ان لم تمت سَنُعاقبك.. قانون تجريم المقدمين على الإنتحار يثير الجَدَل في الأردن!
التاج الإخباري – عدي صافي
أقر مجلس النواب الأردني، يوم أمس الإثنين، قانونا جديدا يقضي بمعاقبة أي شخص يقدم على الانتحار بمكان عام في المملكة بالسجن والغرامة.
القانون الذي أثارَ الجدَل، سيعاقب من يقدم على الانتحار بالحبس مدةً لا تتجاوز 6 أشهر، عدا عن تغريم صاحب محاولة الانتحار ـ بموجب ذات القانون ـ بغرامة لا تزيد على 100 دينار.
أو سيعاقب المدان بإحدى هاتين العقوبتين، وتنطبق على كل من شرع في الانتحار في مكان عام، بأن أتى “أيا من الأفعال التي تؤدي للوفاة عادة”.
كما ينص القانون الذي أقر بالمجلس على أنه “تشدد العقوبة إلى ضعفها إذا تم ذلك باتفاق جماعي.”
القانون، أثار الجدَل في الشارع الأردني، تداوله مواطنون باستهزاء، وعَبرَ نُشطاء عن إستغرابهم من اقراره من قبلِ السلطةِ التشريعية، واكدّ خبراء أنه، أيّ القانون غير منطقي ولا يمكن قبوله تحتَ أي شكلٍ من الأشكال، لا سيما وان اقراره من دون الرجوع لمختصين يدركون أسباب التوجه للإنتحار في الغالب، يعتبرُ فشلاً ذريعاً، وجهلاً يعكسُ صورةً سيئةً عن طريقة اتخاذ القرارات داخل المملكة.
الصحفي الأردني في الولايات المتحدة الأميركية عبدالله مبيضيين قال في منشور له عبر صفحته على الفيسبوك-تعقيباً على القانون، "يعني ممكن واحد يعملها ويكمل عملية الانتحار لأنه صار عنده سبب إضافي لعدم التراجع!"، واعتبرت إحدى الناشطات، أن القانون يمنع الشخص الذي يفكر بالإنتحار من التراجع؛ حيث أنه سيجدّ بوابة السجن صوبَ عينيه!
لهيبٌ من وَحيّ التَجرُبة!
"منذ يومين خرجت من محاولتي السادسة للانتحار، وامام هذا القانون انا كمريض اكتئاب حاد، أؤكد أنّ هنالك جهل كبير بالطب النفسي وعدم دراسة ابعاد الانتحار لا سايكولوجيا ولا طبياً!!"،هذا ما قالته سيدة حاولت الإنتحار في حديث لها مع التاج.
وبينت أنه في الطب النفسي، يعاني مرضى الاكتئاب الحاد من سيطرة الافكار الانتحارية وهذا مرتبط بمواطن معينة في دماغ المريض.
راشارت إلى أن مجلس النواب، بدلاً من مساعدة المرضى، ومحاولة نشر ثقافة الطب النفسي بشكل اوسع ليتم انقاذ الضحايا في بدايات مرضهم، قام بتجريم المنتحر في حال فشله، "وكأنهم يقولون له، لماذا لم تتقن تنفيذ مخطط انتحارك بشكل لا عودة منه!".
مريض إكتئاب آخر، أوضح أنه عانى من الأفكار المتعلقة بالإنتحار كثيراً، حتى أنه إقترب ذات مرّة من تنفيذ هذا الأمر من خلال تناول كمية أدوية كبيرة دفعةً واحدة، إلا أنّ عَرضه على طبيب نفسي ساعده على تخطي هذه المرحلة، والإندماج بالمجتمع من جديد، بعد اتباع الخطوات التي نصحه بها المختص.
رأي المتخصصين في الأمراض النفسية
إستشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان، الدكتور أشرف الصالحي قال:"افهم ان نية صانعي القرارات في البلاد هي منع الاستعراض بالانتحار و عدم تسيهله، لكن حتى يصيغ أصحاب القرار قانون حول الانتحار عليهم معرفة حقائق من مركز CDC الامريكي، مثل أن الوحدة و الانعزال يزيدان احتمالية محاولة الانتحار، وان الشخص الذي يحاول الانتحار يكون قد تعرض للاذى الجسدي/النفسي/الجنسي في ٩٠% من الحالات، عدا غن انه في عام ٢٠٢٠، كان الانتحار هو ثاني اهم سبب للموت في الفئة العمرية ١٠-١٤ و الفئة ٢٥-٣٤ عام.
واضاف، تؤثر محاولة الانتحار ليس فقط على نفسية الشخص الذي حاول الانتحار، بل على نفسية أهله وزملاء عمله واصدقائه واحبائه والمجتمع ككل، فهي مشكلة ليست شخصية و إنما اجتماعية شاملة، مؤكداً على أنه يمكن محاربة الانتحار ومحاولة الانتحار بمنهج شمولي يشترك فيه الأفراد و المؤسسات واذرع الدولة كافة، لا سيما وان ما نسبته من ٥٠-٨٠% من الذين توفوا بالانتحار تبين انهم يعانون من مرض الاكتئاب.
وصور الصالحي، إنّ الشخص الذي يحاول الإنتحار، والذي يعاني من الإحباط والإكتئاب، قد يقف قبلَ تنفيذه عملية الإنتحار ليفكر قليلاً،" لَقد أخطأت، لا اريد الموت، اريدكم ان تفهموني وتساعدوني، لقد ضاقت بي الدنيا"، إلا أنه عندما يأتي لكي يتراجع عن فعله ستقبض عليه الشرطة، وسينفذ عليه قانون حبس المنتحر، الذي وصفه ب(القانون المشوه)، وسيسجن ٦ شهور.
واكد، أن الشخص الذي حاول الإنتحار سيفكر كثيراً وهو يقضي مدة محكوميته خلف أسوار أحدّ سجون المملكة، وسيصل إلى قناعةٍ مفادها، أنه اذا اراد الانتحار مستقبلا، فعليه أن ينتحر بمكان خاص، أو أن يقفز ريكمل انتحاره من غير تردّد، وسيؤمن أي الشخص الذي يحاول الإنتحار بأنّ المسؤولون في بلاده، لا يرغبون بمساعدته إنما يردون منه هم فقط عدم الانتحار عبر (الترهيب) والعقاب.
واشار إلى أن الذي حاول الإنتحار سيتساءل، "لماذا لم يجلسوا معي محاولين معرفة ان كنت مريضا ام لا؟
ولماذا لم يهتم أحدٌ في بَلدي بصحتي النفسية، ولماذا نلجأ دائماً إلى العقاب والعقاب، أين الحب و الاحتواء والمساعدة؟".
واوضح أن النتيجة ستكون بالتأكيد، "فشل القانون بمنع الانتحار، زلا أنه جَعَل من يفكر بالموت منبوذا ومرفوضا وموصوماً بالجرم او بالجنون او بهما معاً."
لماذا العِقاب لا العلاج والإحتواء؟!
مختصون في مجال العلاقات العامة، قالوا في حديث لهم مع" التاج"، إن القائمين، على تشريع القوانين ومراقبتها وتنفيذها في الدولةِ الأردنية، بات واضحٌ للجميع أنهم يلجأون إلى سياسة" التخويف"، أو ما يُعرف ب"الإستمالات الترهيبية"، وقد كان ذلك جلياً في الكثير من القوانين المقرّة.
وبينوا أن الإستمالات العاطفية في عمليات الإقناع يجب إستخدامها وفق مقتضى الأمر، وطبيعته، حيث لا يمكن استخدام الاستمالات العقلية المنطقية في حدث عاطفي، والعكس صحيح، إلا أنّ الدولة ممثلةً بكافةِ المعنيين لجأت لإستكالات محدودة مراراً وتكراراً ومن غير نتيجة فعالة، وفرض غرامات مالية باهظة على الزامية ارتداء الكمامة واستخدام أسلوب الترهيب، بدلاً من الحوار العقلي التثقيفي لأهمية إرتداء قناع الوجه لم يؤتي ثماره أبداً.
واشاروا إلى أن الاقناع اليوم عبر مختلف اساليبه يعتبر أداةً أساسية لا يمکن الاستغناء عنها في المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، في اوقات الرخاء والاستقرار، وفي الاوقات الحرجة والمشکلات، وعلى ضوء متغيرات العصر وما وصلت إليه الوسائل من تطور تکنولوجي شمل اوجه الحياة والعديد من الوسائل.
واوضحوا أن الإقناع هو عملية تهدف إلى تغيير موقف أو سلوك شخص أو مجموعة أشخاص اتجاه حدث معين أو فکرة، وهو من أهم فنون الحياة، ومهارة توضيح الافکار وايصال المعلومات والعمل على التجانس والتفاهم المنشود، وللوصول إلى ذلك ينبغي توظيف العديد من الأساليب الإقناعية بعناية؛ لأن الاستعمال المبالغ فيها يمکن أن ينفر الجمهور المستهدف، وقد اتاح عصر التکنولوجيا المزيد من الانفتاح والمنافسة بجميع الأساليب الإقناعية، مما ادى إلى التأثير على مختلف الوسائل، مستخدمة في ذلك جملة من الدال والمدلولات الرمزية بشتى أنواعها؛ انطلاقا من الاساليب العقلية والعاطفية التي تهدف إلى استمالة المتلقي أو إستهوائه.
مطالبٌ شعبية
وعلى إثر اقرار القانون، وتجريم محاول الإنتحار، بالسجن والغرامة، طالب مواطنون على صفحاتهم الشخصية، عبر مختلف منصات التواصل الإجتماعي، طالبوا الجهات المعنية ممثلةً بالسلطةِ التشريعية باعادة النظر في القانون، بنوده، وتجريم محاول الإنتحار في مكانٍ عام.
ودعوا الى الإلتفات بشكل سليم الى المسببات الرئيسية في اللجوء الى الإنتحار، مثل، ارتفاع معدلات البِطالة، والمشاكل الأسرية، والضغوط النفسية، وامراض الإكتئاب وغيرها.
واكدوا على ضرورة تفعيل الدور التوعوي التثقيفي في ما يخص المرض النفسي، أسبابه وكيفية علاجه، وضرورة إنهاء الوصمة الإجتماعية المتعلقة بمن يعاني من أمراض النفس، باستخدام كافة الإمكانات المتاحة.