كيف فك الأردن “شيفرة ترمب” بالهدوء الدبلوماسي؟

التاج الإخباري – بقلم طارق ديلواني
لم تمضِ ساعات على اللقاء العاصف الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب جلالة الملك عبدالله الثاني في واشنطن الأسبوع الماضي حتى بدأت أصداؤه تتردد محلياً وإقليمياً وسط موجة من ردود الفعل الغاضبة من سلوك ترمب الحاد ومحاولته إحراج جلالة الملك عبدالله سياسياً.
لكن سرعان ما أعقب ذلك تحول ملحوظ في خطاب البيت الأبيض تجاه خطة التهجير من غزة إلى الأردن، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذا التغيير ومآلاته.
موقف حاسم أم ضغوط؟
وفقاً لمراقبين فإن تغير نبرة ترمب وأركان إدارته جاء نتيجة حتمية لموقف الأردن الحاسم والرافض لخطة تهجير الغزاويين إلى أراضيه، فضلاً عن الدعم العربي والأوروبي، بخاصة الموقف السعودي الرسمي.
استبق جلالة الملك عبدالله زيارته إلى واشنطن بجولة في المحافل الدولية واتصالات مع عواصم أوروبية وعربية، كان لها أثر في دفع واشنطن لإعادة النظر في طريقة تعاطيها مع الملف.
ويعتقد مراقبون آخرون أن ثمة ضغوطاً داخلية مورست على ترمب من مستشاريه أو من خلال ما يسمى الدولة العميقة تلافياً لأي أزمات سياسية قد تكون إسرائيل غير مستعدة لتحمل كلفتها مع جارها الأردن الذي ترتبط معه بأطول حدود مواجهة على طول نحو 350 كيلومتراً.
وكان ترمب قال بعد يوم واحد فقط من لقائه جلالة الملك ، “إن الملك عبدالله الثاني رجل عظيم، وإن الشعب الأردني شعب رائع للغاية، يتمتع بذكاء وطاقة هائلين”. في تصريحات فُهمت على أنها محاولة لتبديد التوتر والانزعاج وعدم الارتياح الذي كان سائداً خلال اللقاء بسبب مواقف الرئيس الأميركي الحادة تجاه جلالته.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن الملك عبدالله الثاني أكد خلال لقائه ترمب “ضرورة بقاء الفلسطينيين على أرضهم في قطاع غزة”، مما فند كل ما تم تداوله حول الموقف الحقيقي جلالة الملك.
تفاصيل اللقاء العاصف
وكشفت مصادر مطلعة عن بعض ما دار خلف الأبواب المغلقة بين جلالة الملك والرئيس الأميركي قبل دخول وسائل الإعلام، مؤكدة أن جدول اللقاء لم يكن يتضمن مؤتمراً صحافياً، إلا أن الملك عبدالله الثاني فوجئ بدخول الصحافيين وانهالت عليه الأسئلة بصورة غير متوقعة، مما انعكس على لغة جسده التي أظهرت شيئاً من عدم الارتياح.
وأوضحت المصادر أن جلالة الملك في محاولة لتخفيف حدة الموقف وكبح أي مواجهة مباشرة أو تصعيد محتمل، بادر فوراً بالإعلان عن استعداد بلاده لاستقبال ألفي طفل من غزة لتلقي العلاج، في محاولة لقطع الطريق على أي محاولات للضغط عليه ودفعه إلى الإدلاء بموقف علني يخدم أجندة ترمب الذي بدا متحفزاً ومستعداً لإحراجه أمام الحضور.
ومع انتهاء المؤتمر الصحافي المفاجئ لم يتأخر الملك عبدالله الثاني في كتابة منشور عبر منصة “إكس” شدد فيه بوضوح على رفضه القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن أو مصر، في رسالة بدت وكأنها رد مباشر يهدف إلى منع أي تأويلات أو تفسيرات غير دقيقة لمجريات اللقاء.
أما في الجلسة المغلقة فقد استأثر ترمب بمعظم الحديث مستعرضاً بصورة متكررة المساعدات التي تقدمها واشنطن للأردن سنوياً وبعض المناطق الأردنية التي يمكن نقل الفلسطينيين إليها، في محاولة واضحة لتذكير الملك بحجم النفوذ الأميركي. إلا أن اللافت، وفقاً للمصادر، أن مسؤولين أميركيين كثراً من بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو ورئيس مجلس النواب جيمس مايكل جونسون والسيناتور ليندسي غراهام، تواصلوا مع العاهل الأردني بعد الاجتماع مباشرة، في خطوة فُهمت على أنها اعتذار ضمني عن النهج الذي اتبعه ترمب خلال اللقاء.
خسارة حليف استراتيجي
من بين الفرضيات التي يدور الحديث عنها لتراجع موقف الولايات المتحدة الاعتقاد بأن ترمب حاول استدراك أي أضرار خلفها سلوكه السياسي في لقائه مع جلالة الملك عبدالله الثاني كذهاب الأردن إلى خطوات تصعيدية، مثل تجميد التعاون الأمني مع إسرائيل أو حتى تقليص مستوى التنسيق العسكري والاستخباراتي مع واشنطن.
ومع كون الأردن حليفاً استراتيجياً مهماً للولايات المتحدة، ويمثل حاجز صد جيوسياسياً مهماً في وجه التهديدات الإقليمية التي تمثلها إيران، والجماعات الإسلامية المتشددة في المنطقة، فإن أي محاولة لفرض التهجير عليه ستقود إلى زعزعة استقرار البلاد، مما قد يفتح الباب أمام اضطرابات داخلية وخسارة واشنطن أحد آخر حلفائها المستقرين في المنطقة.
ثبات أردني
المحلل السياسي حسن البراري قال إن ملك الأردن أظهر ثباتاً منقطع النظير وهو يستمع لأفكار ترمب المرتبطة بتهجير الفلسطينيين، ولم يبدر عنه طوال مدة اللقاء ما يشي تصريحاً أو تلميحاً أو حتى بلغة الجسد بأنه متصالح أو متجاوب مع أفكار الرئيس الأميركي على رغم أخطاء الترجمة الفورية لبعض محطات الأخبار.
وأوضح البراري أن “الملك لم يدخل في سجال مع ترمب، واتسم بقدرة على امتصاص اندفاعة الرئيس الأميركي من دون الاستجابة لطلباته المتعلقة بتخصيص قطعة من الأردن لاستقبال الفلسطينيين في غزة”. ولاحظ أن ترمب تراجع عن تهديداته بقطع المساعدات خلال اللقاء، وأن قبول الأردن استقبال ألفي طفل فلسطيني مصابين بالسرطان لتلقي العلاج مبادرة إنسانية بحتة.
ويعتقد مدير الإعلام السابق في الديوان الملكي الأردني فهد الخيطان أن جلالة الملك عبدالله الثاني كان خلال لقائه ترمب متسلحاً بموقف عربي موحد يقوم على أساس خطة عربية لإعمار غزة من دون تهجير سكانها.
وقال الخيطان “إن جلالة الملك قاد أول اشتباك سياسي ودبلوماسي عربي مع إدارة الرئيس الأميركي، وإن الأهم في القمة الأردنية – الأميركية، ليس ما حصل أمام وسائل الإعلام من استعراض لترمب، بل المناقشات في الاجتماع الموسع والمغلق”. وأشار إلى أن جلالة الملك قدم رواية متماسكة تبين أخطار خطة التهجير على المنطقة وعدم عقلانيتها واستحالة تطبيقها، بحيث بدا للجانب الآخر أن خطة التهجير فكرة خيالية غير قابلة للتطبيق.
ويرصد مراقبون كيف أن التصريحات الأميركية لم تعد تصر بصورة قاطعة على تنفيذ مخطط التهجير، بل أصبحت تترك المجال مفتوحاً لمقترحات أخرى. ومن بين هذه التصريحات ما ورد على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي قال إن البيت الأبيض ينتظر الخطة العربية البديلة.
ووجه 145 نائباً ديمقراطياً في مجلس النواب الأميركي رسالة إلى الرئيس دونالد ترمب، يطالبونه فيها بالتراجع عن تصريحاته “الخطرة” في شأن الاستيلاء على قطاع غزة، معربين عن صدمتهم من دعوته لتهجير قسري دائم يستهدف مليوني غزي، وفقاً لموقع “أكسيوس” الأميركي. وقال هؤلاء النواب الديمقراطيون إن خطة ترمب ستضر بمكانة الولايات المتحدة عالمياً، وتعرض القوات الأميركية للخطر، وتزيد التهديدات الإرهابية.
ويرجح أن حال الامتعاض من تصرفات ترمب امتدت إلى أوساط التيار الواقعي داخل الحزب الجمهوري، الذي يرى أن ممارسة الضغوط على الأردن قد تفضي إلى زعزعة أحد أبرز الحلفاء الأمنيين للولايات المتحدة في المنطقة.
