مقالات

الجدل حول “الأردنيات” .. زوبعة في فنجان

التاج الإخباري – د طلال الشرفات

الحرب التي تدور رحاها في كل مكان حول ورود كلمة “الأردنيات” في التعديلات الدستورية هي حرب وهمية سواءً ببقاء تلك الكلمة أو زوالها باستثناء التشويه اللغوي الذي أربأ بالدستور عن حمل مضامينه، سيّما وأن الأثر القانوني والدستوري واحد؛ لأن كلمة الأردني تشمل الذكر والأنثى، وتعطي ذات الأحكام والأثر ولكن ما ورد في النص لا أخاله أكثر من مجاملة جندرية صنعت كل هذا الجدل الذي لا طائل منه.

المساواة التي قصدها الدستور ليست مساواة جنسية في الأعداد والأوصاف والناتج، لكنها مساواة في التمكين القانوني في المواقع، والمراكز القانونية؛ بل أن التشريعات الحالية تمارس التمييز الإيجابي لصالح المرأة في “الكوتا” النيابية، وحقوق المرأة، والضمان الاجتماعي، وتشريعات أخرى كثيرة وتلك مسألة يجب أن لا تغيب عن المرأة وكل المدافعين عن حقوقها والمنافحين عن تمكينها في كل صعيد أو مقام.

مظلومية المرأة التي يتصدى لها بعض المؤمنين بدورها وغيرهم ممن يظنون أن ركوب موجتها هي إحدى سبل الوصول إلى مركز القرار، أو خطب ودّ النساء والسفارات ومنظمات دولية لها ما لها، وعليها ما عليها. أقول تلك المظلومية المصطنعة في أغلبها، والوهمية في جوهرها يجب أن تقف عند حدّ؛ لأن الدستور الأردني مكّن المرأة، وشرّع لإعطائها حقوقها على قدم المساواة مع الرجل أما المطالبة بتغيير ثقافة المجتمع تجاه دور المرأة فينطلق من المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية وليس من خلال صناعة نصوص تشوه الفهم العام للحقوق؛ سيّما وكما قلنا أن الدستور الأردني والتشريعات مكّنت الجو العام لممارسة تلك الحقوق على قدم المساواة مع الرجل.

في ظني؛ الذين يعارضون تجنيس أبناء الأردنيات ينطلقون من اعتبارات سياسية محضة، وليس امتهان لدورها أو هضماً لحقوقها وحتى الحلول التي قدمتها الحكومة انطلقت من مبدأ التوفيق بين الاعتبارات الإنسانية، والمخاوف السياسية سيّما وأن الأردن بلد مستهدف وله أعداء في الداخل والخارج على حدٍ سواء، والحكمة السياسية التي ترافق تلك القرارات تدرس بعناية ومن أبسط حقوق الوطن على أبنائه تفهّم إجراءات الدولة في الملفات ذات الحساسية المفرطة دون جدل قد يؤثر سلباً على مقومات السلم الأهلي والعيش المشترك.

لعل الإيغال في طرح ملف المرأة في المشهد العام دون حاجة أو مناسبة موضوعية يتطلب مراجعة صريحة وموضوعية لمضامين ظلم المرأة، أو مظاهر التقصير في تمكينها إلا إذا كان الهدف تمجيد القيم وتبنيها لا سيما تلك السلبية المعلبة والقادمة إلينا ممن لا يرعى فينا إلّاً ولا ذمة، والمرأة التي تشكل لنا الأم، والأخت، والزوجة، والإبنة تستحق منا أن نصونها بالمنطق، ونرعاها بالوفاء بعيداً عن استحضار أدوات الصراع، ومضامين التحدي الذي لا يليق بمجتمع متجانس ومنسجم كما نعيشه نحن الآن.

النضال الجندري نضال مشروع عندما يكون له ما يبرره، والتعديلات الدستورية وما رافقها في مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب قد أمعنا في ممارسة التمييز الإيجابي للمرأة تمكيناً لها في ظل ثقافة اجتماعية ما زالت تتخذ منحىً ذكورياً في المشاركة السياسية وحتى من المرأة نفسها، وسواء بقيت كلمة الأردنيات أو أزيلت فإن حق المرأة مصان، والفضاء الدستوري وسعها بكل أدوات التحضر والاهتمام وبما ينسجم مع المعايير الدولية.

وطننا الحبيب يستحق منا فسحة هدوء نراجع فيها أولوياتنا بعيداً عن التشكيك والاتهام ورفض الآخر، والشعوب التي لا تكون متيقظة للمؤامرات والاحتقان الضّار هي شعوب تائهة تجلد أوطانها بأسواط الغير، وتصبغ أقدارها بألوان داكنة حزينة، ويبقى الرهان على شعب أبيّ إلتف حول مليكه بوفاء، ووضع مصلحة وطنه بين الرمش منه والعين.
اللهم آمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى