مقالات

ماذا يقولون في المقابر!خواطر تائه بين جموع الدافنين!

التاج الإخباري- د محمد أبو عمارة

كانت المقبرة مزدحمة بالأشخاص وسيارات الموتى، يبدو أن الموتى اليوم كثر …همست في أذن صديقي موسى الذي رافقني لنشارك صديقاً لنا توفي والده وذهبنا لنشاركهم العزاء في المقبرة…
سرنا بين هذه الجموع التي كانت تتناثر حول القبور… تهادى إلى مسمعي صوت أحدهم: يا ترى هل سيدفع لي أبناء المرحوم الدين الذي لي في رقبته!! ولا راح يطنشوا مثل والدهم … سرحت قليلاً: هل كان والد صديقنا عبدالكريم مستديناً المال من هذا الشخص؟!
-لا لا، أعتقد إنه ميت آخر، تقدمنا للأمام فسمعت بعض الأشخاص يتهامسون: يا أخي الله يرحمه بس كان شايف حاله، ولا عمره فكر بهاليوم! ويرد عليه الآخر: أي والله… الله يرحمه ما كان شايف حد بعيونه، ويرد الثالث: يلا هلأ هو عند ربه، ادعوله… أكيد هلأ حالته صعبه….
وأكملت مسيري وأنا أعلق… ما هذا؟! أطرقت سمعي أيضاً وأنا أتجاوز الجموع لأسمع أحدهم يبكي بحرقة ويتمتم: أبي، أبي ، من لي غيرك!! ماذا سيفعل الناس بي بدونك يا أبت؟!! ويكرر، الله يرحمك، الله يرحمك، ام استطع أن أمنع نفسي من احتضان هذا الشخص الذي لا أعرفه وبكيت معه بحرقة وأنا أضمه بشدة وصديقي موسى يمسكني من كتفي ويهمس في أذني : دكتور… كورونا كورونا!! لعن الله الكورونا… تركت الشاب وسرت للأمام وسيل من الدموع بدأ بالإنهمار لا أدري لماذا؟! وتصادفنا مع مجموعة كان أحدهم يتحدث بصوت مرتفع ..

  • الحمد لله مات وما أنرمى وما احتاج حد….
  • وآخر يردله الكلام: الحمد لله ارتاح وريح، خلى أولاده يتمتعوا بالأموال اللي تركها وعاش حارم حاله منها!!
  • ويرد آخر… يا جماعة عيب هالحكي خلص عاد ادعوله….
    كنت كتائه وسط أمواج من البشر أبحر بلا دفه قياده… تقودني المجموعات عبثاً تارةهنا وتارة هناك وأنا أترك نفسي للآخر دون أن يكون لي قرار بأي اتجاه سأسير…. وفجأة وجدت صديقي موسى ينتشلني من هذا الطوفان البشري ويقول الحمد لله اندليت على جماعتنا وبدأنا أنا وهو بشق الصفوف حتى وصلنا إلى أهل المرحوم والد صديقنا… حيث تجمع عدد كبير من الأحبه والأصدقاء عند الدفن وبدأت المراسم وأنا أتأمل الوجوه: هذا يبكي، وذاك غارق في الحزن وآخر يشعر بالتقصير وآخر يتمنى أن يغادر المكان بسرعة وهؤلاء أتوا مجامله لأبناء المرحوم والبعض جاء متثاقلاً وآخرين قدموا بحثاً عن الغداء!!
    وبعد أن انتهت مراسم الدفن والسلام على أهل المرحوم تهادى إلي قول آحدهم متنهداً: ما بتروح إلا على اللي بموت… لا حول ولا قوة إلا بالله…. هسه هذول كلهم اللي بيعيطوا بينسوا الميت وهما عم ياكلوا غداه!! لا حول ولا قوه إلا بالله!!
    غادرت المقبرة صامتاً، وصديقي موسى يسألني هل كنت تعرف المرحوم؟!
  • لا
  • هل تعاملت معه مسبقاً؟
  • لا
  • طيب ليش متأثر لهالدرجة؟!
  • والله يا موسى لا أعلم ولكن جولتنا بين جموع الدافنين أعطتني دروساً كبيرة في الحياة…
  • يالله تفضل درسني…
  • ربما لن أستطيع الآن… وربما لن أستطيع البوح بها مطلقاً…!!

بقلم الدكتور محمد أبوعمارة
رئيس جمعية الكتاب الإلكترونيين الأردنيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى