ما دلالات إعلان إثيوبيا رغبتها الانضمام للجامعة العربية؟
التاج الإخباري – أثار خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في برلمان بلاده أول من أمس الجمعة، حول رغبة حكومته الانضمام إلى جامعة الدول العربية موجة من الجدل في الأوساط السياسية والإعلامية الإثيوبية، بخاصة لدى التيارات المحافظة التي ترى الخطوة خروجاً عن الأعراف التي درجت عليها السياسية الإثيوبية تاريخياً.
وكان آبي أحمد أعلن أن بلاده تسعى للانضمام إلى جامعة الدول العربية، إن وجدت فرصة سانحة لتحقيق ذلك، وأن ذلك من شأنه أن يساعدها لإظهار صوتها في المحيط العربي القريب جغرافياً وسياسياً وثقافياً لها.
واستطرد بالقول لكن السؤال الأهم، هل يرغبون هم في ضمنا لهذه المنظومة الإقليمية المهمة؟
وجاء حديث آبي أثناء إلقائه خطاباً في البرلمان الإثيوبي في دورته العادية التي انعقدت الجمعة الماضي.
وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي، أن الحراك الدبلوماسي لبلاده عبر التاريخ ظل يسير بصورة لا تستوعب البعد العربي والشرق متوسطي لبلاده، وأن الدول العربية تعد من أقرب الدول لنا على المستويات كافة، إذ ترتبط بلادنا بعلاقات صداقة وثقافة وعرق ودين معها، وعلى رغم عن ذلك ظلت الدبلوماسية الإثيوبية تعمل في محاور أخرى بعيدة من محيطنا الجغرافي.
وكشف آبي أحمد عن توجهات جديدة لسياسة بلاده تجاه ما سماه “المحيط العربي والشرق أوسطي”، مشيراً إلى أن الدول العربية تستضيف مئات آلاف من الوافدين الإثيوبيين العاملين هناك، وأن محاور التوجه الجديد ترتكز على تعميق العلاقات القائمة وخلق مناخ جديد يعتمد على المصالح المشتركة.
ونوه بأن كل دول العالم تبذل جهوداً للتواصل مع الدول العربية في كافة المجالات، فيما ظلت دبلوماسيتنا تعمل في مناطق أخرى بعيداً من المحيط العربي، مشيراً إلى أن الدول العربية تمتلك إمكانات اقتصادية ومالية وأسواقاً واعدة للصادرات الإثيوبية، فضلاً عن قدرة التأثير في القضايا الدولية والاقليمية، لكنه أشار إلى أن الانضمام للجامعة العربية يتوقف على مدى ترحيب الدول العربية بـإثيوبيا كعضو فاعل أو مراقب في المنظومة العربية.في السياق يرى المتخصص المصري في العلاقات الدولية محمد السيد علي “أن ما أعلنه رئيس الوزراء الإثيوبي في برلمان بلاده لا يتسق مع واقع السياسات التي تتبعها بلاده تجاه الدول الأعضاء في جامعة العربية، إذ تتعاطى مع كل من مصر والسودان بسياسات عدائية في شأن سد النهضة، وترفض مجرد الجلوس مع دولتي المصب للتفاوض حول القضايا الفنية للسد، كما لا تعترف بالمعاهدات التاريخية ذات الصلة بحصص النيل. كما أن (معاهدة التفاهم) التي وقعتها أديس أبابا مع إقليم صوماليلاند يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة عربية”.
ويقرأ السيد محركات ما سماه بـ”التوجه الجديد تجاه الدول العربية”، بأنه محاولة لمغازلة دول الجامعة العربية، وثنيها عن المواقف المبدئية التي اتخذتها أخيراً حول سيادة الصومال على أراضيه وسواحله كافة.
ويرى أن تبني أي توجه جديد ينبغي أن تسبقه إجراءات وتدابير محددة، وعلى رأسها الاعتراف بالسيادة الصومالية على الأراضي والسواحل التاريخية للصومال كافة، فضلاً عن حلحلة المشكلات العالقة مع كل من مصر والسودان، قبل التفكير في الانضمام للجامعة العربية.
ويلاحظ الباحث أن خطاب آبي أحمد يندرج ضمن حملات العلاقات العامة، خصوصاً في ظل التوترات التي أثارتها سياساته تجاه قضيتي مياه النيل والاضطرابات بالبحر الأحمر وخليج عدن.
وأشار إلى أن الأمر يستلزم مراجعة تلك السياسات العدائية وليس إطلاق خطابات عاطفية، وينوه أن الجزء الآخر من خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي تضمن إشارة إلى الموارد والإمكانات التي تتوفر عليها الدول العربية، فإن التفكير في الاستفادة من تلك الإمكانات ينبغي أن تسبقه سياسات حسن الجوار وخلق مناخ موات لتعميق المصالح المشتركة.
ويرجح أن التحالف الثلاثي الذي أعلن عنه في أسمرة بين كل من مصر الصومال وإريتريا قد يمثل محركاً رئيساً لخطاب آبي أحمد بالبرلمان، فضلاً عن الدور المصري المرتقب في الصومال.
ويقدر الباحث أن خطاب آبي تضمن في فقراته التالية استمراره في سياسات التهديد في شأن المنفذ البحري، إذ أكد أنه ماض في توفير منفذ بحري لبلاده، وأن الأجيال الإثيوبية ستعمل لتحقيق هذا الحلم، وهو ما يتناقض مع احترام سيادة الدول المجاورة بينها ثلاث دول عربية هي الصومال والسودان وجيبوتي.
حظوظ الانضمام للجامعة العربية
يوضح علي أن ثمة إجراءات قانونية يحددها ميثاق الجامعة العربية للدول الراغبة في الانضمام، وهي ثلاثة شروط أساسية الأول، أن تكون الدولة الراغبة في الانضمام للجامعة عربية، بمعنى أن تكون اللغة السائدة فيها هي اللغة العربية، وأن يكون تراثها عربياً، والثاني أن تكون دولة مستقلة، والأخير أن يوافق مجلس الجامعة بالإجماع على قبولها.
ويرى السيد وفقاً للشروط الثلاث فإنه من المرجح أن يواجه الموقف الإثيوبي في حال تقديمه الطلب رسمياً صعوبة في القبول، خصوصاً أن العربية ليست لغة رسمية في إثيوبيا، فضلاً عن أن من الصعوبة بمكان الحصول على موافقة 22 دولة عضو في الجامعة، خصوصاً في ظل التوترات القائمة بين أديس أبابا وعدد مقدر من العواصم العربية ووسط الموقف الصارم الذي اتخذته جامعة الدول العربية بالإجماع في شأن احترام سيادة الأراضي الصومالية.
وأكد الباحث أن أديس أبابا إن كانت جادة في شأن الالتحاق للجامعة العربية فعليها أن تتخلى عن سياساتها العدائية تجاه الصومال على وجه الخصوص، فضلاً عن إيجاد صيغة حل للأزمة مع كل من مصر والسودان في شأن مياه النيل.
ويختم حديثه بالقول، “إن التصريحات الرسمية الإثيوبية خصوصاً الصادرة من وزارة الخارجية ظلت تصف جامعة الدول العربية بأنها ملحق من ملاحق وزارة الخارجية المصرية وتعد قرارتها فاقدة للأهمية، بما ذلك موقف الجامعة مع المسألة الصومالية، مما يشير إلى أن ما أعلنه آبي أحمد لا يستند إلى رغبة حقيقية الانفتاح على الدول العربية بقدر ما هو محاولة لإرباك العمل العربي عبر خطاب عاطفي لا يستند إلى إرادة حقيقية للتغيير”.
اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أسس براغماتية
بدوره يرى الباحث في الشأن الإثيوبي محاري سلمون، “أن خطاب آبي أحمد الأخير تميز بكونه يرتكز على أسس براغماتية تتجاوز النظرة التقليدية التي ظلت الحكومات الإثيوبية المتعاقبة تتعامل بها مع الدول العربية، إذ استندت الدبلوماسية الإثيوبية منذ عهد منيليك الثاني (1844- 1913)، على كونها امتداداً للسياسة الغربية بالمنطقة، متجاهلة تشكلات القوى الإقليمية في المحيط المجاور لإثيوبيا خصوصاً في منطقتي الخليج وشمال أفريقيا”.
يضيف أن سعي حكومة آبي أحمد للوجود في البحر الأحمر بما يمثله ذلك من اندماج في السياسات الاقليمية، يتطلب إعادة النظر في الدوائر التي تتحرك فيها الدبلوماسية التقليدية لإثيوبيا.
يوضح الباحث أن العمل في هذا الاتجاه في حال استمراره سيمثل “ثورة في الأعراف الدبلوماسية الإثيوبية” داخلياً، كما من شأنه أيضاً أن يسهم في تبديد جزء من المخاوف العربية في شأن السعي الإثيوبي لإيجاد منفذ ساحلي بالمنطقة، إذ يعد النظام الإقليمي العربي البحر الأحمر “بحيرة عربية”، على رغم وجود كل إريتريا وإسرائيل فيها، وهما دولتان غير عربيتين.
ويشير إلى أن الجامعة العربية سبق أن قبلت إريتريا كعضو في الجامعة، إلا أن الأخيرة حبذت أن تبقى عضواً مراقباً داخل أروقة المنظمة الإقليمية العربية، وهو ما لا يتوافق مع ميثاق الجامعة.
يضيف سلمون، أن قضية الانضمام للجامعة رسمياً يتطلب إجراءات تشريعية بينها اعتماد اللغة العربية كإحدى اللغات الرسمية بالبلاد، وهو ما يتعارض مع الدستور الفيدرالي الإثيوبي الذي يعترف بالأمهرية لغة رسمية في حين يمنح الأقاليم حق التعاطي بلغات أخرى.
ويؤكد سلمون أن حكومة آبي أحمد لم تتقدم رسمياً بطلب العضوية، كما يلاحظ أن الخطاب تضمن إشارات إلى ترجيح عدم قبول إثيوبيا عضواً في الجامعة لأسباب عدة بينها، الموقف المصري المؤثر، إضافة إلى التدابير الأخرى المتعلقة بشروط العضوية.
ويقرأ سلمون أن الخطاب جاء لتخفيف حدة التوتر القائم بين بعض الدول العربية وإثيوبيا خصوصاً بعد توقيعها مذكرة التفاهم مع صوماليلاند في شأن توفير منفذ بحري مقابل الاعتراف، مما أثار حفيظة الدول العربية.
تأثير التوجه في التوترات الإقليمية
من جهته يرى علي أن تأثير خطاب آبي الأخير في التوترات الإقليمية المتصاعدة بمنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي يكاد يبدو معدوماً، خصوصاً أن الإعلان لم تتبعه خطوات عملية سواء كإعلان تدابير حسن نية في الملفات العالقة بين إثيوبيا وجوارها العربي أو على مستوى التقدم رسمياً لجامعة الدول العربية بطلب الانضمام.
ويشير إلى أن الدول العربية تجاهلت هذا الإعلان، لعلمها أنه بمثابة حملة علاقات عامة للاستهلاك السياسي، إذ لم تصدر الجامعة العربية أو أي من الدول الأعضاء أي بيانات ترحب بالإعلان الإثيوبي.
ويتصور أن تأثيره في توترات البحر الأحمر أو حوض النيل سيظل محدوداً للغاية، خصوصاً في ظل اقتصاره على الخطاب، وعدم تحديد خطوات تطبيقه سواء في ما يتعلق بالاهتمام بتطوير العلاقات مع الدول العربية أو موضوع الانضمام للجامعة العربية.
في حين يرى محاري، أن تأثير الخطوة الإثيوبية في التوترات الإقليمية القائمة يتوقف على التعاطي العربي إيجاباً مع الدعوة الإثيوبية، خصوصاً أن رئيس الوزراء كرر في خطابه مراراً أن حكومته لن تخوض أي حرب من أجل المنافذ البحرية، ومن ثم أبطل الادعاءات حول سعي إثيوبيا لاحتلال السواحل الصومالية.
ويضيف سلمون لا شك أن هناك مشكلات قائمة مع مصر بوجه الخصوص وذلك عائد لاختلاف المصالح القومية لكلا البلدين في ما يخص مياه النيل، لكن لا يمكن تصور أن جميع الدول العربية تقف في ذات المسافة من إثيوبيا، إذ إن هناك دولاً تتفهم حاجة البلاد لسد النهضة، وأخرى تحاول التوسط بين أديس أبابا والقاهرة من جهة وبين مقديشو وأديس أبابا من جهة أخرى.