مقالات

منصور يكتب:“حب التناهي غلط وخير الأمور الوسط”

التاج الإخباريالدكتور عاصم منصور 

في ثقافتنا العامة الكثير من الآثار والنصوص؛ منها المقدس ومنها المقدر، التي تحض على التوسط، وعلى أن “حب التناهي غلط وخير الأمور الوسط”، وكما نقول في مثلنا الدارج أن “الزايد أخو الناقص”. مع ذلك، فهناك من لاحظ أن شعوب منطقتنا لا تكاد تميز إلا أقصى الحدود والنهايات، فلا تميز جيدا الطيف الواسع بين كل نهايتين؛ إذ لا نستطيع أن نميز جيدا الطيف الواسع بين “الإيثار” و”الغضب”، وبين “التبذير” و”الشح”. فالقيم المشتركة، ومعايير السلوك وأخلاقيات العمل، لا يمكن أن تقوم لها قائمة عند أي من الطرفين.

يرى المفكر المغربي محمد الكتاني، في كتابه القيم “منظومة القيم المرجعية في الإسلام”، أن تحقيق التوازن بين جاذبية القوى النفسية من أشق الأمور. ذلك أن جاذبية الجسد تغالب جاذبية الروح، وجاذبية الأنانية تغالب جاذبية الغيرية، وجاذبية الشعور بالحق تشوش على الشعور بالواجب داخل ضمير الإنسان. والتوازن المنشود هو ما يحققه لسان الميزان الذي يستقيم بين الكفتين. وهذا ما لا يقدر عليه إلا الذين وطنوا أنفسهم، بالوعي الخلقي والإرادة الصلبة، على الوقوف في وجه غلواء كل منهما، بتفعيل الكوابح النفسية التي تمنع من الانفلات والتطرف.

وكما أن إهدار أو إغفال القيم مدمر فإن وضع معايير قيمية غير واقعية وغير قابلة للتطبيق بل وزائفة، وخلط الأوراق من خلال ذلك، يؤدي إلى ذات النتيجة. فالنهايات لا يطيقها الناس؛ إلا النزر اليسير منهم. فإذا تساوى كل ما هو دون المثال، فنحن أمام مشكلة حقيقية في منظومة القيم.

المثالية في الأخلاق، والارتقاء مدارج السالكين، وتطهير النفس، هي من معاني الإحسان العظيمة في التربية والسلوك والتصوف. لكنها لم تكن يوما معايير صالحة للعموم، فغياب هذا التمييز، سواء كان عن تواطؤ أو إهمال، هو ضرب من الطوباوية، والتي تقود إلى الانسلاخ أو النفاق، وبالتالي تبدد المنظومة. ورغم أن بيان اختلاف قدرات الناس وأحوالهم، ومقام كل مقال، وموطن كل معيار، مبسوط في علوم وتقديرات السابقين واللاحقين، إلا أننا لا نكاد نلمسه في حياتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى