أخبار الأردناهم الاخبارتحقيقات التاج

اعتداءٌ جنسي باسم الحُبّ

التاج الإخباري – تحقيق: عدي صافي 

قلقٌ وارقٌ يصاحبُ الضحايا. 
العُنّف الجسدي نتيجة للتربية الذكورية. 
عقوبة التحرش في القانون الأردني. 
التعدّي الجنسي على الشريكة بذريعة الإرتباط العاطفي. 

شعرت هدى (24 سنة) بالصدمة عندما فتحت باب غرفة السكن الذي تقطن بهِ في احدى ضواحي العاصمة عمان ووجدت مقابلها الشخص الذي تربطها به علاقة عاطفية منذ سنة. 

تسمرت مكانها؛ فهذه خطوة جريئة لم يقدم عليها مسبقاً، ولم تكن قد حسبت لها حساب مسبقاً، هل تسمح له بالدخول؟ ام تغلق الباب؟ ام تمنعه من الإقتراب؟ 
لم تغدو تتوصل الى اجابة سريعة، حتى دخل الى شقتها مغلقاً الباب خلفه، شعرت بالخوف ولم تدري ماذا تفعل حيال الأمر، وقبل أن تتخذ قراراً عقلانياً بدأ عشيقها السابق بتحسس جسدها وهي متجمدةً غير قادرة على ايقافه، تحدث معها بعباراتٍ لبِقة لدقائقٍ معدودات ثم، اقترب منها وانقضَّ على جسدها مثبتها بيدهِ اليمنى وباعد بالأخرى بين ساقيها عنوةً، ليفقدها عذريتها.

أحست هُدى (اسم مستعار)، الفتاة الخليجية التي جاءت لتتلقى تعليمها  في احدى  الجامعات الأردنية بالألم يفتك بها مطلقةً صرخةً مرتفعةً، مما سبب حالةً من الخوفِ لدى شريكها الذي هرعَ خارجَ شقتها تاركها تواجه الألم والصدمة وحدها. 

قالت بصوتٍ يعتصره الألم:"لم أستوعب ما حدث خلال اقل من عشرة دقائق، لم أستطع مغادرة الكنبة، حيث اتمَ جريمةَ انتهاكي، بلا رأفة، أو خوف أو تقدير للحبّ الذي يجمعنا. نَهضت بعدَ نحو ساعة وتوجهت الى المرحاض لأُصدمَ مجدداً عندما عرفت أنني قد فقدت عذريتي وانه قد تم اغتصابي"، تبين في حديثها مع" التاج". 

واضافت، حاولت التواصل مع شريكي، إلا أنه عبّر عن اسفه واكد على انه سيعدل خطأه وسيتزوجني، لكنه بدأ بعد ذلك بالتهرب مني اكثر فأكثر حتى اختفى ولم يعدّ ابداً. 

" يُعرّف الاعتداء الجنسي بأنه أي واقعة جنسية قسرية غير مرغوب فيها، وتجري بدون موافقة الطرفين الواضحة، وقرابةُ المعتدي للضحية لا يُحدث اي فارق. 
ومن المتعارف عليه عند الحديث عن الاعتداءات الجنسية أنها تأتي من قبل شخص غريب، إلا ان ضحايا كُثُر لا يعرفنّ أن التحرش وكذلك الاغتصاب قد يقع من الشريك العاطفي."

" كنت أجهل نواياه، وصدّقت وعوده لي بأنه سيتزوجني بعد أن ينهي جولته حول عدة دول خليجية لإتمام عمله، إلا انه اخذ ما يريد ولم يُعرّ مطالباتي أي اهتمام"، تقول ياسمين (23 سنة) ل"التاج". 

وتابعت، "تلقيت تعليماً جامعياً ولم اجد وظيفة في تخصصي، فاضطررت للعمل كسكرتاريا في احدى الشركات الصغيرة، وبعد اشهرٍ عدّة لاحظت نظرات مالك الشركة لجسدي وعباراتهِ لي، في البداية لم أُعرّ الأمر اهتماماً حتى وصل الأمر الى تجرئه ولمسي مدعياً عدم قصده القيام بذلك، وبعد مدة صارحني واخبرني انه يريد الزواج بي بعد ان ينهي بعض الأعمال التي تشغله، وهو ما جعلني اأتمنُ جانبه، وهو الأمر الذي شجعه على التقرب مني اكثر فأكثر الى ان تأخرت ذات يومٍ بالعمل وبقينا وحدنا فدعاني الى مكتبهِ. الخاص، وحينما جلست حاول لمس جسدي وتقبيلي، ورغم أنني دفعته بعيداً وصرخت بأعلى صوتي الا انه اكمل جريمته وحصل على ما يريد". 

ياسمين (اسم مستعار) اخبرتنا قصتها وهي ما تزال تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، حيث تجاورها كوابيس ذلك اليوم، بالرغم من انها تتلقى العلاج النفسي لدى احدى الطبيبات المتخصصات. 

عندما دخلت الى الجامعة كنت أمني النفس بان احظى بحياةٍ جامعيةٍ سعيدة بعيداً عن المشكلات، مليئة بالنجاح والتفوق، تقول بيان (21 سنة). 

وافادت بيان (اسم مستعار) في حديث خصت بهِ "التاج": "تعرفت على شاب وسيم كان يكبرني بالعمر، جذبني بعباراتهِ الجميلة والحنان الذي افتقدته بسبب انفصال والدي منذ الطفولة، وبعد ان تعمقت علاقتنا وتبادلنا الأحاديث، اقنعني ذات يوم بمرافقته الى مكان معزول بين الأشجار داخل الجامعة بحجة رغبته بالحديث على انفراد معي. كان في السابق يتعمد لمس جسدي او احتضاني ولم اكن اعاند او ارفض ذلك الأمر معتقدةً انه يجب عليّ فعل ذلك بحكم انه "حبيبي"، ولكن عندما وصلنا الى منطقة خالية من الطلبة، وضع يده على "فخدي" وبدأ يتحسس جسدي بطريقةٍ مريبة، فتجمدت اطرافي وبقيتُ صامتةً، إلا أنه استمر في فعل ذلك ومن ثم اقترب مني وقبّلني وحال الإنقضاض على جسدي، فقمت على الفور بالركضِ بعيداً نحو مكان يوجد بهِ طلبة". 

قالت:" بعد ذلك عرفت انه يتحرش بي، فطلبت منه الانفصال، إلا انه عارض ذلك وبدأ يبتزني بصوري التي يملكها، مهددني بنشرها عبر منصات التواصل الإجتماعي، حيث كانت الصور بملابس فاضحة بالنسبة الى مجتمعٍ محافظ، إلا أنني تجرأت واخبرت والدي الذي اقطنُ معه فساعدني وتوجه بي الى وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية الذين تعاملوا مع الموقف بكل سُتر وخصوصية واستطاعوا حذف كافة الملفات التي يملكها اضافة الى ان الشكوى تم تحويلها الى القضاء والذي اتخذ الاجراء القانوني بحق المعتدي". 

قد يكون الابتزاز العاطفي أسوأ ما تمرّ به الفتيات في علاقاتهُنّ غير المدروسة. هذا ما مرّت بهِ نادين (25 سنة) في علاقتها،  تقول ل" التاج": "عندما أتذكر المرة الأولى التي اعتدى عليّ فيها شريكي جنسياً، أشعر بالخوف والقهر والغثيان، مع إحساس كبير بالذنب لما جرى لي.  

 تعرفت نادين (اسم مستعار) على شريكها الأول في العمل، كان يكبرها بعدة سنوات، إلا انه قد حقق نجاحاً باهراً في مجاله جعلها تعتبره مرجعاً لكافةِ اسئلتها. تعمقت العلاقة وفق ما قالت وبدأ شريكها بطلب مساعدتها ودعمها له، إلا أنها لم تدرك انه كان يجرّها إلى فخٍ يحيكه بشباكه. 

واضافت، "أخبرني بحبه لي، واستغل عاطفتي معه لإقامة علاقة جنسية كاملة معه، إلا أنني بعد ان شعرت بالندم وطلبت منه عدم فعل ذلك مجدداً، كشفَ عن شروره واخبرني انه قد صوّر العلاقة كاملةً داخل شقته، وهو ما جعلني خاضعةً له موافقةً على تكرار الأمر لعشرات المرات، وبعد ان استنفدت كامل طاقتي توجهت الى الجهات المعنية الذين سارعوا الى مساعدتي، إلا أنني ما زلت اعاني من تبعات ذلك الفعل على نفسيتي رغم مرور عدة أعوام". 

قلقٌ وارقٌ يصاحبُ الضحايا


 

يحدث لدى المتعرضة الى التحرش او الإغتصاب حالة خوف وقلق دائم، اضافة الى احتمالية نشوء صدمة تجعلهُنّ يتذكرن الموقف بشكل دائم، وهو ما يتبعه حالةً من الآرق ومشاكل في الأكل وحالة من الإكتئاب، اضافة الى عدم القدرة على بناء علاقات مع الأخرين بحكم خوفهم وخجلهم"، تقول المختصة النفسية ميس الزبن   ل" التاج". 

وتضيف:" على المدى البعيد، وفي حال تكرار حالة الإغتصاب او التحرش، من الممكن ان يحدث لدى الضحية حالة من الإستسلام تتمثل في عدم قدرتها على اقامة علاقة سليمة بحكم اعتيادها على التعرض لانواع التحرش، وهو ما يشكل خطراً كبيراً يجب معالجته فوراً".

واوضحت أن الابتزاز العاطفي يلعب دوراً هاماً في قبول بعض الفتيات لحالات التحرش من شركائهُنّ أو الصمت عليها، اضافة الى وقوعهن تحت تأثير التلاعب بمشاعرهُنّ أو تحت سطوة التهديد في اغلب الحالات، نتيجة خوفها من الشخص والفضيحة، مما يجعلها تخضع للمعتدي الذي يحاول السيطرة عليها بطرقٍ مختلفة، مما يجعلها رهينةً له. 

واكدت الزبن على ان سبل تعافي الضحايا تكمن في بوحهنّ بما يجري معهنّ الى شخص موثوق يعمل على تقديم الدعم المعنوي لها، ومن ثم مراجعة مختصين نفسيين بحكم تعرضها للصدمة، حيث سيعمل الأخصائي على طمأنتها وحفظ سرّها، ومن ثم يوجهها نحو العلاج الأنسب ما بين الدواء والسلوك، داعيةً الى عقد ورش توعوية حول هذا الموضوع، لتوضيح أن الأخصائي لن يقدم حكماً على الضحية بل سيستوعب حالتها وسيقدم اللازم لها حتى تتعافى من اثار ما تعرضت له. 

العُنّف الجسدي نتيجة للتربية الذكورية

"العنف الجنسي يحدث في الغالب نتيجة لعدة عوامل داخل المجتمع، منها التربية الذكورية وتحديد الأدوار الجندرية، اضافة الى التكتم على العلاقات الجنسية وانعدام الوعي بها، وان الإعتداء الذي يحدث في العلاقات العاطفية تنتج عن احساس الذكور بأن لهم الحقّ في تملك جسد الشريكة، وهذا الأمر تم توارثه بحكم الدور الذي فرض على الرجل المبادرة في طلب العلاقة الجنسية، وتعتبر الأنثى في العلاقة الجنسية مفعولاً به، والذكر هو فاعل لكل شيء"، تقول ناشطات نسويات ل" التاج". 

 ويؤكدن ان المجتمعات المحافظة مثل الأردن ترفض العلاقات العاطفية غير الرسمية، ويتم التشكيك في مصداقية رواية الضحايا في اغلب الأحيان، حيث يتم القاء اللوم على الأنثى في أغلب الأحيان، وهو ما يجعل رضوخهُنّ أي الضحايا امراً طبيعياً. 

وتضيف الناشطة النسوية بانا محمد زيادة ل"التاج":"تربت النساء على الصمت عموما عن التحرش، سواءً اكان من قريب او بعيد كثقافة مجتمعية منتشرة، جعلت المرأة صامتة مستسلمة عن المطالبة بحقوقها، في حين ان صمت الضحية بعد حالة الإغتصاب يعود الى الصدمة النفسية التي تتعرض لها الفتاة اثناء محاولتها لإدراك مشاعرها الداخلية من خوف وغضب وصدمة تمنعها عن الحركة في كثير من الاحيان وخاصة اذا حدث لها ذلك بعمر صغير او من شخص قريب عليها."

وتتابع زيادة:"في حالات الاغتصاب او التحرش اذا قامت الفتاة بالتبيلغ فانها تعاني من طول اجراءات المحاكمة، اضافة الى عدم وجود الية اثبات واضحة للحالة بحكم الثغرات القانونية الكثيرة في هذا الجزء خاصة، عدا غن ان العقوبات القانونية تحتاج الى تعديلات كي تكون رادعة، ومن غير ان نغفل عن ذكر ان تكاليف القضايا المرتفعة من ناحية محاماة وما الى ذلك، وطول اجراءات المحاكمة والاثبات المتعبة نفسيا للضحية."

واوضحت ان المجتمع يلقي اللوم على الضحية ويقوم بتحليل اسباب التحرش بالضحية،" وين كانت عندما تم اغتصابها"، بل ويبرر الفعل المسيء للمجرم ووضعه بجمل مجتمعية مثل:" لبس البنات بخلي الواحد مش مسيطر, الوضع الاقتصادي مش مخلي الواحد يتزوج"، عدا عن إقناع الضحية بالزواج منه في حالة الاعتصاب لان المجتمع لن يرغب بالزواج منها.

ويدعوا الناشط في مجال حقوق المرأة حمزة الجريري في حديث له مع "التاج" الى مشاركة الناجيات لقصصهنّ؛ معتبراً أن ذلك سيساعد وسيسهم في رفع نسبة الوعي لدى الإناث الأُخريات حتى لا يقعنّ ضحايا لقصص شبيهة، موضحاً أن الأنثى عليها أن تقول "لا" عندما تشعر أن الأمر او الفعل لا يناسبها من غير ان تلتفت الى العواطف التي قد تكلفها الكثير في ما بعد. 

عقوبة التحرش في القانون الأردني

 لا يوجد تعريف مباشر للتحرش في القانون الأردني، إلا ان السلطات الأردنية أقرت عدة تعديلات تشريعية لقانون العقوبات.

وكانت المادة 305 تشير بشكل خاص إلى عقوبة الحبس من شهر إلى سنتين لمن داعب بصورة تنافي الحياء، لشخص لم يتجاوز ال ثمانية عشر عامًا، ولا يجوز وفق القانون تحويل عقوبة السجن هذه إلى غرامة.

 
وتشير المادة 306 من نفس القانون إلى عقوبة بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بغرامة من ثلاثين دينارا إلى مائتي دينار لكل من من اقدم فعلٍ مخلٍ بالآداب العامة أو كلام غير لائق لشخص لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره أو على أنثى مهما كان عمرها.

إلا أن هنالك تعديل تشريعي ألغى المادة رقم (305) واستبدلها بالحبس مدة لا تقل عن سنة لكل من يمارس المداعبة لشخص لم يكمل الثامنة عشرة سواءً اكان ذكراً أم أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من عمره، او اتم الثامنة عشرة من دون رضاه، وفق ما قال حقوقيون. 

 كما وتم إلغاء تعديل المادة رقم (306)، واستبدالها بحكم بالسجن ستة أشهر لمن ارتكب عملا مخلا بالآداب أو أدلى بتصريحات أو قام بلفظ غير أخلاقي بما يخالف الحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة، تلميحاً أو تصريحاً مستخدماً أي صورة كانت. 

المادة (306) من قانون العقوبات الأردني

تنص المادة 306 من قانون العقوبات الأردني على أن كل من يرتكب عملا من الأعمال المخلة بالآداب العامة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، او قام بالإدلاء ببيان غير أخلاقي أو القيام بعمل بطريقة جنسية، اشارةً ام صراحةً ام ضمناً، بأي وسيلة كانت، متى ما وقع الاعتداء على شخص دون سن الثامنة عشرة.

محامي الجنايات الكبرى الدكتور مصطفى الرواشدة يقول في حديث له مع التاج إنّ الغالبية من الضحايا لا يلجأن الى تقديم شكاوى لدى الجهات المعنية خوفاً من الوصمة الإجتماعية.

واضاف الرواشدة:"نحن في مجتمع عشائري محافظ، وهو ما يمنع الفتاة من اللجوء الى تقديم شكوى في مثل هذه الحالات، خوفاً من العائلة او المجتمع أو عدم الزواج لاحقاً، اضافة الى وجود القيد سواءً أكنت مشتكي أم مشتكاً عليك".

وتابع:"إن الخوف من عقاب الأسرة يعتبر الرادع الأول امام الضحايا، عدا عن وقوع بعض الضحايا في اخطاء بعلاقات خارج حياتهنّ الزوجية في حال كُنّ متزوجات، وهو ما يمنعها من الاقدام على تقديم شكوى حرصاً منها على عدم حصول الطلاق".

ودعا الرواشدة الى ضرورة الدفع بالتوعية في هذا الشأن لما له من مخاطر جسيمة على ترابط وتماسك المجتمع، عدا عن انه يوقع الآلاف من الإناث تحت التعنيف الذي قد يستمر لفترات طويلة من دون أن يعرف أحد بمعاناة الضحايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى