عربي دولي

فشل لوزارء الكهرباء العراقيين بعد عام 2003 الذين شغلوا هذا المنصب

التاج الإخباري – لأول مرة منذ خمس سنوات شهد العراق فجر الجمعة انهيارا تاما لمنظومة الطاقة الكهربائية على مستوى البلاد، استمر لعدة ساعات وتسبب بموجة غضب شعبي إذ حدث في وقت اقتربت فيه درجات الحرارة من خمسين درجة مئوية.

حاولت الحكومة العراقية متمثلة برئيسها مصطفى الكاظمي امتصاص الغضب الشعبي عبر سلسلة إجراءات شملت إقالة مسؤولين وتشكيل “خلية أزمة لمواجهة النقص في ساعات التغذية، إضافة إلى التوفير الطارئ لجميع أشكال الدعم المالي والفني واللوجستي والأمني لوزارة الكهرباء”.

لكن الأزمة ليست وليدة اليوم. فالبلاد تعاني من انقطاع الكهرباء منذ أكثر من ثلاثة عقود على الرغم من المبالغ الضخمة التي تم صرفها على قطاع توليد الطاقة منذ عام 2003 ولغاية اليوم، تقدر، وفق خبراء، بأكثر من 80 مليار دولار.

وبالأرقام كانت شبكة العراق تولد أقل من 20 ألف ميغاواط قبل فجر الجمعة وفقا لبيانات وزارة الكهرباء العراقية.

وإذا أخذنا بالاعتبار أن العراق كان ينتج 5.5 آلاف ميغاواط قبل عام 2003، يعني ذلك أنه لم يتمكن من إضافة أكثر من 15 ألف ميغاواط خلال العقدين الماضيين.

تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية في أبريل 2019، أشار إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ حوالي 32 ألف ميغاوط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها.

ويضيف التقرير أن من بين الـ 16 ألف ميغاواط التي ينتجها العراق، يتم فقدان نحو 40 في المئة أثناء التوزيع.

يقول الخبير الاقتصادي العراقي باسم جميل أنطوان إنه “وفقا للمعايير العالية فإن صرف مليار دولار يمنحك القدرة على توليد ألف ميغاواط، لكن العراق صرف نحو 80 مليار دولار على ملف الكهرباء منذ عام 2003 ولم يتجاوز حجم الإنتاج 19 ألف ميغاواط”.

ويضيف أنطوان أن العراق لا يزال بحاجة لنحو 28 ألف ميغا واط من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في توفير الطاقة لمنازل المواطنين”.

وفي حال أرادت البلاد استخدام الطاقة الكهربائية لتشغيل القطاعين الصناعي والزراعي والسياحة وغيرها فيحتاج لمثل هذه الأرقام، وفقا لأنطوان.

والسبت عادت مستويات الطاقة إلى ما كانت عليه قبل فجر الجمعة، حيث اضطر العراقيون إلى الاعتماد بشكل كامل على المولدات الخاصة أو تلك التي يشغلها القطاع الخاص خلال فترة الانقطاع.

وتعاني شبكة الكهرباء الرئيسية في العراق من انقطاعات تستمر لساعات يوميا على مدار العام، لكن الأمر يتفاقم خلال شهور الصيف عندما تسجل درجة الحرارة عادة 50 مئوية ويزيد استخدام مكيفات الهواء.

وقدم وزير الكهرباء العراقي ماجد حنتوش استقالته مؤخرا تحت وطأة ضغوط سياسية وشعبية.

وفشل جميع وزراء الكهرباء الذي شغلوا هذا المنصب بعد عام 2003، في معالجة هذه المشكلة مع حلول كل صيف، الأمر الذي دفعهم للاستقالة تباعا، وخصوصا مع القاء الحكومة المسؤولية على وزير الكهرباء، عند كل موجة احتجاجات.

ويشير أنطوان إلى أن “إحصاءات غير رسمية تتحدث عن وجود ما يقرب من 150 ألف مولدة منتشرة في أحياء البلاد، توفر أكثر من نصف حاجة السكان من الطاقة مقابل أموال طائلة صرفها المواطن بلغت مجتمعة نحو ثماني مليارات دولار، وهذا هدر كبير”.

وقدر تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن العراقيين دفعوا 4 مليارات دولار في 2018 لمشغلي المولدات الأهلية.

ويتفق أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني مع هذا الطرح ويضيف أن عمليات الفساد عرقلت إنهاء أزمة الكهرباء في العراق.

وقال المشهداني إن “هناك أكثر من 30 مليار دولار ضاعت نتيجة سوء الإدارة والفساد في قطاع الكهرباء”.

ما الحل؟
يعد نقص الغاز الطبيعي أحد الأسباب الرئيسية لفجوة العرض والطلب في مجال الكهرباء في العراق، حيث تعمل العديد من محطات توليد الطاقة بنسبة 60 في المئة من طاقتها بسبب عدم توفر الغاز الطبيعي، وفقا لخبير الطاقة في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في الجامعة الأميركية في السليمانية أحمد الطبقشلي.

وأضاف الطبقشلي في ندوة عبر الإنترنت في أبريل الماضي أن “هذا يعني أن العراق لا يمكنه توفير ما يكفي من الكهرباء خلال فترات ذروة الطلب، وعادة خلال أشهر الصيف عندما ترتفع درجات الحرارة”.

وبعد أزمة الجمعة في العراق، قال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة ومقرها باريس فاتح بيرول إن “تعطل شبكة الكهرباء العراقية يترك الملايين دون مورد الطاقة الذي يحتاجونه لتحمل درجات الحرارة القصوى تلك”.
وكتب عبر تويتر: “علينا التعامل مع مرونة النظم في عالم يزداد سخونة، لكن اليوم يجب أن نركز على تجنب كارثة إنسانية تزيدها إمدادات الطاقة غير الآمنة، سوءا”.

وقال سجاد جياد المدير الإداري لمركز البيان للتخطيط والدراسات، وهي مؤسسة بحثية مستقلة غير ربحية مقرها بغداد، عبر تويتر “إذا لم تحل هذه المشكلة بسرعة فستكون لها آثار كارثية إذ إن كل شيء يتوقف عن العمل”.

ومؤخرا اقترحت الوكالة الدولية للطاقة على العراق الاستعانة بطرق بديلة لتوفير الكهرباء من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وقالت الوكالة إن رفع حصة مصادر الطاقة المتجددة إلى 30 في المئة من إمدادات الكهرباء بحلول عام 2030، سيحقق للعراق مكاسب بيئية، بالإضافة إلى أنها ستوفر نحو 9 مليارات متر مكعب من الغاز، يمكن استغلالها في استخدامات أخرى.

لكن الخبير الاقتصادي يعتقد أن هذه الخطوة تحتاج لكثير من الوقت، فيما تتصاعد الاحتجاجات ضد الحكومات نتيجة نقص الطاقة.

يطرح أنطوان بدائل منها تقليل الاعتماد على إيران في استيراد الكهرباء والغاز، والاتجاه بدلا عن ذلك لدول إقليمية أخرى كالأردن ومصر والسعودية.

ومع ذلك يرى أنطوان أنه “لا توجد إرادة حقيقية سياسية في العراق لحل ازمة الكهرباء وإيجاد حلول جذرية لها، وكل الخطوات التي يقوم بها القائمون على هذا الملف مجرد حلول ترقيعية”.

وبالإضافة لذلك يشدد عبد الرحمن المشهداني أن “العراقيين لن ينعموا بصيف بارد مالم يتم القضاء على الفساد الذي تسبب بهدر مليارات الدولارات التي صرفت على الكهرباء”.

وخلال اجتماع لخلية الأزمة الطارئة التي شكلتها الحكومة لمعالجة وضع الكهرباء، أقر رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بصعوبة حل أزمة الطاقة في العراق، وقال إن “كل خطوة لحل مشكلة الكهرباء بالعراق تتطلب سنوات، لأن العراق لم يبدأ فعليا بأي خطوة طوال السنوات السابقة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى