مقالات

السودان: العودة الى المربع الأول

التاج الإخباري – صلاح عجاوي
 
بعد أحداث 25 أكتوبر والانقلاب الذي حصل ومن ثم خروج عبدلله حمدوك من الإقامة الجبرية وإعادة تكليفه مجدداً بتشكيل حكومة، كانت هذه الاستقالة متوقعة من قبله، ويذهب البعض الى أن حمدوك تأخر في الاستقالة لكونه أداة سياسية كانت في يد المجلس العسكري الانتقالي، هذا التنحي أحدث في الشارع حالة من الانقسام والتشظي وغليان بين معارض ومؤيد لاستقالته، ولكن الشعب برمته متفق على عدم تقبله لحكم العسكر وإجراء انتخابات ديكورية برعاية العسكر.
الآن ازداد المشهد السوداني توتراً وحالةً من القلق من قبل الشارع باستفراد العسكر وقبضتهم على نفوذ السلطة، والشارع يتساءل السودان الى اين بعد تنحي حمدوك؟؟
 
عبرت المواطنة أروى صابر في المسيرات المليونية في ام درمان عن ضرورة محاسبة الانقلابيين وتحقيق القصاص للشهداء ومحاسبة كل المسؤولين في فض اعتصام القيادة وتفعيل مدنية الدولة بدلاً من حكم العسكر الحالي وحرية السلام والعدالة ، خاصة اللاءات الثلاث لا شراكة .. لا شرعية .. لا تفاوض
 
واضافت أن الوضع الحالي الرافض للانقلاب العسكري 25 أكتوبر 2021م وفض اعتصام القيادة العامة وما حدث فيها من قتل واغتصابات ورمي في نهر النيل بعد الربط بالحجارة و التمثيل بالموتى وغيرها من تصرفات المرفوضة بالقانون الدولي حتى في حالة الحروب للتعامل مع الأسرى و القتلى
 
 
قالت عضو لجنة المقاومة الصافية حنان الجاك أن الوضع الراهن بعد استقالة دكتور حمدوك عسكر وفلول وأحزاب تقليدية شاركت في تقويتهم والقضية ليست تنبؤات بل لجنة أمنية متكاملة مسيطرة على الوضع منذ اعتصام القيادة، واستقالة حمدوك الجميع فيها خاسر ومن يرفضون حمدوك من الفلول والمتطرفين في الحزب الشيوعي وبقية الأحزاب والحركات المسلحة من خلف ستارة مهترئة للعسكر، فهم كانوا يظنون أنهم بعد استقالة حمدوك سيستفردون بالبرهان وسيعودون الى السلطة إلا أنهم لم يقرؤون المشهد فبرهان مصر وإسرائيل ليس برهان البشير
 
أشارت الجاك أن حمدوك قدم مبادرة متكاملة وسعى سعياً حثيثاً للتوفيق بين الأوضاع الاقتصادية والسياسية للمركز الوطني للثورة، كان يمكن أن يكون المستقبل الذي يمكن أن نعبر به لتحقيق برامج الثورة الوطنية وتحقيق الحكم الديمقراطي المدني، ولكن الأيديولوجية الفكرية للعسكر ومن يتبعونهم كانوا اكثر عداءً للإستراتيجية التي وضعها حمدوك ولا تخفى على العالم من خلال خروج السودان، بعد عزلة امتدت لربع قرن من الدولة الراعية للإرهاب، ولأول مرة في تاريخ السودان أن يكون هنالك عائد بالعملة الصعبة يفوق الثلاث مليار دولار ورصيد من الذهب وانخفاض في التضخم كل هذه المؤشرات لم تعجب العسكر، لان السياسة التوافقية التي اتبعها حمدوك من أجل السودان وإخراجها من عنق الزجاجة لم يعجب لجنة البشير الأمنية التي لا تمتلك قرارها، بل أن قرارها يأتي من دول المحيط الإقليمي كمصر أو الامارات او السعودية.
 حمدوك احدث  خلل استراتيجي للاطماع الدولية في موارد السودان لذلك مفهوم التوافق السياسي ظل مرفوض تماما للعسكر .
أضافت الجاك أن أهداف حمدوك منذ مجيئه كانت واضحة، وسياساته تجاه الثورة ومتطلباته كانت أكثر قوة، وكان قائدا ميدانياً في أصعب فترات الانتقال من دولة مثقلة من التردي الاقتصادي وانهيار المؤسسات وغياب العدالة والأمن، وانتهاك القوانين وتفشي جهاز أمن قمعي يتمثل بقوات الدعم السريع ، وديون متراكمة ومركبة تجاوزت ال ٦٠مليار دولار في ظل كل هذه التعقيدات استلم حمدوك بل تطوع لاستلام قيادة تنفيذية
 
قال الناشط الإعلامي المغربي أحمد دريسي اننا يمكننا القول بأن السودان بعد استقالة حمدوك تحت الحكم العسكري، وليس بالضرورة العودة لحكم البشير، السودان الآن تحت حكم العسكر، لكن هل سيحكم حتى بعد الانتخابات، ربما قد ينقلب على نتائج الانتخابات إذا لم تحقق له الوصول إلى السلطة والحكم، لكن الشعب السوداني يرفض الحكم العسكري الذي قسم السودان وأفسده وفقره، لا خير في حكم العسكر
 
أشار دريسي أن استقالة حمدوك هو تجسيد لعدم الانسجام السياسي والتوافق بين المدنيين والعسكر، لأن عقلية العسكر مبنية على فكرة الإنقلاب والسيطرة ولا يقبل بتعدد الآراء السائد عند المدنيين
 
أضاف دريسي أن الامارات هي زعيمة الثورة المضادة، ولكن ليست وحدها، معها السعودية والبحرين ومصر، ومن ورائهم دولة الاحتلال المتضررة من الانتقال الديمقراطي في أي دول عربية إسلامية، ويزكي الغرب هذا الطرح، والنموذج المصري واضح أمامنا
 
قال النائب الاردني عمر العياصرة ان مشروع الحوار مع عبدلله حمدوك فشل، نتاج هذا سيعود السودان بحكمه العسكري على طاولة المشهد الدولي والولايات المتحدة الامريكية، وباستقالة حمدوك كانت انحياز بحد ذاتها للجهات التي تخرج للشارع والتي تعترض على عسكرة الدولة كما ان التهم التي كانت توجه لحمدوك انه كان يقدم غطاءً مدنيا للعسكر فيبدو اليوم الغطاء المدني سقط ويجعل المواجهة بين العسكر والمدنيين، وحمدوك كان يتحرك بهوامش الاتفاق اتفاق اكتوبر لكن اكتشف انه تم التحايل عليه فقرر ان يغادر المجلس
 
أكد العياصرة ان العسكر حشروا بالزاوية وهذا سيجعلهم مطَريين للتفاهم والجلوس مع الشارع والعودة الى اتفاقية ما قبل الاتفاق أي المرحلة الانتقالية،لا خيار امام العسكر الا التفاهم والجلوس،أما ان يشكل العسكر حكومة مدنية ديكورية جديدة فهذا لا يجدي نفعاً ولا يلائم تطلعات الشعب السودني
 
أضاف العياصرة ان السودان لا يتجه الى الفوضى بل السودان ذاهب الى تفاهم سياسي كبير سيستفيد منها القوى المدنية وسيبقى العسكر لاعب بالعمل السياسي ولكن مساحته ربما ستكون اقل
 
أفاد العياصرة ان الامارات لعبت في السودان قطعا نعم، الامارات ومصر لاعبين رئيسيين في السودان لكن مع قدوم إدارة بايدن الوضع أصبح مختلفا، وادارات الامارات في مهماتها الدولية ربما تجعلها اقل اهتماما بالملف السوداني
 
 
 
قال الإعلامي الدكتور ياسر عثمان حامد أن استقالة دكتور حمدوك لم تكن مفاجئة إن لم تكن متوقعة في ظل التشظي وحالة الإنقسام الكبير الذي تشهده الساحة السياسية فضلاً عن رفض الشارع السوداني لعودته للوزارة بعد قرارات 25 أكتوبر التي يعتبرها البعض إنقلاباً عسكرياً وخيانة للثورة، ولا أعتقد أن هذه الإستقالة ستعيد عقارب الساعة للوراء ولن تفتح الباب لعودة عمر البشير بحال من الأحوال، فالشارع السوداني بعد الثورة يختلف عما كان قبلها وهو صاحب القول الفصل
 
أضاف حامد أن خروج حمدوك -الذي كان متوقعاً- زاد الشقة بين المكونين المدني والعسكري وأسهم في إرباك المشهد السياسي المضطرب أصلاً،  فالحاضنة السياسية التي جاءت به والمتمثلة في قوى الحرية والتغيير انقسمت على نفسها وبرز تيار سياسي جديد قوامه الأحزاب التي كانت تشارك في حكومة البشير مثل الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، وكذلك حركات مسلحة وقعت إتفاق الدوحة، كما زادت أطماع بعض الأحزاب في الإستئثار بأكبر قدر من المناصب في الحكومة المقبلة مثل حزب الأمة القومي الذي كان صاحب أكبر كتلة نيابية في آخر ديمقراطية قبل إنقلاب البشير ، من جهة أخرى استعان المكون العسكري بزعماء العشائر ورجال الطرق الصوفية والإدارة الأهلية لكسب المزيد من التأييد
 
أشار حامد أن حمدوك كان ألعوبة في يد قوى الحرية والتغيير التي لم يكن لها برنامج وطني موحد باعتبارها تمثل المرجعية السياسية لحكومة الفترة الإنتقالية بقيادة حمدوك، وكانت أحزاب الحرية والتغيير متناحرة فيما بينها وبلا قواسم مشتركة، حيث أن الذي وحد بينها هو إسقاط حكومة البشير وبعدها وجدت نفسها بلا رؤية ولا هدف، ولعل التشاكس بينها مرده اختلاف المرجعيات الفكرية وإعلاء الحزبي فوق الوطني، ففشلت في تأسيس مطلوبات الإنتقال الديمقراطي وتعزيز عمل الجهاز التنفيذي، وعملت على إشاعة ثقافة الكراهية وعدم قبول الآخر وشيطنة القوات النظامية، مما جعل حمدوك يكثر من التضجر ويدعو سراً وعلانية لوضع خارطة طريق وطنية للعبورالآمن بالفترة الإنتقالية إلى بر الأمان، وقد ترتب على ذلك قيام القوات المسلحة بقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر لتصحيح مسار الثورة، وحرص المجلس السيادي على عودة حمدوك باعتباره رمزاً للثورة، فلا أعتقد أن حمدوك كان ألعوبة بيد البرهان، وإنما وقع الإتفاق السياسي وقبل التكليف برئاسة الوزارة لاستكمال ما بدأه في المرحلة السابقة
 
 
افاد حامد حكم العسكر لن يطول، لمعرفتهم رفض الشارع السوداني لذلك، وعليهم أحد الخيارين إما تكوين حكومة مدنية بأعجل ما يكون أو الإعلان عن إنتخابات مبكرة، وكلا الخيارين ستواجهه عقبات كؤود،  سيما وأن هنالك تحديات كبيرة تواجه السودان وتجعله على مفترق طرق بين أن يكون دولة موحدة آمنة أو الإنزلاق إلى الحرب الأهلية، ومن أبرز هذه التحديات التي تواجه البرهان وجود سبع جيوش بسلاحها وعتادها داخل المدن ولم يتم دمجها في الجيش الوطني بموجب الترتيبات الأمنية، وإن لم يتنازل البرهان ويعلي من قيمة الوطن سيقود البلاد إلى حرب أهلية وفتنة لا تبقى ولا تذر
 
وصف حامد الامارات بمحور الشر في العالم العربي، هذا المحور الذي يحقق أهداف الصهيونية في المنطقة، بنشر الرعب والخوف والتدمير  والحروب الأهلية في الكثير البلدان العربية، والسودان أحد الدول المستهدفة والمراد تفتيتها وتقسيمها وزرع الفتنة بين مواطنيها وتزكية الحرب، وتلعب الإمارات مخلب القط وتسعى جاهدة لتأجيج الصراع بين أبناء الوطن الواحد، كما فعلت في ليبيا، اليمن، العراق، سوريا، ولعل أبرز أطماعها تتمثل في السيطرة على البحر الأحمر لما يمثله من أهمية استراتيجية، ولكن أطماعها مكشوفة، وعملاؤها معروفين، وقطعاً كيد الله فوق كيدها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى