أخبار الأردناهم الاخبار

أحمد ابو خليل: ناهض حتر.. يساري بمواصفات أردنية

التاج الإخباري – عدي صافي 

تحدث الصحفي الأردني أحمد أبو خليل في منشور له على صفحته الشخصية عبر الفيسبوك عن مداخلته خلال  الندوة التي أقيمت يوم امس بمناسبة الذكرى السادسة لاغتيال ناهض حتر. 

وقال ابو خليل إن ناهض غاب عنا منذ ستة أعوام، واللافت للانتباه فيها، أنه لا يزال يستحضر ولكن الأكثر جدارة بالملاحظة أنه لا يستحضر من قبل رفاقه أو شركائه في الفكر فقط، بل أيضا وبشكل مثير، من قبل طيف واسع: فتجد حضوره ينمو عند قوميين وإسلاميين ووطنيين من الجيل الجديد، فضلا عن اليساريين من شتى المشارب التنظيمية.

واوضح ان هنالك وبالطبع خصوم لناهض ولفكرته لا زالوا مواظبين على خصومتهم، وهذا "على حدِّ وصفه" لا يضير ناهض اليوم مثلما لم يكن يضيره في حياته، كان في أعماقه يحمل احتراما لخصم يحمل فكرة جدية، مع أنه كسياسي كان يخفي ذلك ويمارس الخصومة على أشدها وبأقسى صورها.

واشار الى ان استحضار ناهض في تقديره لا يعود لحادث اغتياله فقط، مع أن الاغتيال في بلدنا بصفته حدثاً نادراً، يثير الاهتمام. لكن ما يهمني الإشارة إليه هو استحضار الأفكار الخاصة التي حملها ناهض. 

ودعا ابو خليل قراءه إلى السماح له أن يقول إن أفكار ناهض فيما يتصل بالصراع الاجتماعي الوطني تحضر أحيانا أكثر من ناهض نفسه، وأنه يعرف كثيرين يودون لو أن تلك الأفكار ليست لناهض كي يدافعوا عنها. 

واعتبر ان هذا يعتبر أمر مثير ونادر، ويحتاج لقراءة من زوايا علم النفس الاجتماعي، ولكنه مفهوم في سياقه وزمنه. جازماً أن ناهض سوف لن ينزعج من ذلك كثيرا.

وفسّرَ الظاهرة في حديثه، أي ظاهرة الحضور المتنامي لناهض وفكره، التي لا يشترك بها مع كثيرين، فهناك بالطبع في بلدنا مناضلون ذوي مكانة رفيعة ويحضون باحترام كبير، وقد يتفوق بعضهم على ناهض في الحضور العام، وهناك مثقفون كتبوا وقدموا أفكارا هامة، لكنها بقيت إلى حد كبير في مكانها، وإذا استحضرت، فمن دون هذا الكم من الحيوية التي يتميز بها حضور أفكار ناهض لم يكن منفردا لكنه صاحب حضور خاص.

وقال:"في بحثي في الأرشيف، عثرت على مقالة لناهض نشرت في عام 1975 وحينها كان في الخامسة عشرة من عمره، أرسلها إلى بريد القراء في صحيفة "الرأي"، والمقالة بسيطة وعاطفية، لكنه يختمها بكلمات يقول فيها حرفيا: وهذا عهد مني أن أنذر نفسي منذ الآن  للوقوف بجانب الضعفاء، ولمهاجمة الظلم، ورفع لواء العدل والحق".

من المرجح أن ذلك كان قبل دخوله زمن العمل السياسي الحزبي. فالمقالة تخص حادثة معينة لشخص قريب له وقع عليه ظلم، وأراد ناهض أن ينتصر له." 

وذكر ان ناهض قال له ذات مرة إنه في فترة فتوته، كان يهيم حبا بالأردن؛ الجغرافيا والطبيعة، ثم الناس في مرحلة لاحقة، وأنه كان يتجول وحيدا في مواقع كثيرة يتعرف عليها وعلى طبيعتها، ويكتب الأشعار فيها، وفيما بعد عندما عملنا معا في الكتاب المشترك "المعزب رباح.. مداخل إلى تراث الانتاج الفلاحي البدوي وتقاليد الغذاء في الأردن"، أدركت ذلك، فقد أمضينا ثلاث سنين تقريبا في (وهنا أقتبس مما كتبه في مقدمة الكتاب): "الحوار بين المؤلفين، وفي الواقع بين منهجيتين؛ الأولى تشده الى الإطار العام للأطروحة التي طورها ناهض حتر حول التكوين الاجتماعي السياسي الثقافي للأردن الحديث، وتنسرح به الثانية إلى الحساسية الأنثروبولوجية التي طورها احمد أبو خليل في اكتشاف المثير في المرويات الشفوية الشعبية والحرص على لغتها الأولى". واليوم أدرك أكثر اهمية فكرة ناهض وقوتها." 

واوضح ان ناهض بنى علاقته بالوطن والشعب بطريقة مختلفة عن السائد في ذلك الزمن، وأرجو ان يعذرني الأصدقاء الحزبيون من شتى التيارات. فقد كان السائد بالإجمال في عقد السبعينات والثمانينات على الأقل، أن حب الوطن يأتي بشكل تالٍ لحب الحزب والتنظيم. لقد تعرفنا على التنظيم والنظرية والأفكار، ثم اتجهنا إلى وطننا وشعبنا نتعرف عليهما، ولقد ارتبطنا بالحزب أكثر من ارتباطنا بالوطن الذي ينتمي إليه الحزب او بالشعب الذي يعمل الحزب فيه ويناضل.

وتابع، "مرة أخرى، لا أريد أن أزعم تفرد ناهض، ولكني أصر على خصوصية تجربته، وبالمناسبة، فأنا على المستوى الشخصي، كنت على خلاف شديد، وعن بعد، معه ومع أفكاره، فقد كنت حزبيا بالدرجة الأولى، وكانت أولويتي التنظيم، فيما تدل تجربته على أنه كان يبحث ويهتم ويمارس حياته السياسية في سياقات أخرى. كنا نبحث عن الفلاح والعامل والشعب والكادحين كما قرأنا عنها في الكتب، بينما كان ناهض، كما تبين فيما بعد، مهتما بالفلاح الأردني والبدوي الأردني والمدني أو شبه المدني الأردني، كما هم في الواقع. وحتى في ميدان الصراع القومي مع العدو الصهيوني، انتبه ناهض إلى الموقف الشعبي الحقيقي، بنقاط ضعفه وقوته، وركز على فهم حضور المعركة مع العدو في جوهر كيان الدولة."

واضاف،" لهذا السبب، في تقديري، تمكن ناهض من التماسك أكثر منا، (على الأقل اتحدث هنا عن نفسي) في عقد التسعينات وما تلاه، ففي حين صدَمَنا مصيرُ مشروعنا، وانقسمنا بين مرتبك ومهزوم ويائس ومكابر ومواظب مخلص أو مدع… واصل ناهض بحثه في مجتمعه وناسه، وفي مستجدات الصراع مع العدو القومي والوطني، بعد معاهدات السلام. لقد خاض ناهض معاركه الرئيسية في عقد التسعينات وما تلاه، مع السياسات الاقتصادية الجديدة ومع ممثلي منهج الخصخصة داخليا، وبيع الأوطان والاستسلام أمام العدو خارجيا."

وقال:" تعالوا نلقي نظرة سريعة، فناهض الذي بدأ عاشقا لوطنه، ثم تعرف على التنظيم، أقصد الحزب الشيوعي الأردني، وأقام علاقة خاصة معه، ثم انخرط في تثقيف نفسه والتسلح بعلوم السياسة والمجتمع، عن طريق الدراسة المنتظمة، فكان يستخدم المفردة العلمية بدقة، وتمكن بذلك من الانتقال بين هذه العناصر: المجتمع والشعب والحزب والعلم والنظرية، وصنع علاقة حيوية عرفناها جميعا فيه.

وبالنسبة للكاتب فانه كان قد بدأ اكتشاف ذلك عند ناهض في حياته، وقد قال علنا أنه انتزع احترامه منه رغما عنه، وقد اقترح عليه علاقة خاصة؛ بحكم انه كان شجاعا ومقداما وفق نظرته، ولكنه كان صعبا كي لا يقول قاسيا،ولطالما تشاجرا،ولعل أكثر ما يتأسف له، وقد قال له ذلك أكثر من مرة، أنه لم يتح المجال امام اصدقائه من الشباب أن يكونوا شركاء مساهمين ومطورين للأفكار التي يقدمها، وأن يترك لهم هامشا يميزهم.

واكد أن ناهض لم يمَكّنه انخراطُه في العمل السياسي وفي المعارك السياسية المباشرة وحرصه على تحقيق نتائج مباشرة وآنية، من أن يحتمل التردد والنقاش أحيانا من قبل أصدقائه الشباب خاصة وربما لعب دورا في ذلك، فرقُ الخبرة والتجربة والعلم والدراية، كما لعبت دورا حاجة ناهض الى المناورة وإقامة علاقات قد تبدو مثيرة ولكنه أثبت أنه كان حريصا على استثمارها لمصلحة مشروعه من دون تنازلات جوهرية.

وختم حديثه بقول:"ربما كان يفترض أن يكون ناهض جزء من تجربة أوسع وحركة فكرية وطنية أشمل، فيجد مكانه فيها مبادرا وخلاقا.. ولعل هذا يقع في صلب مهمة الجيل الجديد الذي يستحضره بقوة ومحبة.
أيها الأصدقاء، ناهض يستحق لأن أوطاننا تستحق."

ويعتبر  ناهض حتر منظرا للهوية الوطنية الأردنية وعرابا للحركة الوطنية الأردنية حيث قدم من خلال دراساته ومؤلفاته تحليلا للبنية الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع الأردني، ودافع حتر عن الأردن في مواجهة المشروع الصهيوني المتمثل بالوطن البديل وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وفلسطين معا ووقف في وجه السياسات الليبرالية  والكمبرادور الذي سعى الى تحطيم مؤسسات الدولة والطبقة الوسطى. كما عمل على تجديد طروحات حركة التحرر الوطني الإجتماعي، وإعادة اكتشاف مركزية الدولة الوطنية ومفاهيم التنمية والديمقراطية المضادة والثقافة المشرقية والمقاومة في مواجهة مشاريع الإستعمار وأدواته التكفيرية في المنطقة، وخصوصا في سوريا.

ويصادف يوم أمس الذكرى السادسة على رحيل المفكر الأردنى ناهض حتر، وكان حتر قد قتل برصاص احد المتطرفين على بوابة قصر العدل في مثل هذا اليوم قبل سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى