اهم الاخبارتقارير التاجصحةمنوعات

اللحوم المزروعة.. غِذاء الغد.. هل سيتناوله النباتيين؟

التاج الإخباري – عدي صافي 

وصلت صناعات البشرية إلى زراعة اللحوم داخل المختبرات، من خلال تقنيات جديدة وطموحة، لا سيما وأنها تهدف إلى الحفاظ على البيئة وتقليل ذبح المواشي. 

ناشطو الحفاظ على البيئة المعارضين لما تهدره الصناعة الحيوانية من موارد بيئية يعتبرون فكرة لحوم مزروعة في المختبرات مثل هدية لهم. 

اللحوم المزروعة وتعرف كذلك بأسماء أخرى منها اللحوم المستنبتة، يتم الحصول عليها بأخذ خلايا من حيوانات حية، ثم زرع هذه الخلايا وجعلها تنمو في المختبر لمدة من الزمن.

وتعدّ هذه التقنية، التي تخص جميع أنواع اللحوم بما فيها الدواجن، وكذلك الأسماك، جديدة للغاية، ولم تبدأ سوى قبل تسع سنوات، ولا تزال في طور التجريب، ولم تطرح إلا بشكل محدود في جلّ أسواق العالم للمستهلكين. 

ويشير تقرير لموقع "نيوز ميديكال" المتخصص في الأخبار العلمية والطبية، إلى أن هذه اللحوم قد تكون "غذاء الغد"، ولديها الكثير من الإيجابيات، أولها ما يتعلق بالموارد البيئية، فبفضل تصنيعها في مختبرات، لا تحتاج للموارد ذاتها التي تستنزفها اللحوم العادية ومن ذلك أراضي الرعي والعلف والمياه.

وهناك جانب صحي كذلك، فهذه اللحوم مفيدة للجسم بسبب تراجع الجراثيم المعدية فيها مقارنة باللحوم الطبيعية التي تشكل ضررا لعدد من الناس، وخصوصا الجراثيم المعوية والجراثيم التي تنتقل خلال الذبح والحفظ، وكذلك خلوها من الهرمونات التي يتم حقنها للماشية والدواجن والأسماك بغرض إنضاجها بسرعة.

وبفضل تدخل يد متخصصة في تصنيعها، تتوفر هذه اللحوم على قيمة غذائية متوازنة عكس اللحوم الحمراء التي لا ينصح بالإكثار منها، ويمكن في هذا الإطار التحكم بنسبة الدهون الضارة فيها واستبدالها بدهون أخرى مفيدة كأوميغا -3 وإضافة فيتامينات إليها كفيتامين B12.

غير أن هناك تحديات أخرى ترافق هذه اللحوم حسب المصدر ذاته، ومنها غلاء مصل جنين البقر التي يستخدم كوسيط في عملية استنباب لحوم البقر، وكذلك تعارضه مع ما يرفعه النباتيون من ضرورة عدم ذبح الحيوانات، بما أن هذا المصل يؤخذ من الحيوان بعد ذبحه.

كذلك لا توفر هذه اللحوم التنوع الشكلي الذي توفره اللحوم الطبيعية، ومن ذلك الأشكال المفضلة للشواء، وكذلك لم تستطع توفير نفس مذاقها، لكن أكبر تحديين هما غلاؤها الكبير، وثانيا الغموض الذي يرافق أثرها الصحي بعيد المدى على الإنسان، وهناك مخاوف من أن يؤدي استنبات اللحم إلى توليد خلايا معيبة قد توفر بيئة لبعض أنواع السرطانات.

لكن عددا من العلماء متفائلون بهذه اللحوم التي قد تشكل ثورة في طريقة الاستهلاك، وقد تحتاج الأبحاث لمزيد من الوقت حتى الوصول إلى طريقة أكثر أمانا لإنتاج هذه اللحوم، ما سينعكس إيجابا على حياة الإنسان بشكل عام.

المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "أبسايد فودز"، أوما فاليتي، قال عبر البريد الإلكتروني في حديث لشبكة CNN إن "هذه المنتجات ليست نباتية أو خضرية، إنها لحوم حقيقية مصنوعة بلا حيوان".

وأوضح فاليتي أن عملية إنتاج اللحوم المزروعة "تشبه عملية تخمير الجعة، لكن بدلاً من زراعة الخميرة أو الميكروبات، نزرع خلايا حيوانية".

ويبدأ العلماء بأخذ عينة خلية صغيرة من حيوانات الماشية مثل البقر أو الدجاج، ثم تحديد الخلايا التي يمكن أن تتكاثر.

وأضاف فاليتي: "من هناك، نضع هذه الخلايا في بيئة نظيفة وخاضعة للرقابة، ونطعمها بالعناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها للتكاثر بشكل طبيعي"، لافتًا إلى أنه "يمكن إعادة تهيئة الظروف التي توجد بشكل طبيعي داخل جسم الحيوان".

من جانبه، قال متحدث باسم  شركة تكنولوجيا الغذاء "Mosa Meat" ومقرها هولندا، إن بعض الشركات تبتعد عن مصطلح "اللحوم المزروعة في المختبر". وبدلاً من ذلك، تستخدم هذه الشركات مصطلح اللحوم المزروعة، واللحوم المستنبتة، واللحوم القائمة على الخلايا أو المزروعة بالخلايا، أو اللحوم غير المذبوحة.

وبالإضافة إلى التخفيف من ذبح الحيوانات، يمكن أن تساعد اللحوم المزروعة أيضًا في إبطاء تغير المناخ الناتج عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون، والميثان.

ويُعد النظام الغذائي مسؤولًا عن نحو ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، غالبيتها من الزراعة الحيوانية.

وتنبعث من وسائل النقل اللازمة للزراعة غازات الميثان وثاني أكسيد الكربون، وفقًا للأمم المتحدة.

وأشار ديفيد كابلان، أستاذ الهندسة الطبية الحيوية في جامعة تافتس، إلى عنصر الاستدامة هنا، من خلال تقليل البصمة الأرضية، وتقليل الاحتياجات المائية وتقليل بعض مجاري النفايات التي تخرج من حقول التسمين.

وتُعد تيارات النفايات التي تحتوي على غازي ثاني أكسيد الكربون والميثان مسؤولة عن التدفقات الكبيرة للانبعاثات في الغلاف الجوي.

ولا يزال أمام اللحوم المزروعة، وهي صناعة عمرها نحو 10 أعوام، بضع سنوات لتُصبح متاحة تجاريًا للمستهلكين الأمريكيين في متاجر البقالة أو المطاعم وربما تصل إلى 20 عامًا أخرى لتحل محل جزء كبير من صناعة اللحوم التقليدية.

وفي الوقت الحالي، تُعد سنغافورة الدولة الوحيدة التي وافقت على اللحوم المعتمدة على الخلايا للاستهلاك، لتباع بالتجزئة. 

وحتى ذلك الحين، تُعد اللحوم المزروعة وفوائدها المحتملة التي تؤثر بشكل ايجابي على صحة الحيوان والإنسان والبيئة أملاً أكثر من كونها وعدًا.

ولفت كابلان إلى أن طريقة أخذ الخزعة من الحيوان تشبه طريقة أخذ الخزعة البشرية"، أي أن الحيوان لا يتعرض للأذى عند إجراء العملية.

والخطوة الثانية هي تحديد العناصر الغذائية – الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية – التي يجب أن تستهلكها الخلايا.

وبالطريقة ذاتها التي يمتلك بها الدجاج المزروع تقليديًا خلايا ويحصل على العناصر الغذائية من فول الصويا والذرة التي يتغذى عليها، أوضح تيتريك أن الخلايا المعزولة يمكنها امتصاص العناصر الغذائية في المختبر أو المنشأة.

وتدخل هذه الخلايا في ما يشبه حمام من المغذيات في مفاعل حيوي، في وعاءٍ كبير من الفولاذ المقاوم للصدأ "حيث تتحرك الخلايا تحت ضغط معين لخلق بيئة تسمح للخلايا بالنمو بكفاءة وأمان"، حسبما ذكره تيتريك.

وأوضح تيتريك: "يمكن استخدام هذه العملية في إنتاج اللقاحات أو إنتاج الأدوية، أو في هذه الحالة، لإطعام الناس"، لافتًا إلى أن هذه العملية هي في الأساس تصنع لحوم نيئة.

جودة اللحوم المزروعة 

وقال تيتريك: "سواء كان الأمر يتعلق برعاية الحيوانات، أو المناخ، أو التنوع البيولوجي، أو سلامة الغذاء ، (هناك) الكثير من الأسباب المهمة حقًا لتغيير طريقة تناولنا للحوم".

وعلى سبيل المثال، سنحتاج إلى تربية عددًا قليلًا أو معدومًا من الحيوانات أو استخدامها في زراعة اللحوم، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لمساحات شاسعة من الأراضي لزراعة العلف لإطعامها.

وأشار تيتريك إلى أن خلية حيوانية واحدة يمكن أن تنتج مئات المليارات من كيلوغرامات من اللحوم. 

وبحسب تقرير التقييم لعام 2022 الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تُعد اللحوم المزروعة تقنيًة غذائية ناشئة يمكن أن تساعد بشكل كبير في تقليل الانبعاثات العالمية من إنتاج الغذاء، بسبب "آثارها على الأرض والمياه والمغذيات".

وما إذا كانت اللحوم المزروعة تتطلب كميات أقل من المياه هو أمر قابل للنقاش، إذ ما زالت هناك حاجة إلى استخدام الكثير من المياه للزراعة الخلوية.

وقد تؤدي الزراعة الخلوية أو لا تؤدي إلى انخفاض كبير في استخدام الطاقة، وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

FDA، ادارة الغذاء والدواء الاميركية اعتبرت الدجاج امن للاستهلاك البشري، كما أنه نال رضا الطهاة، وتتوقع الشركات المصنعة بيعه في الأسواق في عام 202‪8  لتقدم بمنتجها بديلاً للحميات الغذائية.

وهنالك سؤال يتعلق بالنباتيين، هل سيضربونَ موعداً مع تناول اللحوم أخيراً؛ بحكم أنها مزروعة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى