ثقافة وفن

سؤال عن “فتنة الجرائم”… “سفاح الجيزة” على الشاشة

التاج الاخباري – منذ التحضير لمسلسل "سفاح الجيزة" من بطولة أحمد فهمي وباسم سمرة وإخراج هادي الباجوري، تسود حال من الترقب لأن المسلسل يتعرض لقصة حقيقية أثارت الرأي العام المصري وكانت سبباً في إثارة رعب المجتمع، فـ"سفاح الجيزة" هذا شاب يدعى قذافي فراج عبد العاطي عبد الغني، سقط بين أيدي أجهزة الأمن بعد خمس سنوات من جرائم القتل البشعة والنصب والاحتيال.

يتناول العمل، الذي يظهر أحمد فهمي بعيداً من الكوميدياً في شخصية إجرامية مركبة، رحلة "جابر" أو قذافي الذي يجسد الفنان شخصيته، والذي يتورط في أربع جرائم قتل، إذ ارتكب أول جريمة ضد أحد أصدقائه يدعى رضا وكان يعمل مهندساً في إحدى الدول الخليجية، فبعد أن اكتشف الضحية تعرضه للنصب من جابر الذي كان يرسل إليه الأموال خلال فترة عمله في الخارج قتله الأخير ودفنه وانتحل شخصيته.

ثم قتل قذافي زوجته بعد أن اكتشف أنها استولت على أمواله أيضاً، وكانت الضحية الثالثة فتاة وقفت عائقاً في طريق زواجه من شقيقتها، أما الضحية الرابعة فكانت سيدة اكتشفت حقيقته وتعرضت للنصب منه في مدينة الإسكندرية.

أن تحب مجرماً

أثارت الحلقات الأولى من المسلسل تعليقات الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف بعضهم بطل العمل، بسبب نقلته المفاجئة من الكوميديا إلى التراجيديا، بأنه قاتل متسلسل في الحقيقة إذ قد يغري دوره في المسلسل آخرين بارتكاب جرائم جديدة، فيما أكدت بعض التعليقات أن العمل يقدم رسالة تحذيرية للمشاهدين، وهي أن الإنسان قد يحمل أكثر من وجه، وأن من يقتلك قد يكون الأقرب إليك وأفضل أصدقائك.

بطل العمل الفنان أحمد فهمي تحدث لـ"اندبندنت عربية" قائلاً إنه كان يبحث عن عمل مهم وشخصية مختلفة لها أبعاد ومساحة من التمثيل تخرجه من إطار الكوميديا، وكان يفضل أن تكون هذه النقلة الفنية بتجسيد شخصية واقعية، وقد عرضت عليه فكرة "سفاح الجيزة" فتحمس لها جداً بخاصة أنه كان يتابع قصة هذا الشخص وتطورات القضايا التي كان متهماً فيها وكيف انكشفت الألغاز، وكانت قصة مثيرة جداً بالنسبة إليه.

وأشار فهمي إلى أنه لم يجسد أو يقلد الشخصية حرفياً، لكنه قرر أن يأخذ التفاصيل ويستنبط روحها ويجسدها، وقد قرأ كثيراً عنها، وكانت جلسات العمل نقطة مهمة لمعرفة تكوين وتطور شخصيته، والصعوبة الحقيقية التي واجهها كما يقول هي أن يجد مدخلاً نفسياً ليشعر بهذا السفاح ويصدقه ويحبه بالتالي يمكن أن يجسده، فالرجل الحقيقي بالتأكيد يحب نفسه ويبرر أفعاله، وعلى الممثل أن يظهر بهذه الحال حتى يمكن تصديقه.

وأكد بطل "سفاح الجيزة" أن النقلة من الكوميديا إلى شخصية مركبة وعويصة وحقيقية ودموية ومعاصرة كانت مجازفة كبيرة حرص على تنفيذها على رغم المخاطر، لأنه كممثل يريد أن يزيد من الشخصيات التي يمكنه لعبها ويصل إلى الجمهور بوجوه عدة وأدوار مفاجئة.

دماء على الشاشة

فهمي نفى أن تؤدي مسلسلات محاكاة الجريمة أو سير السفاحين إلى تزايد العنف في المجتمع، وقال "الجمهور واع جداً ويشاهد أعمالاً أجنبية في قمة الخطورة تستعرض تفاصيل عمليات قتل مروعة، ومع ذلك يدرك الناس جيداً أن هذا يدخل في نطاق المتعة الفنية والتناول الدرامي على رغم قساوة الحكاية ومعاناة ضحاياها".

ونبه فهمي إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين عرض الحكاية والتحريض على الجريمة، فهناك تناول درامي يتم بحرص وحنكة مع هذه النوعية من الأعمال، مؤكداً أنه استعان بطبيب نفسي ليفهم دوافع رجل مثل قذافي إلى القتل، ولماذا يغدر بأقرب الناس إليه بمنتهى الهدوء؟

ولفت أن الشخصية الحقيقية أثبت الطب النفسي أنها ليست مجنونة، ولكن بالتأكيد هناك خلل نفسي ودوافع منذ الطفولة جعلته يقبل على القتل بدم بارد وبدون تأنيب ضمير، وهذا تم تناوله بشكل درامي وهناك اسقاط على مراحل الطفولة وتشريح لعلاقته بأمه وأخوته وزملائه وكذلك حياته العاطفية.وأشار فهمي إلى أن جميع مشاهد مسلسل "سفاح الجيزة" كانت صعبة أثناء تصويره، بخاصة أنها عبارة عن قتل ودم ودفن وهي تفاصيل كانت كثيرة جداً أثناء التنفيذ، وتطلبت تدقيقاً كبيراً لتقديمها بشكل فني مميز، وقد حرص المخرج هادي الباجوري على أن يظهر العمل بطريقة متقدمة جداً وبتقنيات تستخدم في الأعمال العالمية".

وعن ردود الأفعال بعد عرض الحلقات الأولى، قال فهمي إن "الجمهور استقبل العمل بشكل جيد جداً فاق توقعات الجميع، وكانت أغرب التعليقات أن البعض شعر بالرعب من تنفيذ المشاهد بدقة متناهية، واتهمته هذه التعليقات بأنه من شدة التقمص ربما يكون سفاحاً حقيقياً خدع الجميع بالكوميديا، وهو ما فاجأه وأسرة العمل، لكنه في النهاية تعبير عن نجاح التحدي في الوصول إلى عمق الشخصية".

وحول إمكانية تقديم المسلسل في أكثر من جزء، أجاب أحمد فهمي "مسلسلات القتلة المتسلسلين والسفاحين بوجه عام تحتمل أكثر من جزء، وسيتم تحديد الموقف في المستقبل بعد عرض الجزء الأول المكون من ثمان حلقات، الذي استغرقت كتابته وتنفيذه عامين كاملين حتى يخرج بهذه الصورة".

أما المخرج هادي الباجوري فيقول إن "مسلسلات وأعمال السفاحين مثيرة جداً من الناحية الفنية، وتفتح شهية الصناع لما تحتويه من دراما وأكشن وتشويق، وهناك بالتأكيد جانب نفسي غالباً يكون هو الدافع الحقيقي لحوادث القتل الوحشية، واختيار قصة (سفاح الجيزة) كان لعوامل عدة، أهمها أنها عن واقعة حقيقية وأحداث شكلت لغزاً كبيراً، وكان بطلها مزوراً ومحتالاً وقاتلاً وحياته تحوي كثيراً من التشابكات المعقدة".

وأضاف الباجوري أنه يراهن على نجاح العمل لأن الجمهور أصبح شديد الشغف بالأعمال المشوقة، ولا يخشى فكرة أنها مقتبسة من قصص حقيقية.

وكشف عن أنه تشجع لتنفيذ هذه القصة تحديداً لأنها ستبث في منصة رقمية وحلقاتها لا تتجاوز ثمان حلقات، وتم التنفيذ بطريقة سينمائية، واختيار أحمد فهمي أيضاً، وهو بطل سينمائي بالأساس، للقيام بدور سفاح هو مغامرة جديدة ومهمة في صالح العمل، إذ رآه بشكل مختلف جداً بعيداً من الكوميديا، وكان أداؤه غير متوقع بالفعل مما خدم العمل، بحسب قوله.

"ريا وسكينة" المستعادة

مسلسل "سفاح الجيزة" ليس أول الأعمال المثيرة للجدل التي تستند إلى وقائع حقيقية، بل تناولت الدراما العربية كثيراً من تلك الأحداث والوقائع وكانت مادة خصبة على الشاشة، ومن أبرزها قصة السفاحتين الشهيرتين "ريا وسكينة" التي تم تناولها في عدد من الأعمال الفنية المسرحية والسينمائية والتلفزيونية والإذاعية.

تم تقديم القصة على سبيل المثال في مسرحية "ريا وسكينة" إنتاج عام 1922، وهي أول عمل فني عنها، وقد أنتجت بعد أشهر من تنفيذ حكم الإعدام، وهي من بطولة وإخراج نجيب الريحاني وشاركته بديعة مصابني، وتأليف بديع خيري، وحظيت وقتها بنجاح جماهيري كبير.

ثم جرى تناولها مجدداً من خلال فيلم بالاسم نفسه، إنتاج عام 1952، من بطولة نجمة إبراهيم وزوزو حمدي الحكيم وفريد شوقي وأنور وجدي وشكري سرحان، وبعده فيلم "إسماعيل يس يقابل ريا وسكينة" عام 1955، من بطولة إسماعيل ياسين ومعه أيضاً نجمة إبراهيم وزوزو حمدي وعبد الفتاح القصري ورياض القصبجى.

في الإذاعة تم تقديم قصة مستوحاة من حادثة ريا وسكينة في مسلسل إذاعي يحمل اسم "عودة ريا وسكينة" عام 1972، وهو من تأليف عبد الرحمن فهمي وشارك بالتمثيل يوسف شعبان ومديحة حمدي.

وفي عام 1983 تم تقديم فيلم آخر يحمل اسم "ريا وسكينة"، من بطولة شريهان ويونس شلبي وحسن عابدين، ثم تأتي المسرحية الأشهر التي تعد من أهم الأعمال التي قدمت عن القصة وهي مسرحية "ريا وسكينة"، من بطولة سهير البابلي وشادية وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير.

وعلى مستوى الأعمال التلفزيونية تم تقديم القصة في مسلسل "ريا وسكينة"، إنتاج عام 2005، وهو من بطولة عبلة كامل وسمية الخشاب، وتم تناول القصة الحقيقية للشخصيات والأحداث والوقائع استناداً إلى كتاب "رجال ريا وسكينة" للكاتب الراحل صلاح عيسى.

يعد فيلم "إحنا التلامذة" من أبرز الأفلام المأخوذة من قصة حقيقية لأربعة من الشباب قتلوا صاحب بار في منطقة وسط البلد بداية عام 1953، وتم تقديهم لمحاكمة عسكرية عاجلة حيث تم الحكم بإعدام اثنين والأشغال الشاقة المؤبدة للثالث، وسجن الرابع 15 سنة الذي كان ينتظر خارج البار للمراقبة. والفيلم من ﺇﺧﺮاﺝ عاطف سالم، وﺗﺄﻟﻴﻒ محمد أبو يوسف وكامل يوسف، وبطولة عمر الشريف وشكري سرحان ويوسف فخر الدين وتحية كاريوكا ونجوى فؤاد.

وقدم فيلم "السفاح" محاكاة فنية لقصة حقيقية عن سفاح قتل أسرة كاملة في حي المهندسين، وهو من ﺇﺧﺮاﺝ سعد هنداوي وﺗﺄﻟﻴﻒ خالد عكاشة وسيناريو وحوار خالد الصاوي، وبطولة هاني سلامة وخالد الصاوي وأشرف مصيلحي ونيكول سابا ونبيل الحلفاوي.

الواقع أكثر قساوة

حول اتهام الدراما التي تعبر عن السفاحين أو جرائم القتل بنشر العنف، وانتقاد البعض مشروعات فنيه من هذا النوع في الدراما العربية على رغم نجاحها في السينما العالمية وعبر المنصات الرقمية، يقول الناقد الفني طارق الشناوي "السينما والدراما مرآة المجتمع، وقد تكون هناك أعمال من خيال المؤلف فيها عنف كبير، لكن للأسف الأحداث الحقيقية والجرائم التي تجري في الواقع أكثر قسوة من الخيال".

ويتابع الشناوي "لا دخل للفن والتناول الدرامي أو السينمائي لشخصية مجرم أو سفاح بنشر مستوى العنف، والدليل أن قصة (ريا وسكينة) أشهر سفاحتين في التاريخ احترفتا القتل من دون أن تشاهدا عنفاً عبر دراما معروضة. والأعمال التي تعرضت لسفاحين وجرائم لم تشجع أي أحد على القتل، ولن يقلد الشخص أحداثاً عنيفة من فيلم أو مسلسل إلا إذا كانت لديه ميول قوية للعنف في الأساس".

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى