“المجزرة الأكثر دموية”.. اهتمام عالمي بضربة سوق دارفور

التاج الإخباري – أثارت الضربة الجوية التي وجهها سلاح الجو بالجيش السوداني إلى سوق طرة في شمال دارفور، اهتماما عالميا واسعا، بعد سقوط المئات من المدنيين العُزل بين قتلى وجرحى.
وشن الجيش السوداني الذي يقوده رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان هجوما جويا على سوق طرة في شمال دارفور، صباح الإثنين ٢٤ مارس الجاري، أثناء اكتظاظه بالمدنيين.
وتشير التقديرات وفقا لرصد مجموعات حقوقية ومنظمات إنسانية ومراقبين، إلى مقتل ما يزيد عن ٢٥٠ شخص وإصابة المئات بجروح، بيد أن تحديد هوية الضحايا أصبح صعبا بعد تفحم الجثث وتناثر الأشلاء والبقايا البشرية في كل مكان.
مذبحة مروعة
تحدث مراقب حرب في السوداني لشبكة “بي بي سي” عن مجزرة الجيش في السوق الشعبية، مؤكدا أن ما حدث لا يمكن وصفه إلا بالمذبحة المروعة، مؤكدا أن الاتهام الوحيد والرئيسي موجه إلى قوات الجيش.
وأشار المراقب إلى أن المذبحة أسفرت عن إصابة المئات الذين يحتاجون إلى رعاية طبية لم تعد متوفرة بسبب الحرب، والقصف المستمر للمنشآت والمرافق الصحية ونقص الامدادات.
وأشارت الشبكة البريطانية إلى أنها لم تتمكن بشكل دقيق من تحديد عدد القتى في الهجوم الذي شنه الجيش على السوق الواقع على بعد ٣٥ كيلو مترا شمال مدينة الفاشر الخاضعة لسيطرة قوات البرهان.
وقال شهود عيان إن أعداد القتلى ارتفع إلى ٢٧٠ قتيلا، ووصف أحد النشطاء في دارفور، ضمن مبادرة دارفور للعدالة والسلام، الهجوم الجوي على المدنيين بأنه “القصف الأكثر دموية منذ بداية الحرب”.
ولم تكن هذه هي الواقعة الأولى التي تستهدف خلالها طائرات الجيش الحربية تجمعات لمدنيين وتتسبب في خسائر بشرية ضخمة، وتشير التقديرات إلى مقتل عشرات الآلاف شخص في الصراع.
واضطر نحو ١٢ مليون سوداني لترك منازلهم والنزوح بعيدا عن الاستهداف العسكري الذي يطول التجمعات السكنية، وهو ما يعادل سكان دول بأكملها مثل تونس أو بلجيكا، وفقا لـ”بي بي سي”.
الجيش المتهم الوحيد
حاولت قيادة الجيش السوداني التنصل من مسوؤلية ارتكاب المجزرة التي صُنفت كجريمة حرب وفقا للمجموعات والمراقبين في دارفور، لكن كل الأدلة أكدت أن قوات الجيش هي المتهم الوحيد في هذه المجزرة؛
وأفادت منظمات إغاثة بأن الجيش هو القوة العسكرية الوحيدة التي تمتلك القدرة على شن غارات جوية بطائرات مقاتلة حربية، وفقا لما نشره موقع “فرانس ٢٤”، وبالتالي لا توجد أي شكوك حول ارتكاب أي جهة أخرى لهذه الجريمة الشنعاء.
وقال المتحدث باسم اللجنة التنسيقية العامة التي تساعد النازحين في دارفور، آدم رجال، إن الغارة التي شنها الجيش السوداني لم تتسبب فقط في مقتل وإصابة المئات، وإنما خلفت حرائق هائلة كان من الصعب السيطرة عليها.
وتسببت الضربة في تدمير الجزء الأكبر من السوق الشعبي الذي يُعقد صباح كل يوم إثنين، وهو الموعد ذاته الذي شُنت فيه الغارة الجوية لإلحاق أكبر ضرر ممكن.
وقال الموقع الفرنسي نقلا عن مجموعات حقوقية داخل السودان، إن أكثر من نصف القتلى في السوق كانوا من النساء، في تقارير رسمية أحصاها رجال نجحوا في تحديد هوية ٥٤ قتيلا.
واعتبر مراقبون وخبراء أن الغارة الجوية العنيفة التي استهدفت سوقا للمدنيين، بمثابة “جريمة ضد الإنسانية، وانتهاك واضح لكافة القوانين والمواثيق الدولية والإنسانية.
ووثقت الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان الدولية، انتهاكات ترتقي إلى جرائم حرب، إذ لم تكن ضربة السوق هي الأولى، بل كانت واحدة ضمن سلسلة من الجرائم التي نفذتها قوات الجيش السوداني.
ونشرت وكالة “أسوشيتد برس” تقريرا عن المجزرة الدموية، ونتائجها الكارثية، وبعض المقاطع المرئية للجثث المتفحمة التي أوردتها مجموعات سودانية.
واتفق تقرير الوكالة الأميركية مع المعلومات الواردة حول أعداد الضحايا، وكون العدد الأكبر من القتلى من بين النساء، والدمار الهائل الذي حل بمنطقة السوق الأسبوعي.
جثث بين الدمار
قام مراقبون بجولة في موقع الضربة سيرا على الأقدام، ووجدوا العديد من المركبات المتفحمة، والكثير من الجثث المحترقة والتي بدأ بعضها في التحلل عند أحد تقاطعات المرور، وفقا لما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.
ونقلت الصحيفة الأميركية بيان منظمة “محامو الطوارئ” السودانية التي توثق الفظائع خلال الحرب، والتي قالت إن ما حدث عبارة عن جريمة حرب ومجزرة مروعة.
وكشفت صور الأقمار الصناعية عن الدمار الذي خلفته الضربة، إذ ألقت الطائرات الحربية السودانية قنابل وبراميل متفجرة من السماء على رؤوس المدنيين العُزل في السوق مباشرة.
وتم تأكيد صحة مقاطع الفيديو المنتشرة للجثث المتفحمة وسط أعمدة الدخان في موقع الضربة، من خلال “مشروع شهود السودان” التابع لمركز مرونة للمعلومات، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى توثيق جرائم الحرب.
وأكد شهود عيان على أن الجيش السوداني أرسل طائراته الحربية إلى موقع الضربة وقذف عدة صواريخ وقنابل وبراميل متفجرة، تسببت في الضرر الذي حدث.
ونفى الشهود أن يكون لادعاء الجيش السوداني بأنه لم ينفذ الضربة أي أساس من الصحة، مع التأكيد على أن قوات البرهان هي المجموعات العسكرية الوحيدة التي تمتلك مقاتلات حربية في الصراع.
واتهم الجيش مرارا وتكرارا بالقصف العشوائي في مناطق مكتظة بالمدنيين وتجمعات سكنية، وفي كل مرة كان ينفي ارتكابه هذا النوع من الجرائم، ويؤكد مهاجمته فقط لأهداف عسكرية، بيد أن ضربة السوق الشعبي نفت كل تلك التبريرات.
وتركز القصف العشوائي الذي أضر بالمدنيين بشكل خاص في دارفور، التي تُعد هدفا واضحا لطائرات الجيش السوداني الذي لم يتبع مبادئ القانون الدولي ويتجنب أماكن تجمعات المدنيين خلال الصراع العسكري.
وقال شاهد آخر في تصريحات نشرتها الصحيفة الأميركية تعليقا على مشاهد الدمار والجثث: “هؤلاء كانوا أناس فقراء أبرياء عُزل، وليس لديهم أي انتماءات سياسية”.