاسلوب وهذه الاستراتيجية أوصلت اسرائيل آلاف المزارعين الى حدّ الإفلاس، وما ينطبق هنا على المزارع ينطبق على مربي المواشي إذ نفقت آلاف رؤوس الماشية بسبب هذه الحرائق.

لم يتوقف الأمر عند الحرائق بل تطلق دولة الاحتلال العشرات من الخنازير في الفترة المسائية وهذه تعيث فساداً في المزارع والحقول ولا يحق استخدام السلاح من خارج المنطقة الزورية أو من داخلها، مما أدى إلى إتلاف الآف الدونمات وتخريبها، كما تلجأ إسرائيل الى تجفيف نهر الأردن وإغراقه بالملوثات من كل نوع، وهي تطلق سوسة النخيل الحمراء التي تقوم بتدمير مزارع النخيل في المنطقة وفي غور الأردن، طبعاً لا يقتصر الأمر هنا فإجراءات حماية الحدود التي يتبعها الطرف الاردني تعيق بشكل كبير وصول اصحاب هذه الاراضي الى مزارعهم بالذات في الفترات التي تحدث فيها مشاكل امنية حيث تصل فترة المنع  من  3 – 7 أيام وهذا يدمر المحاصيل بسبب الانقطاع عن ريها، وتأخير جمع المحصول، كما أنه يمنع مربي الماشية من العنايةبقطعانهم مما يكبدهم خسائر هائلة، المشكلة أنه حتى في الايام المستقرة لا يستطيع المزارعون ومربو الاغنام الوصول قبل السابعة صباحاً وهذه فترة متأخرة جداً بسبب حرارة المنطقة العالية والتي يجب أن تتم فيها عملية السقاية وقطف المحصول ابتداء من طلوع الفجر وليس بعد ذلك، طبعاً لا يمكن اغفال ان الاستفادة من جهد العامل لا يتم الا لساعات محدودة بينما أجرته تكون مدفوعة.

تكالبت المصائب على مزارعي منطقة الزور والاغوار عموماً، وبينما ينعم المزارع الاسرائيلي بكل وسائل الدعم يواجه المزارع الاردني مختلف المصاعب والتعقيدات وهو ما يزال صامداً دون تلقي أي دعم حقيقي، سوى دعم شكلي لا يغني ولا يسمن من جوع، فلا المواطن قادر على حماية أرضه وماشيته ولا الحكومة الأردنية تقدم له الدعم والحماية، ولأنه لا يمكن ترك هذه المساحات المهمة بدون زراعة في دولة يتحدث مسؤولوها صباح مساء عن الأمن الغذائي، وحتى يتحقق ذلك لا بد من حماية المزارع في هذه المنطقة وغيرها وهذا يبدأ من عدم الانسياق وراء الادعاءات الإسرائيلية الكاذبة بوجود اختراقات أمنية، فأغلب مزارعي المنطقة هم من أبنائها ومعروفين جيداً للجهات الأمنية، لذلك تجب زيادة مدة بقائهم في مزارعهم ابتداء من ساعات الفجر الأولى وحتى ساعات المساء المتأخر وتخفيف الاجراءات والقيود الأمنية عليهم، ولابد من تشكيل دوريات ترصد الخنازير والحيوانات البرية وتقوم بقتلها، ايضاً يجب تشكيل دوريات اطفائية في أغلب الأوقات لرصد الحرائق وإطفائها، هذا في الجانب الأردني، أما في الجانب الإسرائيلي فيجب الوقوف بحزم أمام ما تقوم به اسرائيل حتى لو تطلب ذلك الذهاب الى المؤسسات الدولية.

 بغير ذلك لا يمكن اعتبار هذه المنطقة متحررة طالما أن إرادة اسرائيل واستراتيجيتها هي التي تنفذ، بينما حياة ومستقبل الآف المزارعين في مهب الريح، ويسقط الأمن الاقتصادي والغذائي ضحية الإدعاءات الأمنية لدولة الاحتلال

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى