تكنولوجياعربي دولي

كيف تحول ماسك “بطل غزة”

التاج الإخباري – وجد الملياردير الأميركي إيلون ماسك نفسه، أو ربما أوجد نفسه، لاعباً محورياً في حرب القطاع. البعض يقول إنها طبيعة ممتلكاته، إذ يملك منصة “إكس” (تويتر سابقاً) وكذلك شركة “سبايس إكس” صاحبة مشروع “ستارلينك” الذي بات عربياً وفلسطينياً اسماً مرادفاً لكلمات كثيرة مثل “أمل” و”عطاء” و”هواء”، وفي أقوال إسرائيلية “إرهاب” و”منع” و”ضرورة حجب”

“الحجب” على وقع حرب القطاع سمة الصراع الدائر على أثير العنكبوت، وهو صورة طبق الأصل من الحرب الدائرة على الأرض، لكن التراشقات تجري بالآراء، والطعنات بالنعوت، والمبارزات بالأخبار والفيديوهات والصور غير الموثقة أو المؤكدة. وجزء من الحرب الافتراضية تدور بين المستخدمين من جهة، لا سيما الواقفون على الجبهة الداعمة لغزة، ومنصات التواصل الاجتماعي نفسها والقيود والقواعد التي وضعتها بغرض “الحد من خطاب الكراهية وغيره من المحتوى المزعج من جهة أخرى”

الحجب الجزئي

“الحجب الجزئي” أو Shadowban المطبق بضراوة لا سيما على المستخدمين المؤيدين والمتضامنين والمدافعين والمتعاطفين مع الجانب الفلسطيني في الحرب الدائرة تظهر آثاره واضحة جلية على منصات أكثر من غيرها. في الحجب الجزئي، لا يجري حظر المحتوى عبر الطرق التي صارت تقليدية، فلا يتم إخبار المستخدم علانية منعه من استخدام منصة ما، أو تتم إزالة محتوى بعينه، إنما الحجب هنا يكون مفاجئاً للمستخدم، إذ يكتشف بالصدفة أنه يتحدث إلى فراغ

السبب المعلن، لا سيما من قبل “فيسبوك” عبر الشركة المالكة “ميتا” سام وعظيم، لكن ملايين المستخدمين يشكون من أن أسس وقواعد وأسباب حجب المحتوى المتضامن مع غزة وأهلها يفتقد الشفافية، وربما يساء استخدامه لترجيح قضية طرف على حساب قضية الآخر

وآخر ما كان تتوقعه شعوب الـ”سوشيال ميديا” بمختلف جنسياتها أن تحول حرب القطاع الملياردير إيلون ماسك إلى ما يشبه “بطلاً مغواراً” و”منقذاً مقداماً” للفلسطينيين في حرب القطاع

حرب موازية

حرب القطاع لا تشهد فقط قصفاً وتهجيراً ودكاً ومأساة إنسانية، ومفاوضات سياسية متعثرة وتحالفات استراتيجية متكتلة وأخرى أمنية بالغة التعقيد، لكنها تشهد حرباً موازية على أثير الـ”سوشيال ميديا” لا تقل ضراوة، أو تختلف كثيراً في شعور كلتا الجبهتين بوقوع ظلم عليها، ووجوب تضامن العالم معها لتقليم أظافر، وحبذا كبح جماح الجبهة الأخرى للأبد

شعور عارم لدى المستخدمين العرب والمؤيدين للجانب الفلسطيني في هذه الحرب بأن معايير مزدوجة يتم تطبيقها لتقييد المحتوى لصالح إسرائيل على منصات أبرزها “فيسبوك” و”إنستغرام”. وعلى رغم نفي مسؤولي المنصتين لأية تحيزات، فإن لغة الأرقام تقول إنه تم حذف ما يزيد على 795 ألف منشور من على “فيسبوك” و”إنستغرام” أيام السابع والثامن والتاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو سبعة أضعاف ما كان يتم حذفه من قبل “ميتا” يومياً قبل اندلاع حرب القطاع

بيان صادر عن “ميتا” قبل أيام أشار إلى أن الأحداث الحالية أدت إلى ضخ كم غير مسبوق من المحتوى باللغتين العربية والعبرية لتواجه المنصات تحدياً كبيراً لم تحسب حسابه، لا سيما أن الخوارزميات والبرمجيات مجهزة في الأساس للتعامل مع المحتوى باللغة الإنجليزية

بيان “ميتا” أشار إلى مسارعة الشركة إلى إنشاء مركز للعمليات الخاصة، يعمل فيه خبراء لغتهم الأصلية العربية وكذلك العبرية، وذلك لحذف المحتوى الذي ينتهك المعايير والإرشادات المحددة من قبل الشركة، وذلك لمواجهة المعلومات المضللة أو التي تحض على العنف والكراهية

شهادات المستخدمين

شهادات كثير من المستخدمين الواقفين على جبهة غزة رأوا في “المعايير” المطبقة في الحذف ما يدعم إسرائيل فقط. في تلك الأثناء، برزت “إكس” (تويتر سابقاً) كمنصة “محايدة” من وجهة نظر فلسطينية، “متحيزة” من وجهة نظر إسرائيلية، كما بزغ اسم ماسك مرتبطاً بعرفان وتقدير فلسطينيين، وبشجب وتنديد إسرائيليين على خلفية حرب القطاع

حرب القطاع منذ اندلعت شهدت أو أدت أو اشتملت ضمن مخططاتها على قطع للإنترنت. وكان أخطرها وأفدحها في الأيام الأخيرة في شهر أكتوبر الماضي، حين انقطعت غزة عن العالم، وانقطع عنها العالم. فوجئ الجميع بانقطاع الإنترنت والاتصالات الأرضية والهوائية عبر شبكتي الاتصالات الرئيستين، “جوال” و”أوريدو”. الشركتان أعلنتا انقطاعاً كاملاً لخدماتهما في قطاع غزة بأكملها نتيجة القصف الشديد، وهو ما أكدته المنظمات الأممية العاملة أو التي لديها من يمثلها في غزة والتي أعلنت فقدان الاتصال بموظفيها ومندوبيها بشكل كامل في القطاع

“معمول في العمليات العسكرية”

وبعيداً مما قاله مسؤولون إسرائيليون سئلوا عما إذا كانت تل أبيب وراء قطع الإنترنت، أو أن القطع متعمد، وتراوح الردود بين “قطع الاتصالات عن العدو أمر معمول في العمليات العسكرية” أو رفض الرد، انفصلت غزة عن العالم باستثناء بضع أفراد لديهم هواتف متصلة بشبكات أجنبية، أو شرائح اتصال إسرائيلية، كان ماسك الشخص الوحيد في العالم الذي أعلن عن مبادرة لإعادة الاتصال لغزة!

اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

غرد ماسك على منصته “إكس” بأن شبكة الاتصالات الفضائية “ستارلينك” التابعة لشركته، ستدعم الاتصال بمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في غزة، وذلك في الـ28 من أكتوبر الماضي بعد سويعات من انقطاع الإنترنت. وكانت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكاسيو كورتيز قد وصفت قطع جميع الاتصالات عن سكان يبلغ عددهم 2.2 مليون نسمة بـ”غير مقبول”. ورد ماسك عليها بتأكيده أن “ستارلينك” ستدعم الاتصال بمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في غزة

انقسمت الملايين من المستخدمين بين مهللين فرحين بمبادرة ماسك التي حددها بشكل واضح وصريح باقتصار دعم الاتصال على منظمات الإغاثة المعترف بها، وشاجبين غاضبين للقرار باعتباره سيصب في صالح “حماس”، وأن عودة الاتصال حتماً ستخدم الإرهاب والإرهابيين

إسرائيل ترفض

في اليوم نفسه، خرج وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارعي على منصة “إكس” ليؤكد أن إسرائيل ستستخدم “كل الوسائل المتاحة لها” للرد على إعلان ماسك بتقديم خدمة “ستارلينك” الفضائية لمنظمات إغاثة في القطاع، مشيراً مجدداً إلى أن “حماس” ستستخدم الاتصال الذي ستتيحه “ستارلينك” في أنشطة إرهابية، وأن ماسك يعرف ذلك، “حيث حماس هي داعش”

وأضاف أنه ربما يكون ماسك على استعداد لوضع شرط لذلك، وهو إطلاق سراح “أطفالنا وأبنائنا وبناتنا وكبار السن المختطفين. كلهم!”، موضحاً أنه إلى أن يتحقق ذلك، فإن مكتبه سيقطع أي علاقات مع “ستارلينك”

وجرت مياه كثيرة تحت جسر تعهد ماسك بإعادة الاتصال بالقطاع عبر منظمات الإغاثة المعترف بها دولياً، وعلى امتنان الجبهة الفلسطينية والداعمة لغزة له وغضب الجبهة الإسرائيلية والمعتنقة مظلوميتهم من جهة أخرى، وضلوع ملايين المستخدمين على خط تنصيب ماسك بطلاً مغواراً مسانداً لغزة في حرب القطاع، وانخراط ملايين أخرى في شيطنته، لكن ما بقي هو تنصيب ماسك صديقاً لأهل غزة في حرب القطاع، والعكس صحيح على الجانب الإسرائيلي

جاذبية وسحر

وأضيفت هالة من الجاذبية والسحر لماسك بعدما بدأ البعض يتداولون الفكرة من مشروع “ستارلينك” في الأساس، وهي توفير خدمات الإنترنت عبر شبكة ضخمة من الأقمار الاصطناعية، لا سيما لمن يعيشون في المناطق النائية وغير قادرين على الوصول للإنترنت عالي السرعة. وعلق كثر عليها بأنها فكرة “سامية” أو “راقية” أو “إنسانية”

ربما يحمل الداعمون لغزة وأهلها في الحرب ماسك وموقفه أكبر مما يحتمل. وربما فكرة إعادة الاتصال لغزة عبر “ستارلينك” لم تكن ممكنة أصلاً، نظراً إلى حاجتها إلى محطات أرضية، وهو ما يتطلب الحصول على موافقات وغيرها من الأمور العصية على التنفيذ في ظل الحرب الدائرة، لكن يبقى الشعور الشعبي لدى داعمي الجانب الفلسطيني بأن ماسك ومنصته “صديق غزة” وأن “إكس” هي الأقل انحيازاً للمحتوى الإسرائيلي على حساب فلسطين

على منصة “إكس”، غرد “مركز هامبتون الأميركي” (مؤسسة فكرية تعمل على تشكيل وعي الطبقات العاملة) قبل أيام بهذه التغريدة، “إنستغرام وفيسبوك يحجبان التدوينات التي تتطرق إلى التاريخ الواقعي لإسرائيل وفلسطين، ويخفيانها أحياناً تحت بند (صعوبة تقنية)”

تغريدة ومطالبات

التغريدة وغيرها كثير من تعليقات المستخدمين العاديين وكذلك تقييمات ومطالبات مؤسسات ومنظمات حقوقية وبحثية تندد بما يسمونه “حجباً” أو “تضييقاً” أو “انحيازاً” أو “معايير مزدوجة” لصالح إسرائيل على أثير التواصل الاجتماعي، ويذكر أسماء “فيسبوك” و”إنستغرام” على وجه التحديد. أما “إكس” فقلما تذكر إلا في سياق المطالبة بحذف المحتوى الداعي أو المبجل لـ”الإرهاب” و”الإرهابيين”!

منظمة العفو الدولية أصدرت بياناً مطولاً قبل أيام طالبت فيه شركات وسائل التواصل الاجتماعي بالتصدي السريع لانتشار الكراهية والعنصرية على الإنترنت. وساوت في المطالبة حيث الحماية مطلوبة لكل من المجتمعات الفلسطينية واليهودية. وعلى رغم الإشارة إلى خطورة “المنشورات المعادية للسامية” و”ضد الشعب اليهودي”. وخص البيان بالذكر في هذا الشأن منصة “إكس”

ومضى البيان ليحذر مما يجري على منصات أخرى من تعتيم تام وحظر خفي للمحتوى الفلسطيني، والإفراط في السياسات الإشرافية على محتوى الحسابات الفلسطينية والمدافعين عن حقوق الفلسطينيين على عديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي

رموز “إرهابية”

يشار إلى أن “ميتا” اعتذرت قبل أسابيع قليلة عن إدراج كلمة “إرهابي” في ترجمات الملف الشخصي على “إنستغرام”، والتي تحوي كلمتي “فلسطيني” و”الحمد لله” والرموز التعبيرية للعلم الفلسطيني

على جانب “إكس”، جاءت مشاركة ماسك قبل أيام في حوار على منصته تحت عنوان “إلى أين تتجه حرب إسرائيل – حماس؟ هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى الحرب العالمية الثالثة؟” لتقوي موقفه كصاحب رأي يبدو منطقياً وكذلك واقعياً. وعلى رغم تأكيده أنه يحب السلام بكل تأكيد، لكن يعي كذلك أن الحرب أحياناً تحدث، فإنه حذر من وضع عالمي فيه صراعان كبيران محتدمان (روسيا في أوكرانيا وإسرائيل في غزة) وعداد القتلى الكبير على كل الجبهات، وما يمكن أن ينجم عن الاستمرار في ذلك، كما تطرق إلى المآسي التي تحدث على مستويات فردية، وعلى مستويات المجتمعات، لكن على العالم أن يعي أخطار المأساة الفادحة التي قد تلحق بالحضارة نفسها إن تركت الصراعات تمضي إلى حيث تمضي حالياً

قواعد التضييق

وتمضي منصات الـ”سوشيال ميديا” في تطبيق قواعدها التضييقية على ما تعتبره أو تصنفه خوارزمياتها “يحض على الكراهية أو العنف أو الإرهاب”، ومعظمها يقصد به المحتوى المتصل بـ”حماس” وكذلك “حزب الله” أو المؤيد لهما، وهنا تضيع الخطوط الفاصلة حيث مأساة أهل غزة تدفع الثمن حجباً وحظراً وحذفاً، لكنها أكثر وجوداً على “إكس”

عقب اندلاع حرب القطاع، حذر الاتحاد الأوروبي شركات التواصل الاجتماعي من عقوبات قانونية في حال لم تحذف أي محتوى مؤيد لحركة “حماس”. واختص الاتحاد ماسك برسالة تحذيرية من أن “منصة إكس قد تستخدم لنشر معلومات مضللة مرتبطة بالهجمات”، كما خاطبه مسؤول بارز في الاتحاد بأن “المحتوى العنيف والإرهابي” الذي ينتهك القواعد لم تتم إزالته كما يقتضي قانون الاتحاد على رغم التحذيرات. الاتحاد الأوروبي لم يحدد الانتهاكات التي يشير إليها، لكنه قال إنه يتم حذف الحسابات التي جرى تدشينها في الأيام الأخيرة والتابعة لحركة “حماس”

مثل هذه المراسلات ترفع أسهم ماسك لدى مناصري غزة. ومعها بعض من تغريداته التي لا تشير بشكل مباشر إلى غزة، لكنها حمالة أوجه يحلو لداعمي غزة أن يختاروا الوجه الذي يروق لها. حملت إحدى تغريداته الأخيرة مقولة للروائي وعالم الكيمياء الأميركي من أصل روسي إسحاق عظيموف الذي يعاود ماسك تأكيد أثر كتبه الكبير فيه، “ليست هناك أمم، فقط توجد إنسانية. ولو لم نفهم ذلك قريباً لن تكون هناك أمم، لأنه لن تكون هناك إنسانية”

المقولة تلقفها كثير من مستخدمي “إكس”، وجرى تناقلها مصحوبة بتفسير أصحابها بأن ماسك على الأغلب يعني بهذه المقولة ضرورة إنهاء الحرب الدائرة في غزة”. ربما قصد ذلك، وربما غرد بمقولة ضمن مئات المقولات التي يغرد بها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى