مقالات

لِنُصلِّ ..

التاج الإخباري –

كتب الأب نبيل حدّاد

منذ أن جاء هذا الفايروس الينا، توقَّفَت حياتنا عند كثيرٍ من التحوّلات والتغيّرات. ومنذ عام ونحن نعيش في زمنٍ ضعيفٍ. المجتمعاتُ تترنّح، ونحنُ كأفراد، صِرنا نشعر بالإنهاك. وكلُ ذلك السّلام الذي استمتعنا به من قبل، صار يبدو اليوم بعيداً. وفي ظلّ عدم اليقين وفي هذا الفراغ السائد، صارت كلمات الغضب تملأ الفراغ دقيقة بدقيقة. وكلّنا نريد أن ننهي معركتنا هذه ونهزم الوباء.

تظلّ الكنيسة، بما تمثّله من مكانٍ للقاء الروحي، وجهة تجتذب المؤمنين، يتحلقونَ حول مذبحها محتفلين بقداسهم ويصنعون ما أوصاهم به السيد المسيح. فيها تقام الخدم والطقوس. فيها يحتفلون فرحين بالإكليل والعماد، وفيها يودّعون أعزاءهم الرّاحلين. وعلى مدى العصور، ظلّ المسيحيون حريصين على الاجتماع معاً في كنائسهم، لأن السّيد المسيح يكون هناك بينهم “لأنَّهُ حَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أو ثَلاثَةٌ باسمي فهناكَ أكونُ في وسطِهِمْ”.

مع اقتراب موسم الصّوم الأربعيني، الموسم الأكرم في سنَتِنا الكنسيّة، الذي يبدأ هذه السنة في 15 آذار الحالي، لا غرابة في ان نرى قلقَ المسيحيّين عندما لا تتاح لهم الفرصة، في هذه الفترة بالذات، للدّخول الى كنائسهم، ليتمّموا فيها وصيةً جاءت في تشريعٍ للصّلاة الجماعية، التي تعتبر أكثر من مجرّد لقاء، وتتجاوز الصلاة الفردية، لكنّها بكلّ تأكيد لا تلغيها، كتجربةٍ للانفراد تشكّل فرصةً للتأمّل والاختبار في الصباح او في المساء او في أيّ وقت.

في هذا الزمن الذي أغرَقَنا في التّبعثر والحيرة الكورونية، ويكفي أن نتخيّل حسرة الأسر التي فقدَت أحباء لها بسبب الفايروس البغيض، نوجّه القلوبَ نحو السّماء ونحو القريب والجار والمحتاج، ويملؤنا الحرصُ على تحقيق التّباعد الجسدي المطلوب، والتقيّد بالنّصائح والتّعليمات والتّوجيهات بشأن التّجمّعات. ونتذكّر أنَّ ما يزيد في انتشار هذا الوباء، هو هذه التجمّعات.

نفرح في إقامة الخدم الجماعية والصلوات في الكنائس، لكنّ الحالة الحاضرة تستدعي أن نُسهِم في خدمة الصالح العام وحماية المجتمع والآخرين من خلال حماية أنفسنا. فجائحة كورونا أحالت مجتمعاتِنا ومدنَنا الى مدن يحرقها الفايروس، وخير وسيلة للمساهمة في إخماد نار هذا الوباء هو الحرص على التباعد وعدم إيذاء الآخرين، بنقل العدوى إليهم، وأن نعمل ما بوسعنا لمساعدة الجيش الأبيض، الذين يصِلُون الليل بالنهار لإنقاذ حياة من أصيبوا. وأقل ما يطلب منّا هو عدم تعريض أنفسنا أو الآخرين للخطر، واللجوء الآن إلى الصلاة البيتية “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً.” ولأن السّماء هي عرش الله والأرض ـ كلّ الأرض ـ هي موطئ قدميه، نحن قادرون في هذه الحالة الطارئة المؤلمة، أن نصلّي حيثما وُجدنا وفي أيّ بقعة من هذه الأرض التي خلقها الله.

حمى الله الجميع ويسّر لأُولي الأمر كلّ الامكانات لحمايةِ مجتمعِنا ومواطنينا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى