تحقيقات التاج

البيروقراطية والإكتظاظ.. معاناة لزوار ونزلاء سجن ماركا في الأردن

التاج الإخباري – عدي صافي 

"إذا لم يَطرح عليّ أحد هذا السؤال، فإني أعرف ما الزمان، ولكن بمجرد ما يُطرح عليّ السؤال وأفكر في الإجابة عنه أشعر بأنني لا أعرف الجواب".
(القديس أوغسطين في حديثه عن الزمن)

وهنا يطرح تساؤل في حالة "السجين": "كيف يشغل السجين وقته داخل محبسه وكيف يمكنه قياسه؟"، أو "كيف يمر كل هذا الفراغ؟"، وبالتالي كيف يتشكّل "زمن السجن" ليصبح بعد ذلك إحدى المحطات المهمة في حياة السجين، وما هي الغاية من اقامة السجون بالدرجةِ الأولى؟ 

وتسعى إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل لبذل الجهود الواعدة في تطبيق البرامج الإصلاحية لرعاية وتأهيل النزلاء في الجوانب العلمية والتدريبية والصحية، وفي كافة المراكز التابعة لها؛ لتقويمهم وتصحيح مسارهم حتى ينخرطوا مجدداً في المجتمع بعد انقضاء محكومياتهم.

*شكاوى حول مركز اصلاح وتأهيل ماركا

مواطنون التقتهم "التاج" قدموا شكاوى حول الخدمات المقدمة داخل مركز ادارة واصلاح ماركا، سواءً للزوار أو للأشخاص الموقوفين أو المحكومين داخل السجن.

وقال علي "اسم مستعار" إنَّ المركز يفتقر لأبسط المعايير التي يجب توافرها للزوار؛ موضحاً أنَّ الزائر يضطر إلى الإنتظار في ساحتين خارجيتين تحت أشعة الشمس في الصيف أو تحت المطر في الشتاء.

وبين أنَّ ساحات المركز لا يوجد بها غطاء "مظلة" تقي الزوار، ذكوراً واناث الشمس والمطر، وهو ما يجعلهم يعانون لساعات قبل تمكنهم من الدخول إلى المركز بحكم وجود أعداد كبيرة من الزوار لا سيما أيام الجُمَع.

أحمد "اسم مستعار"، أكد أنَّ احدى أهم المشكلات التي تواجه الزائر في مركز اصلاح وتأهيل ماركا يتمثل بوجود الواسطة والمحسوبية في التعامل مع الزوار.

وادّعى في حديثه أنَّ الزوار يقفون في طوابير منظمة لمدة ساعات حتى يتمكنوا من الحصول على فرصة لقاء ذويهم وأصدقائهم لدقائق معدودة من خلف زجاج، إلا أنَّ بعض الأفراد يملكون ما اسماهم "معارف" في العاملين داخل المركز يسمحون لهم بالدخول مباشرةً ومن دون الإنتظار إلى لقاء ذويهم.

وقال إنَّ عملية الواسطة تحدث على مرآى كافة الزوار، وهو ما يسبب ضغينة لدى الشخص الملتزم بالقانون والتعليمات، وهو ما أكد عليه عدد من الزوار التقتهم "التاج".

*بيروقراطية وبطئ وممانعٌ غير مبررة

محمد "اسم مستعار" أوضح أنَّ تعليمات الزيارة التي تفاجأ بها صباح اليوم، تمنع ادخال الزائر الملابس إلى النزيل، عدا عن منعه من ادخال "محفظته، دخانه، وغير ذلك".

وبين أنَّ هذه التعليمات غير مبررة أو منطقية، وتنم عن بيروقراطية في التعامل مع الزوار؛ لا سيما وأنَّ الزائر يتم تفتيشه ويمر بغرفتين داخليتين ومن ثم يلتقي بالنزيل من خلف زجاج ويتحدث معه عبر هاتفٍ سلكي، وهو ما يمنع امكانية ادخاله أي أغراض ممنوعة.

وأشار إلى أن هده التعليمات بحاجة للتعديل والتطوير  ويمتعض منها كافة الزوار، الذين يطالبون بتغييرها بما يوفر الراحة للزائر، الذي لم يقترف ذنباً أو جرماً يجعله عرضة لمثل هذه العقبات والممانع أثناء عملية الزيارة.

*حالُ السجناء

"التاج" التقت عدداً من الزوار بعد انهائهم لزيارتهم، وطرحت عليهم أسئلة حول ما يقوله "النزلاء" من داخل المركز.

وقال سعيد "اسم مستعار" إنَّ النزيل أخبره بأنّهم لم يخرجوا من زنازنهم إلى ساحة المركز سوى مرةً واحدةً منذ اعتقاله قبل نحو ٩ أيام، وظلّوا داخل زنازنهم المكتظة طوال تلك الفترة.

فيما بين أيمن "اسم مستعار" أنَّ النزيل الذي قام بزيارته أخبره بأنَّ هنالك أكثر من ٥١ موقوفاً داخل الزنزانة التي يقبع بها، مما يجعلها مكتظةً بشكل مبالغ به، وغير صالحة لإستضافة النزلاء.

وأكد أن بعض النزلاء لا يملكون أسرةً ليناموا عليها ويضطروا للنوم على فراش مهترئ أو على الأرض وبقرب دورات المياه.

مدير مراكز الإصلاح والتأهيل العميد فلاح المجالي كشف في وقتٍ سابق عن أنَّ نسب اشغال مراكز الإصلاح والتأهيل في الأردن بلغت ١٦٣٪ وهو ما يتوافق مع شكاوى النزلاء من حالة الإكتظاظ الكبيرة داخل "السجون".

وأكد المجالي خلال اجتماع اللجنة القانونية النيابية، أن هذا مؤشر سلبي ينعكس على الخدمات المقدمة للنزلاء.

حالة الإكتظاظ في المهاجع، والضغط على المرافق، ونقل الأمراض بين النزلاء، دعا وزارة الداخلية الأردنية لبناء مركز إصلاح جديد في منطقة الأزرق (شرقي المملكة) بتكلفة قدرها 100 مليون دولار، يتسع لأكثر من 3 آلاف نزيل جديد، وتطوير سجن آخر للعقوبات الخفيفة في منطقة سواقة (جنوب العاصمة عمان)، إضافة لتوسيع سجون قائمة، وذلك بهدف تخفيف اكتظاظ السجون بالمملكة.

وقال وزير الداخلية الأردني مازن الفراية – أيام بمجلس النواب- إن نسب الإشغال في السجون مرتفعة، حيث تستقبل حاليا نحو 21 ألف نزيل، في حين تبلغ طاقة هذه المراكز نحو 13 ألفا و500 نزيل، ولمعالجة هذا الأمر يجري التوسع في العقوبات البديلة غير السالبة للحرية، وتوسعة مراكز التأهيل، وبناء مركز جديد للإصلاح والتأهيل.

*كم تبلغ التكلفة المالية للسجين؟

تبلغ التكلفة الاقتصادية للنزيل في مراكز الإصلاح نحو 700 دينار شهريا (986 دولارا) وفقا لبيانات مديرية الأمن العام، وتصل تكلفة 21 ألف نزيل نحو 14.7 مليون دينار (20.7 مليون دولار) شهريا، وبواقع 176 مليون (248 مليون دولار) سنويا، ويوجد في الأردن 17 مركزا للإصلاح والتأهيل، منها مركز واحد مخصص للنساء.

*ما أسباب الاكتظاظ؟

"التاج" تواصلت مع خبراء أمنيون وقضاة سابقون للوقوف على أسباب اكتظاظ السجون الأردنية. 

ورجح المتخصصون ذلك إلى "ارتفاع نسب الجريمة"، فضلا عن جملة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، إضافة إلى التوسع في مواجهة الجرائم "بعقوبات الحبس والتوقيف وإرسال المتهمين للسجون".

زيادة أعداد السكان يتبعها ارتفاع في نسب الجريمة بأنواعها، خاصة الأسرية والاقتصادية وانتشار المخدرات وغيرها أسهم بشكل واضح في اكتظاظ السجون، مما يشكل وضعا طبيعيا -حسب مختصين بعلم الجريمة.

*مطالب أمام مدير الأمن العام

الزوار الذين التقتهم" التاج" أمام مركز اصلاح وتأهيل ماركا وضعوا مطالبهم أمام مدير الأمن العام اللواء عبيدالله المعايطة.

وأجمعوا على ضرورة توفير "مظلّة" أمام المركز تقي الزوار من حرّ الشمس، اضافة إلى توفير أكثر من نافذتين للتدقيق على الزوار؛ حتى يتم تسريع وتيرة الزيارات، عدا عن التشديد فيما يتعلق بموضوع "الواسطة والمحسوبية" وادخال زوار قبلَ آخرين من دون الإلتزام في عمليات التنظيم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى