مقالات

اللغز الأعظم.. غَزّة! 

التاج الإخباري – مدير التحرير عدي صافي 

كم سيصمدون؟ هل يستطيعون الإستمرار؟ 
يا تُرى ما مدى قدرتهم على خوض الحروب، وهل يوجد لديهم امكانات طبية للتحمل؟ عتادهم ما حاله؟ 
يا سيدي، هنا يكمن اللغز الأعظم.. غَزّة،هذه البقعة الصغيرة التي لا تنتهي ابدا، تصمد وتصمد، بل وتنتصر رُغمَ أنف الصهاينة! 

هنالك حضارات ودول، بابل، الفراعنة، الإغريق، الأشوريين، المايا والإنكا، والأنباط، وحتى روما الخالدة، اميركا، الصين، وهنالك غَزّة! أي نعم غَزّة، التي تركت ارثاً قيّماً، وخَلقت رجالاً أشدّاء، ونساءً عظيمات، صمودٌ فريد.. تلكَ الحضارات قامت وهَوَت وغزة قائمة بلا سقوط..
وَحدهم الغزّيون من صَنعوا الصواريخ من الرُكام، وَحدَهم من استعملوا رمالَ الشاطئ، جعلوا الموجَ بصفهم، نوارسُ غَزّة تَغدوا خِصاماً وتعود بطاناً؛ وكأنها تتضورُ إشتياقاً فتغدوا نحوَ العدو وحينما يتجلّى الرُعب في أنفسهم، تشبعُ من قهرهم!

يعلم أهلُ غَزّة أنه لا سَندَ لهم، حماس والجهاد وسرايا القدس وكُل الفصائل مدركين أنهم وحدهم، الأم المكلومة والآب المقهور، والعجوز الموجوعة والطفلة الراكضة بينَ الأزقة بحثاً عن ذكرياتٍ تُخلّدها، والملائكة التي تتلقف أرواحَ الشهداء من غيابتِ رُكام الصواريخ إلى علياءِ السماء! 

تجرحني كما أنتم نشرات الأخبار، يعتصرني الألم، تَقهرني دولٌ تدعم الكيان تحتَ ذريعةِ حقهِ بالدفاع عن نفسه، والعرب، يكتفون بالشجبِ والإستنكار، همّ  يقهرهم صاروخ المقاومة ولا يحرك مشاعرهم تحول جسدَ الطفلة التي تبحث عن ذكرياتٍ تُخلّدها إلى أشلاء.. هي كانت تلعب مقابل الشقة التي قصفوها، ذنبها أنها بحثت عن حياةِ الطفولة تحتَ سماء الصواريخ، لم تجدّ ذكريات، ولم تجد نسماتِ هواءٍ عليل تخفف عنها حرَّ المدينة، لم تجدّ رفاقاً يؤنسونها، بل وجَدت بارود الصواريخ يغطي جسدها! 

أتعلمون لماذا نذرف الدموع؟ 
حينما نقلوا طفلةَ الذكريات، وضعها والدها بين يديه، وحملَ رأسها رجلٌ آخر؛ فعلَ ذلك حتى لا ينفصل الرأس عن الجسد، ظلَّ يسير بجانب الوالد وكُل همّه أن يبقى الرأس مكانه! 
طفلة، لم تجد تابوتاً، أو جنازة، لم تحمل لُعبتها كفاية، لم تحظى سوى بشرشف السرير ليكون كفناً يضمُّ جسدها الصغير، الذي حطمَ الصاروخ عظامه فصارَ ملتفاً يتلوى! 
لو كانت هذه الطفلة أميركية لصرخَ العالم، ولو كانت غربية لبكوا، ولكنها عَربية لذلك صمتوا، وسيظلون… 

لا أدري متى سيصحو العالم، وهل سيتحرك الضمير أم لا، عموماً كل ذلك لا يهم، العرب سيظلون يتغنون بدبلوماسيتهم، والغرب سيغضون النظر عن جرائم الكيان، والمقاومة ستجابه، ستقاتل، ستطلق الصواريخ وتدبّ الرعب في قلوب الجبناء، وأهل غزّة سيخلقون الحضارة التي لن تندثر، ستلد النساء، وسيربي الآباء الأبناء على الحُبِّ والوفاء، والأبناء ذاتَ يومٍ سيكونون الشهداء! كل شيء بعدَ غزّة كَذِب، وحدهم من جعلوا الموتَ صولجاناً بيدهم، رغمَ جبروته لم يخافوا منه ولن! 

بعدَ أعوام، ستنتصر غَزّة، سيزحف جنرالاتُ اسرائيل، همّ المدبرين وأهل غَزّة المقبلين، حينها سيعلو الأذان كل صوت، الأهازيج ستخرج من كُلِّ بيت، ستعلق في الشوارع صور الشهداء، كُلُّ الذين ضحوا بارواحهم فداءً للأرض.. وبعد الإنتصار ربما سيبكي الجميع، نحنّ سنبكي على خيبتنا وقيلةَ حيلتنا، وغيرنا سيبكون ندماً على خيانتهم، وأهل غَزّة سيبكونَ على طفلةِ الذكريات التي استشهدت من كُلِّ منزل.. وستظلُّ غَزّة اللغز الأصعب الذي لم يَعرف التاريخ لهُ حَلاً…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى