مقالات

قصة وتهنئة لبطل..

التاج الإخباري- العميد المتقاعد د عارف الزبن

ابارك لكافة الزملاء الذين صدرت الإرادة الملكية بترفيعهم في هذا العام.

اردت ان أخص في هذه المناسبة الجميلة، الأخ والزميل ورفيق السلاح العقيد المظلي سالم النعيمات، لأرفع لك أجمل التهاني والتبريكات، لقد ذكرني هذا الترفيع في قصة هذا البطل، الذي خرج من قلب صحراء معان، ورضع منها معنى الولاء والانتماء للوطن، فمنذ بداية خدمة العسكرية لم يكن يعرف الخوف مثل سائر رفاقه من كتيبة مكافحة الإرهاب / ٧١. نعم ان المواقف الصعبة تعرف فيها معنى الرجال الرجال الابطال ، الذين عرفتهم خلال تشرفي في قيادة كتيبة مكافحة الإرهاب قبل ما يزيد عن سبعة عشر عاما ، قبل ظهيرة يوم ٢٠ نيسان ٢٠٠٤ ، تم تحديد وكر أربعة عناصر إرهابية انتحارية والتي انهت مرحلة التخطيط وانتقلت الى مرحلة التنفيذ لاستهداف امن الوطن ، الذين وصفهم جلالة الملك لاحقا بعد احداث تفجيرات عمان في ٩ / ١١/ ٢٠٠٥ ” سنخرجهم من جحورهم ” ممن اضَل وضّلل بهم زعيمهم الارهابي أبو مصعب الزرقاوي ، بعد ان حاول في ذلك اليوم وقبل عام ونصف تنفيذ مخططة الجبان في استهداف مبنى دائرة المخابرات العامة ، من خلال ارسال عناصره الإرهابية للأردن ، حيث قامت هذه العناصر بإعداد العدة ، بشراء كميات كبيرة من المواد الكيماوية من محلات المواد الزراعية في عمان ، وهي نفس المواد التي انفجرت في تفجير مرفأ بيروت.

في فجر يوم ١٩ نيسان ٢٠٠٤ وصبيحة اليوم التالي ، كان هؤلاء الشرذمة من الارهابين مع موعد مع جنود الحق الغالبون من كتيبة مكافحة الإرهاب / ٧١ ، بعد تحديد موقعهم في تسوية لأحد المباني المهجورة في منطقة الهاشمي ، يومها وقبل الظهر دخل فريق الاقتحام الى جحر الارهابين، وبعد ان تم تطهير الممر المؤدي الى الغرف الداخلية للشقة السكنية ، صادف ان شاهد احد الارهابين لحظة دخول الفريق ، فقام بأغلاق الباب والرماية من خلف الباب بعدة عيارات نارية على الفريق ، فأصيب الرجل الأول بعيار ناري في كتفة الايمن ، عندها رد فريق الاقتحام بالرماية عليه بالمثل ، واخذ الفريق زوايا الباب والاستعداد للدخول الثاني ، فحاول رجل الاقتحام الثاني بالدخول ، حيث أصيب في كف يده الايسر ، حيث كانت الإصابة (بلطف من الله) قد اصطمت في خاتم جامعة مؤتة (مصنع الرجال) ، فانسحب للخلف مع افراد الاقتحام ، ليدخل الرجل الثالث البطل الملازم /١ (آنذاك) سالم النعيمات ، الذي لم يجد الا ان يندفع الى داخل الغرفة بكل قوة وعزيمة، بأسلوب الدحرجة ليرمي الإرهابي ، الذي كان في احد زوايا الغرفة فأرداه قتيلا ، الا ان الإرهابي الاخر كان مختبئ في الزاوية الأخرى المقابلة ، حيث تمكن من اطلاق صليه من سلاحه أصيب منها سالم في فخذه الايسر، فقام بالرد عليه بإطلاق النار عليه فأصيب الإرهابي إصابة في قدمة، عندها دخل احد افراد الفريق ليجهز علية ليلحقه بباقي العناصر الارهابية.

في تلك اللحظات المتسارعة بسرعة الرصاص ، استمر الاشتباك مع باقي العناصر من داخل الغرف، وعد وصولي الى الملازم/١ سالم وكان خلفي مساعدي الرائد (آنذاك) عصام العساف ، كانت الإصابة في الشريان الرئيسي في الفخذ الايسر ، عندها تبسم وقال سيدي ” قتلتوهم ” ودخل في غيبوبة، فقلت لاحد الافراد ” نادوا الدكتور (ميديك ، ميديك ، ميدك ) ، الذي تأخر بعض الوقت بسبب شدة الاشتباك، فقلت لفرد اخر قريب مني غطوا وجه سالم معتقدا بانه قد استشهد ، عندها لم تفارقني تلك الابتسامة الجميلة ، التي اعادتني في لحظة ليست ببعيدة في ابتسامة البطل في حفل خطوبة. استمر الفريق في المداهمة والرماية للقضاء على باقي العناصر الارهابية، ولم استيقظ من صدمتي في إصابة سالم البليغة، الا عند سماع صيحات الدكتور العقيد صلاح هلسه (رئيس قسم الجراحة في المدينة الطبية) ، وطبيب اخر لا اذكر اسمه ، والذين كنت قد طلبتهم قبل يومين من مدير الخدمات الطبية (آنذاك) الطبيب اللواء مناف حجازي ، لأنني كنت اعرف اننا قادمون على انتحاريون ، وعرفت ما هو حجم التهديد الذي سنواجه في هذه العملية.

نعم صحيت على صيحات الطبيب المتكررة ” والله انه طيب والله انه طيب انقلوا الى الامبلنس بسرعة ” عندها نقلنا سالم عبر الممر الضيق ، وحمله بواقية الرصاص ومن قدمية الى الامبلنس، فقام الدكتور صلاح هلسة بسرعة بتركيب المغذي في الوريد وسيارة الإسعاف واقفه بالقرب من المبنى ، وقام بإعطائه لاحقا وحدات الدم اللازمة ، وقرر ان يعمل له عملية جراحية حين قام بفتح جرح عميق في الفخذ ، ويديه الطاهرتين مضرجة بالدماء الطاهرة للبطل ، الى ان تمكن من الوصول الى الشريان وربطه ووقف النزيف عندها قال لي ” احكي مع المدينة بدي الدكتور الزعبي اخصائي الشرايين يلاقيني في مركز القلب ” ، عندها رجع عقلي الباطني يحدثني ويوسوس من جديد !!!، ” القلب ما هي الإصابة في الفخذ والشريان شو دخل القلب” ، وكانه يقول لي من جديد الدكتور يكذب فقط يريد ان يحافظ على معنويات الفريق” فأيقظتني صيحات الدكتور من جديد للمرة الثالثة عندما قال ” بدي سيارة شرطة تفتح لنا الطريق بسرعة لازم نصل المدينة بأسرع وقت ” ، فكان نشامى شرطة النجدة المتواجدين من شرطة العاصمة ونشامى وحدة الامن / ١٤ في حماية سالم الذين رافقوا الى المدينة الطبية ، وما هي الا اقل من ساعة كان الطبيب الزعبي اخصائي الشرايين ، وباقي الأطباء في غرفة العمليات في مركز القلب ، يمدون له ايادي ملائكة الرحمة ، مستعينين بقدرة الله الذي انعم من نعمه الكثيرة للإنسان ، ان يكون له شريان احتياط في الفخذ الأيمن ، ليقوم اخصائي جراحة الشرايين في نقله وتركيبة للبطل وإنقاذ حياة.

واليوم بعد ان وصلني وشاهدتك انت ورفاق السلاح الابطال، ممن تم ترفيعهم في الرتب في جيشنا العربي، عرفت كم انا هرمت بعد بلوغي وتجاوزي دوار الخمسة والخمسون (٥٥) من عمري، فأردت ان ابارك لك أيها البطل في هذا الترفيع لأنك انت من ستحمل الرتبة للأعلى وليست هي من سيحملك، وانت من سترفع الكرسي وليس هو من يرفعك.
لك مني ولزملائك ورفاق السلاح أسمى آيات التهاني والتبريكات في خدمة الله والوطن والملك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى