“التدخين”.. سرطانٌ صامت يستأصل أرواح الأردنيين

بعد كورونا.. جائحة متجددة تهدّد المجتمع
فقراء الأردن.. أكثر من يُدَخِنّون
عبوة (جوس) السجائر الإلكترونية " قاتلة"
المؤسسات الرسمية.. بيئة المدخنين الخصّبة
التاج الإخباري – عدي صافي
دقَ التقرير الصادر عن البنك الدولي ناقوس الخطر في الأردن؛ بعدَ تصنيفه المملكة في المرتبة الأولى عالمياً في معدلات التدخين للعام الثاني على التوالي .
وخلص التقرير الذي صدر مؤخراً إلى أن 24% من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13-15 عاما هم من المدخنين الحاليين في المملكة، وهو أمر اعتبرته المؤسسة المالية "مثيراً للقلق".
6 من كل 10 رجال يدخنون
وأشار التقرير إلى أن الأردن فيه "أكثر من 6 من كل 10 رجال (و41% من إجمالي السكان البالغين) يعاودون التدخين"، لافتا النظر إلى أن المملكة سجلت المركز الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معدلات التدخين.
إقلاعٌ فاشل
محمد (22 عاماً) قال لـ"التاج" إنه بدأ التدخين مبكراً في سن الرابعة عشرة؛ بعد مرافقته لشبان يكبرونه سناً خلال فترة التعليم المدرسي.
وأوضح أنّه يحاول مراراً وتكراراً الإقلاع عن التدخين بشكلٍ نهائي؛ لما يتسبب له بأضرار صحية وخسائر مالية، إلا أنه يفشل في الإستمرار بقطع التدخين، وفق حديثه.
وتحدث التقرير عن محاولة نصف المدخنين الحاليين في الأردن "التوقف عن التدخين في الاثني عشر شهرا الماضية، وشاهد 50% من البالغين معلومات عن مكافحة التدخين في أجهزة التلفزيون أو استمع إليها على أجهزة المذياع".
أكثر من 2 مليار دينار كُلَف التدخين في الأردن
فيما بين علي (44 عاماً) أنَّ التدخين تسبب بشكل رئيسي باصابة والده (المدخن الشره) وفق حديثه، بأمراض عدة أدت لاحقاً إلى وفاته.
وأكد أنه لن يقدم على التدخين بمختلف أنواعه في حياته، وسيقوم بتوعية أبنائه وارشادهم؛ حرصاً وضمانةً لكي لا يصبحوا مدخنين، مطالباً الدولة بمختلف أجهزتها في اتخاذ تدابير حقيقية وفعالة للحدّ من انتشار التدخين.
بينما يقول البنك الدولي في تقريره إنَّ تعاطي التبغ والتدخين يرتبط بحالة وفاة واحدة تقريباً من كل ثماني وفيات في الأردن، كما ويكلف التدخين الأردن ما يقدر بنحو 2.67 مليار دولار في صورة نفقات للرعاية الصحية ومقابل فقدان الإنتاجية.
الفقراء.. أكثر من يُدَخِنّون
سعاد (35 عاماً) وهي أمّ لأربعة أبناء وتقطن في احدى المناطق الأشدّ فقراً تقول في حوارها مع "التاج": "الظروف المعيشية الصعبة خلتني أدخن من عمر الـ17، واليوم صار بكيت الدخان أول اشي بحاول توفيره".
وتتابع، "ما عنّا لا دخل ثابت ولا بيت ملك وعندي اربع أبناء أكبرهم عمره 8 سنين، بس مش قادرة أترك الدخان الي بخفف عنّا الهم والقهر من هالعيشة"، وفق رأيها.
وتضيف منال (30 عاماً) أنّ جل المدخنين يدركون مدى خطورته الصحية وسلبياته الإقتصادية، إلا أنَّ الظروف الصعبة التي تعاني منها شريحة واسعة لا سيما جيل الشباب الذي يتعرض لضغوطات اجتماعية كبيرة؛ بسبب شح فرص العمل والقلق على مستقبلٍ مجهول، جعلت التدخين نوعاً من البحث عن الرفاهية والراحة المفقودة.
وأوضحت أنَّ المدخنون لم يعودوا يكترثون للأضرار الصحية والخسائر المادية بعدما وصل جزء كبير منهم إلى حالة من اليأس والخوف الذي لا ينتهي، وهو ما ينطبق عليها، حسب حديثها لـ"التاج".
بدوره تقرير البنك الدولي أشار إلى أن "المعرفة بمخاطر التدخين لم تؤد إلى تغيير دائم في السلوكيات"، متحدثا عن "الحاجة إلى المزيد من الحلول القائمة على الأدلة والشواهد التي تأخذ في الاعتبار العوامل المختلفة التي تشكل سلوكيات التدخين"، لافتاً النظر إلى أن "أشد الناس فقراً في الأردن هم من بين أكثر الناس تأثراً بتعاطي التبغ والتدخين، وهم الأكثر استفادة من التخلي عن هذه العادة".
عبوة (جوس) السجائر الإلكترونية " قاتلة"
مواطنون أجمعوا في حديثهم مع" التاج"على أن التدخين بشكلٍ عام، والتدخين الإلكتروني أصبح "موضة" في المملكة.
وادّعوا أنَّ شريحة واسعة من فئة الشباب
(ذكوراً واناث) يدخنون ما يعرف بالسجائر الإلكترونية والأرجيلة من باب مواكبة" الموضة" والإبتهاج بأنواع وأطعمة سجائرهم بين أصدقائهم.
وأفادوا أنَّ فئة من الشباب المدخن لا تدرك مدى خطورة التدخين بأنواعه على الصحة، متناسين المثل الشعبي الدارج "السيجارة أولها دلع، وأخرها ولَع"،مطالبين بزيادة التوعية الأسرية والمجتمعية لهم.
"إن عبوة "الجوس لو انسكبت على البشرة وحصل امتصاص لها، فإنه من الممكن أن تشمل الأعراض (الغثيان، الدوخة) في حين من المحتمل أنّ تصل الأعراض إلى الوفاة"، وفق تصريحات صحفية سابقة لـ"العضو في جمعية لا للتدخين" لاريسا الور.
بنودٌ قانونية تجرّم التدخين (في الأماكن العامة)
تملك الأردن بنوداً قانونية تجرّم التدخين داخل المؤسسات الرسمية، الأماكن العامة، وسائل النقل، الأماكن المغلقة، وغير ذلك.
وينص القانون المعدل لقانون الصحة العامة رقم (11) لسنة 2017 على تبيان المادة 63 أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 اشهر او بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد عن مائتي دينار كل من قام بتدخين أي من منتجات التبغ في الاماكن العامة المحظور التدخين فيها، كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تزيد عن ستة اشهر او بغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد عن ثلاثة الاف دينار لسماح المسؤول عن المكان العام المحظور التدخين فيه لأي شخص بتدخين أي من منتجات التبغ في المكان وعدم الاعلان عن منع التدخين في المكان العام وبيع السجائر بالمفرد ولمن هم دون الثامنة عشرة وتوزيع مقلدات منتجات التبغ أو بيعها.
كما يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد على ثلاثة آلاف دينار لكل من قام بتدخين أي من منتجات التبغ في دور الحضانة ورياض الاطفال والمدارس في القطاعين العام والخاص أو السماح بذلك.
المؤسسات الرسمية.. بيئة المدخنين الخصّبة
معظم الجهات الرسمية المعنية أصدرت بيانات صحفية خلال الأيام القليلة الماضية توعدت خلالها بمحاسبة مخالفي قوانين مكافحة التدخين في المؤسسات الرسمية والأماكن العامة، إلا أنَّ البعض رآها "بالونات اعلامية" مكررة؛ نابعة من محاولة التغطية على "الفشل" بتطبيق القوانين بنجاعة في البلاد.
زيد (اسم مستعار) يعمل في احدى الوزارات يقول لـ"التاج" إنَّ قوانين مكافحة التدخين في الأردن مجرد حبرّ على ورق، ولا تطبق إلا في حالة وجود حملات تفتيشية نادرة، وفق رأيه.
ويتابع، "يقوم بعض موظفي الوزارة بالتدخين داخل الممرات وخلف مكاتبهم، غير أبهين بالقوانين، بل على العكس تراهم يمنعون المراجعين من اشعال سجائرهم وهم يحملون في يدهم السجائر بأنواعها".
فيما بين عمر أنه خلال مراجعته لدائرة الأحوال المدنية والجوازات بغرض اجراء معاملاته الخاصة تفاجئ باشعال أحد العاملين لسيجارته خلف مكتبه واستخدام منفضة سجائر للتخلص من السيجارة بعد حرقها.
ويقول:" وقف الموظف غير مهتم لرائحة سيجارته الكريهة أمام المراجعين، وبدأ بنفخ دخانه في وجوههم بينما يقوم بتدقيق أوراقهم وختمها، ومن المثير للسخرية أنّ منفضة سجائره كانت ممتلئة عن بكرة أبيها، وعندما طلب منه أحد المراجعين عدم التدخين لم يعره اهتماماً وواصل فعلته التي من المفترض أنها مجرّمة بالقانون".
وفي ذات السياق أعتبر عدد من المواطنين (غير المدخنين) أنَّ القوانين التي تمنع الترويج لمشتقات التبغ على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وتمنع التدخين داخل المنشآت العامة وداخل وسائل المواصلات، وتمنع بيع السجائر للأشخاص دون سن 18 عاما، ليست إلا أوهام؛ مستندين في ادعائهم على وجود أدلة للتدخين داخل المستشفيات ووسائل النقل وترويج منتجات التبغ بشكل كبير على منصات التواصل الإجتماعي، لا سيما تلك المتعلقة بالسجائر الإلكترونية.
وقالوا إنَّ الأطفال دون الثامنة عشرة يحصلون على التبغ من المحال التجارية في ظلّ عدم وجود رقابة فعالة وقانون رادع.
جائحة التدخين تغزو الأردن
ولا يزال التدخين مشكلةً عالميةً تحاول الدول قاطبة التخلص منها والحدّ من آثارها الصحية وكلفها المادية الهائلة منذ عشرات السنين، كما وأصبح التدخين في الأردن أشبه بمرض السرطان الذي ينتشر في مختلف أنحاء الجسد؛ بحكم نسبة التدخين الهائلة في البلاد.
وبات من المعروف مدى الأضرار الصحية التي يتسبب بها التدخين للمدخن والمتعرض للتدخين السلبي.
وأجمعت الجهات الطبية العالمية على أنَّ الأبحاث أظهرت أن التدخين مسبب رئيسي لـ"أمراض سرطانات الرئة والجهاز الهضمي والتنفسي"، عدا عن تسببه بالإنسداد الرئوي المزمن والربو القصبي، ومشاكل بالجهاز التنفسي.
فيما طالب مواطنون بضرورة تفعيل قوانين الصحة العامة والاتفاقية الاطارية مع منظمة الصحة العالمية؛ للحماية من جائحة التبغ التي باتت تغزو المجتمع الأردني.
كما ودعوا إلى تغليظ العقوبات والغرامات بالمنشآت ووسائل المواصلات، ورفع الضرائب على الدخان؛ لمحاولة الحدّ من التدخين في البلاد.
وبحسب أخر بيانات لدائرة الإحصاءات العامة، يبلغ معدل الإنفاق الشهري للعائلة الأردنية التي تضم أفرادا مدخنين 73.6 دينار وهو أكثر مما تنفقه على كل من الفاكهة، والذي يبلغ 26.6 دينار شهرياً والألبان والبيض 38.2 دينار شهرياً، والخضار والبقوليات البالغ 42.1 دينار واللحوم والدواجن 50.4 دينار.