مقالات

الشقيرات يكتب.. يوم الإعاقة العالمي

التاج الإخباري –  بقلم: د. محمد الشقيرات

في يوم الإعاقة العالمي، تقبضنا قلوبنا حبا ًبلا حدود لأولئك الذين يتبوؤون مكانة تسمو وتزداد سمو كلما فكرنا ملياً بمعاناتهم وتطلعاتهم وتحدياتهم، وتلك الصعوبات التي تواجههم في ظل حياة كونيةٍ إزدادت بها الظروف الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ سوءاً حيث غطَت مساحات شاسعة من هذا الكون الذي نعيش فيه.

إنهم سادتي "اصحاب الهمم" كما اسماهم جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين " الاشخاص ذوي الاعاقه" ، الذين باتَ يُحكَمُ على حالاتهم بالمعاناةِ طويلة الأمد " البدنية او العقلية او الذهنية او الحسية ، كما عرفتّهُم اتفاقية الامم المتحدة المتعلقة بحقوقهم في تموز عام 2021 ، ويتم استخدام هذا المصطلح عادة في الإشارة الى ادائهم الفردي بما في ذلك العجز البدني والحسّي، وضُعف الادراك والقصور الفكري ، والمرض العقلي وأنواع أٌخرى من الأمراض المزمنه، فالإعاقات البصريه والسمعية والعقليه والجسمية والحركية واضطرابات النطق والكلام ، والسلوكية والانفعاليه والتوحد والمزدوجه والمتعدده وغيرها …. . ، تُمثّل انواعا ًللإعاقه تزداد في التهميش المجتمعي ، وتتقلص من خلال منح أصحابها المساحةُ الكافية من التفكير والاهتمام والعمل الدؤوب من قبل الافراد بشكل خاص والقطاعين (العام والخاص) بشكل عام.

في يوم الاعاقه العالمي لابد ان نذكر أن ديننا الاسلامي الحنيف حث على احترم حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة ، إذ نظر الى الاعاقه على أنها ابتلاء من الله تعالى ليختبر المؤمنين الثابتين على تلك البلية ، وحث على احترام هذا البلاء من قبل الآخرين ، قال تعالى: "یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا یَسۡخَرۡ قَوۡمࣱ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُونُوا۟ خَیۡرࣰا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَاۤءࣱ مِّن نِّسَاۤءٍ عَسَىٰۤ أَن یَكُنَّ خَیۡرࣰا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُوا۟ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِیمَـٰنِۚ وَمَن لَّمۡ یَتُبۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ" (سورة الحجرات الآية 11)،

وقد رفع الاسلام من شأن الاشخاص ذوي الاعاقة حيث قال تعالى : "لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَج "( سورة النور الآية 61 ).

إن من أعظم المباديء التي حيث عليها الاسلام هو مبدأ التكافل الاجتماعي ومساعدة كل ذي حاجة، وقد أمر الله عز وجل بالتعاون على البر والتقوى، في قوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ( سورة المائدة الآية 2) ، ومن البرِّ والتقوى مساعدة ذوي الاعاقة ، والوقوف الى جانبهم ، والأخذ بأيديهم ، والعمل على تمكينهم، والعمل على كفالتهم وتأهيلهم واحترام حقوقهم ، بما يتفق وحالاتهم التي هم عليها ، ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع.

تمثل الامراض الوراثية ، وضعف الحالة الاقتصادية ، وغياب الثقافة الفكرية المجتمعية ، والكوارث الطبيعية ، والحروب المستمرة في عالمنا الذي نعيش اليوم عواملاً رئيسية في زيادة نسبة ذوي الاعاقة في المجتمعات كافة ، وهناك عواملاً مساعدة قد تؤدي الى تفشي ظاهرة الإعاقة بصورة مخيفة، نذكر منها على سبيل المثال.. مسؤولية الإنسان نفسه، أو المسؤولين عنه، أو مسؤولية الدولة بأجهزتها المعنية، أو مسؤولية المجتمع بأسره.

​في الاردن كانت هناك مساحة واسعة من الاهتمام بالاشخاص ذوي الاعاقة أرست قواعدها قيادتنا الهاشمية المؤمنة بأن الانسان هو المحور الاساس في عملية التنمية المستدامة ، وفي التطور والنهوض والتقدم ، في اطارٍمن المساواة وعدم التمييز ، ولقد جاء تشكيل المجلس الاعلى للاشخاص ذوي الاعاقة ، وتكليف سمو الامير مرعد بن رعد برئاسته ، وما سنِّ قانون حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة رقم (20) لعام 2017 ، والتعديلات الدستورية التي طرأت عليه مؤخراً إلا دليلاً واضحاً على اهتمام قيادتنا الهاشمية الانسانية في هذه الشريحة الهامة من شرائح مجتمعنا الكريم . 

في ظل العصر الذي نعيش حثت اجندات الامم المتحده من خلال اتفاقيه حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة على عدم التمييز بسبب الاعاقه ، وتكافؤ الفرص بينهم وبين الآخرين ، وازاله العقبات والصعوبات التي تواجههم وتحقيق حقهم في ممارسة التعليم والتعلم والعمل والترويح، وحقهم في الرعايه الصحية ، وتولي المناصب القيادية وتذليل امكانية وصولهم للبيئة المحيطة .

إن الازمات الحادة والمعقدة والمترابطة التي تواجه البشرية في عصرنا هذا بما فيها الاأثار السلبية لجائحة كورونا (19) ، والحروب المستمرة في بقاع عديدة من الكون ، ونقاط التحول في ازمة المناخ والتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي المتردي تشكل تحديات انسانيه غير مسبوقه تدعو القطاعين العام والخاص الى العمل سوياً ومتزامناً في التخفيف من آثارها السلبيه ، وعند الحديث عن ذوي الهمم "الاشخاص ذوي الاعاقه" والذين يشكلون ما يقارب نسبة 15% من سكان العالم اغلبها في الدول النامية ، فإن هذا يدعونا الى التفكير ملياً بالحلول التحويليه للتنميه الشاملة ، والابتكارات، من اجل مساواتهم مع غيرهم وتمكينهم في كافه المجالات ثم توظيفهم ودمجهم في مجتماعاتهم ، والاستفاده من بصائرهم النافذه وطاقاتهم الهائلة والتعايش معهم على أن حالاتهم يفصلها عن حالاتنا "شعرة" فكلنا معرضون اذا ماشاء القدر ان نعاني مما يعانون!!

اننا مدعون اليوم ايها الاخوة والاخوات وفي كلا القطاعين العام والخاص الى احترام قدراتهم وامكاناتهم واحترام القانون الذي سُنَّ من اجلهم في هذا الوطن الغالي ، والذي تضمن بكل وضوح ضرورة منحهم حقوقهم المنصوص عليها في القانون ، والسعي الدائم الى التقليل من الأزمات والمشاكل التي يعيشونها والتي تزداد مع ازدياد الأزمات التي يعيشها كوننا المليء بالتحولات السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه.

يتم الاحتفال باليوم العالمي للاعاقه في 3/12 من كل عام ، وفقا لما اعترفت به الامم المتحدة في جميع انحاء العالم ، وقد انشأت الامم المتحدة شعار اليوم العالمي للإعاقة ليتضمن بعض الايماءات حول اهمية هذه الفئة في المجتمع ، ويعبر عن أهمية دمجهم في المجتمع ، وجعلهم احد افراده دون تمييز بسبب اعاقتهم وان عملية الاندماج في المجتمع لها فائدة عظيمة لهم وللمجتمع.

وأخيراً وليس آخراً لا بدّ أن نتذكر الحديث الشريف الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (من نَفَّسَ عن مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ علَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عليه في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ) .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى