كيف تُسخِّر إسرائيل الذكاء الاصطناعي لتعزيز هجماتها؟
التاج الاخباري – في سبتمبر (أيلول) الماضي، انفجرت آلاف أجهزة الاستدعاء في شتى أرجاء لبنان فيما بدا أنه هجوم متطور خطَّطَت له إسرائيل قبل أشهر، الأمر الذي سلَّط الضوء على القدرات السيبرانية لإسرائيل واستخدامها للذكاء الاصطناعي في الحرب، حسب تقرير لصحيفة “داون” الباكستانية.
اختلف الخبراء حول فعالية الذكاء الاصطناعي في الحد من الأضرار
ووفق التقرير، لم تُبدِ إسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) أي مؤشرات على إبطاء حملتها العسكرية على جبهات متعددة. وهي متورطة حالياً في صراعات مع حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن. ورغم ادعاءات الجيش الإسرائيلي باستخدام “ضربات دقيقة” وشراء مجموعة من التقنيات الجديدة لاستهداف عناصر حماس تحديداً والحد من الخسائر في صفوف المدنيين، تجاوز عدد القتلى في غزة 41 ألف مدني، مما يثير تساؤلاً مهماً حول كيفية تحديد الجيش الإسرائيلي لأهدافه واستخدامه للتكنولوجيا المتطورة.
وأضاف التقرير: من المثير للقلق أنّ قائد وحدة مركز الحواسيب ونظم المعلومات في الجيش الإسرائيلي راتشيلي ديمبينسكي وصفَ الهجوم الإسرائيلي على غزة في مؤتمر بعنوان “تكنولوجيا المعلومات للجيش الإسرائيلي” بأنه “أول حرب رقمية” إذ زعم الجنود أنهم يقاتلون “من داخل حواسيبهم المحمولة”.
وفي مقطع فيديو لديمبينسكي على يوتيوب، تظهر شعارات تقنيات شركات التكنولوجيا الكبرى مثل مايكروسوفت أزور وغوغل كلاود وأمازون ويب سيرفيسز (AWS)، مما يدل على تعاقد إسرائيل مع شركات تقنية كبرى للحصول على خدماتها السحابية. ورغم تأكيد تقارير متعددة أنّ إسرائيل تستخدم السحابة الإلكترونية لتخزين كميات مهولة من البيانات، من المهم أن نشير إلى أن الغرض من هذه البيانات فرض رقابة أكبر على الفلسطينيين.
وحدة 8200 المُراوِغَة
وتملك إسرائيل وحدة متخصصة في الحرب الإلكترونية والاستخبارات الإلكترونية تُعرف باسم الوحدة 8200. ويُطلعنا تقرير لمجلة “فوربس” الأمريكية على أن 90% من التقارير الاستخباراتية في إسرائيل تنبع من هذه الوحدة وحدها، وأن بصمتها التجسسية واضحة في الدول المجاورة. ويُزعم أن هذه الوحدة جزء من مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وقد سُلِّطَت عليها الأضواء بعد هجوم أجهزة الاستدعاء في لبنان. وعادةً ما تُعدُّ أنشطتها “سرية للغاية وتتراوح بين استخبارات الإشارات والتنقيب عن البيانات والهجمات والضربات التكنولوجية”، وفقاً لـ”رويترز”.
ويُزعم أن القوى العاملة في الشركة يقع الاختيار عليها من الشباب في أوائل العشرينات من العمر، إذ يُستقدَم بعضهم من “برامج المدارس الثانوية التنافسية للغاية”، ويواصل كثير منهم العمل في قطاع التكنولوجيا والأمن السيبراني في إسرائيل لاحقاً. والواقع أنّ أحد مسؤولي هذه الوحدة هو الذي ادعى أنّ إسرائيل استخدمت نظام الذكاء الاصطناعي “لافندر” بكفاءةٍ لتحديد الأهداف الفلسطينية.
كيف يعمل لافندر؟
تُظهر شهادات المسؤولين الإسرائيليين لمجلة “+972 ” الإسرائيلية أن إسرائيل استخدمت نظام “لافندر” في المراحل الأولى من الصراع، وأن بوسعه “معالجة كميات هائلة من البيانات لاستخلاص آلاف الأهداف المحتملة”. ويشارك النظام لأول مرة في استخلاص أهداف للجيش.
وجاء في التقرير نقلاً عن صحافي استقصائي إسرائيلي أنّ “لافندر” يُعيِّن أرقاماً للفلسطينيين، تتراوح ما بين 1 و100، بناءً على السمات التي يحددها الجيش الإسرائيلي حول مدى احتمال انتماء الشخص إلى حماس. ومع ذلك، فقد أدرجَ النظام أيضاً أسماءً لها “علاقات فضفاضة” أو “لا علاقة لها” بحماس.
ويُزعم أنّ النظام حدَّد 37 ألف هدف في المرحلة الأولى من الصراع وحدها. وباعتباره قاعدة بيانات، قيل إنه استُخدِمَ لمضاهاة مصادر الاستخبارات لإنتاج قوائم مُحدَّثَة للعمليات العسكرية. وتشير التقارير أيضاً إلى أن الجيش الإسرائيلي قد “ضبطَ” معايير خوارزمية النظام “بدقة” لاستخلاص أهداف محتملة لحماس، إذ قال مصدر مسؤول إن النظام بلغت دقته “نحو 90%”.
وقال أفيف كوخافي، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، إن قسم الأهداف في الجيش “مدعوم بقدرات الذكاء الاصطناعي”، في إشارةٍ إلى نظام “لافندر”، الذي أنتج “كماً هائلاً من البيانات” وترجمها إلى أهداف للضربات. وأضافَ كوخافي أنه في عام 2021، أفرزَ النظام 100 هدف يومياً، في حين أن الجيش لم يكن بوسعه الوصول سوى إلى 50 هدفاً في السنة بدونه.
ومع ذلك، فقد اختلف الخبراء حول فعالية الذكاء الاصطناعي في الحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين واستهداف أعضاء حماس على وجه التحديد. بعد أيام من بدء الصراع، نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً بعنوان “أدلة دامغة على جرائم الحرب التي أودت فيها الهجمات الإسرائيلية بحياة عائلات بأكملها في غزة”، مشيرة إلى أن “القوات الإسرائيلية أبدت استخفافاً مروعاً بأرواح المدنيين”.
غوسبِل
ويُزعم أنّ إسرائيل لديها أداة أخرى لدعم اتخاذ القرار بالذكاء الاصطناعي تُدعى “غوسبِل”. ويُزعم أنّ كلمة “لافندر” تشير إلى الأفراد، في حين أن كلمة “غوسبِل” تشير إلى المباني باعتبارها أهدافاً لا الأفراد. ويُقال إن الجيش الإسرائيلي يستخدم هذا النظام تنفيذاً لـ “عقيدة الضاحية”، وهي إستراتيجية عسكرية غرضها تدمير واسع النطاق للبنية التحتية لممارسة ضغوط مدنية على السلطة المحلية.
وأكد الجيش الإسرائيلي استخدام غوسبِل وقال في بيان له إن النظام “يسمح باستخدام أدوات آلية لإنتاج الأهداف بوتيرةٍ سريعة، ويعمل عن طريق تحسين المواد الاستخباراتية الدقيقة وعالية الجودة وفقاً للمتطلبات”.
وفي بيان صحافي بعنوان “لمحة عن مصنع أهداف الجيش الإسرائيلي الذي يعمل على مدار الساعة”، ذكرَ جيش الدفاع الإسرائيلي أنه بدعمٍ من الذكاء الاصطناعي والذكاء المُحدَّث، فإن النظام “ينتج توصية للباحث”. ومع ذلك، ورغم الأهداف المحددة من الأنظمة، قال مسؤول إسرائيلي إنهم يفضلون استخدام صواريخ “غير موجهة” عندما يتعلق الأمر باستهداف مسؤولين مزعومين من ذوي الرتب المتدنية في حماس إذ تسمح لهم باستهداف 15 إلى 20 مدنياً إذا لزم الأمر.
جهاز “أين أبي”
ومع ذلك، لا تنتهي مراقبة إسرائيل عند هذا الحد. فوفقاً لموقع “الديمقراطية الآن”، فضلاً عن نظام “لافندر”، هناك نظام ثانٍ يسمى “أين أبي” يتتبع الفلسطينيين في منازلهم مع عائلاتهم. وفي مقابلة مع الصحافيّ الاستقصائيّ يوفال أبراهام، تحدَّث عن مفهوم “الربط” في المراقبة الجماعية للفلسطينيين. واستشهد بمصدر قال إنه من أجل أتمتة هذه الأنظمة، يجب أن تحصل بسرعة على هوية الشخص وأن تكون قادراً على ربط هذه الهوية بـ “عناصر أخرى” وأهمها منزله. وبالتالي، فإن النظام “مصمم ليكون قادراً على الربط التلقائي بين الأفراد والمنازل”.
وتُحذِّر أنظمة مثل “أين أبي؟” ضباط المخابرات من المقاتلين المزعومين الذين يُزعم أنهم يحملون علامات الذكاء الاصطناعي فور دخولهم المنازل، ما يسمح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ عدد كبير من الضربات ضد أهدافهم في منازلهم.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي لصحيفة “غارديان” البريطانية إن الجيش الإسرائيلي استخدم “قياسات دقيقة للغاية” وتأكد من إجلاء المدنيين قبل تنفيذ الضربات. ومع ذلك، فقد دحضَ هذا الادعاء خبراء في مجال الذكاء الاصطناعي والصراع الذين ما يزالون يشككون في أن الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي تحدُّ من الضربات على المدنيين.
مشاريع إسرائيلية أخرى:
- مشروع نيمبوس
سُلطت الأضواء على المشروع الذي تبلغ تكلفته 1.2 مليار دولار في الآونة الأخيرة بسبب إنهاء غوغل عمل 28 عاملاً تابعين لمنظمة “لا تكنولوجيا للفصل العنصري”. والمشروع في الأساس عقد مُنِحَ لغوغل وأمازون في عام 2021 لتزويد الحكومة الإسرائيلية بالخدمات السحابية، ودعم تطوير الأدوات العسكرية من قبل الحكومة الإسرائيلية. - مشروع سيريوس
يُزعم أن مشروع سيريوس مرتبط بمشروع نيمبوس. ومع ذلك، لم توقِّع عليه أي شركة تقنية بعد. وفقاً لعدة تقارير، كان الجيش الإسرائيلي يبحث عن خبراء يمكنهم التعامل مع الخدمات السحابية لنقل الأنظمة العسكرية إلى السحابة العامة (Nimbus)”، إذ إن سيريوس سحابة خاصة ومحكمة يستخدمها الجيش الإسرائيلي وحسب. - Z-Tube
يُستخدم هذا تطبيق على السحابة الإلكترونية للجيش الإسرائيلي، ويُزعم بحسب التقارير أنه يشبه إلى حد كبير موقع يوتيوب، ولكن للأغراض الحربية. وعلى التطبيق، يمكن للجنود الوصول إلى لقطات لحظية لجميع معداته العسكرية في غزة، بما في ذلك الطائرات المُسيرة. - MapIt
هناك تطبيق آخر مشهور على شبكة الإنترنت يُعرف باسم “MapIt” ويُزعم أنه يسمح للجنود بتحديد أهدافهم الحية على خريطة تآزرية. ومع ذلك، كتبت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عن نظام تحديد مواقع “شبيه بتطبيق Waze” يستخدمه الجيش الإسرائيلي سلاحاً سريّاً في غزة. - Hunter
وفقاً لمجلة “+972″، يُستخدم تطبيق Hunter في “الإشارة إلى الأهداف في غزة واكتشاف أنماط السلوك باستخدام الذكاء الاصطناعي”. ويجمع التطبيق مؤشرات عن التهديدات ويسمح للمستخدمين بتلقي معلومات عنها، وفقاً لأحد المسؤولين الإسرائيليين.