الليرة السورية بين الاستبدال وحذف الأصفار.. خيارات حاسمة للإنقاذ
التاج الإخباري – تواجه الليرة السورية تحديات اقتصادية هائلة في السنوات الأخيرة نتيجة لمجموعة من العوامل المحلية والدولية. فمنذ بداية النزاع في سوريا عام 2011 الذي تحول إلى مسلّح، تعرضت الليرة لضغوط متزايدة، حيث فقدت قيمتها بشكل تدريجي أمام العملات الأجنبية، مما أسهم في تضخم غير مسبوق وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
تدهور الوضع الاقتصادي ألحق آثاراً اجتماعية واقتصادية كبيرة، إذ انخفضت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل حاد، وتدهورت مستويات المعيشة بشكل عام.
التحديات وتأثيرها على الليرة
من بين العوامل التي ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي، الأزمات السياسية المستمرة، الفساد، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. هذه العوامل أثرت بشكل كبير على تراجع الاحتياطيات النقدية الأجنبية، ما ساهم في زيادة التضخم وصعوبة توفير الدولار الأميركي والموارد الأساسية في الأسواق. كما أسهمت الحرب المستمرة في تدمير البنية التحتية وتراجع الإنتاج المحلي، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات وزيادة العجز في الميزان التجاري.
قبل اندلاع الثورة السورية في 2011، كان الدولار يساوي نحو 50 ليرة، ولكن منذ ذلك الحين، فقدت العملة السورية أكثر من 90% من قيمتها. مع بداية الهجوم على مناطق سيطرة النظام في شمال سوريا، سارع العديد من التجار وأصحاب رؤوس الأموال إلى شراء الدولار والذهب، مما أدى إلى انخفاض سعر الليرة إلى مستويات قياسية. وفي فترة قصيرة، ارتفع سعر الليرة السورية بنسبة تزيد على 45% ليصل إلى 16 ألف ليرة مقابل الدولار، بعد أن هبط إلى 30 ألف ليرة قبل ذلك.
الوضع الحالي للاقتصاد السوري
على الرغم من تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، فإن التحديات الاقتصادية ما زالت قائمة. تشير التقديرات إلى أن مخزون الذهب لدى البنك المركزي السوري يبلغ 26 طناً، بينما احتياطي النقد الأجنبي لا يتجاوز 200 مليون دولار. وفقاً للأسعار المرسلة من مصرف سوريا المركزي للصرافين، تراوح سعر الدولار بين 16,000 و16,200 ليرة في الأسبوع الماضي.
وفيما يتعلق بالاقتصاد السوري، فقد شهد تراجعاً كبيراً نتيجة الثورة والعقوبات الاقتصادية. وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي لسوريا إلى 67.5 مليار دولار في 2011، لكنه تراجع بشكل دراماتيكي إلى 9 مليارات دولار في 2021، وفقاً للبنك الدولي. كما سجلت سوريا معدلات تضخم مرتفعة جداً، حيث بلغ التضخم في 2021 نحو 140%، فيما تجاوز في 2023 حاجز 200%، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين.
البطالة والفقر والسوق السوداء
تضاعف معدل البطالة في سوريا بشكل كبير، حيث وصل إلى أكثر من 50% في عام 2023 مقارنة بـ8% في 2011. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، معتمدين بشكل كبير على المساعدات الإنسانية. وتقدر احتياجات سوريا من المساعدات الإنسانية بنحو 10 مليارات دولار سنوياً وفقاً للأمم المتحدة.
تعد السوق السوداء أحد العوامل الرئيسة التي تؤثر في سعر الليرة السورية، حيث تساهم في رفع سعر الدولار بشكل غير رسمي. تشير التقارير الدولية إلى أن أكثر من 50% من المعاملات المالية في سوريا تتم عبر السوق السوداء بسبب القيود المفروضة على النظام المالي الرسمي.
أشار الخبير المالي عدلي قندح في حديثه لـ«إرم بزنس» إلى أن التحولات السياسية الأخيرة في سوريا تحمل في طياتها فرصاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بما في ذلك تعزيز استقرار الليرة السورية. وأوضح قندح أنه إذا استمرت حالة الاستقرار والتحول السلمي، فإن ذلك سيسهم في استعادة الثقة بالاقتصاد الوطني وفتح الأبواب أمام الدعم الدولي والإقليمي. وأضاف أن هذا الاستقرار قد يساعد في تخفيف الضغوط التضخمية من خلال زيادة تدفق المساعدات الخارجية وتشجيع الاستثمارات، مما سيؤثر إيجابياً على سعر صرف الليرة السورية.
وأشار إلى أن التقدم التدريجي نحو الاستقرار السياسي قد يتيح للحكومة فرصة تنفيذ إصلاحات اقتصادية تعزز الإنتاج المحلي وتدعم التصدير، وهو ما سيقلل من الاعتماد على العملات الأجنبية، ويساهم في تقوية الليرة السورية.
خطط الإصلاح وإصدار عملة جديدة
في سياق التحولات المحتملة، يعتقد قندح أن إصدار عملة نقدية جديدة يمكن أن يكون جزءاً من رؤية شاملة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتعزيز الثقة العامة. وأضاف أنه في ظل بيئة سياسية مستقرة وبرنامج اقتصادي مدروس، قد تكون هذه الخطوة وسيلة فعالة لتحفيز النمو والتنمية. وأكد أن العملة الجديدة ستسهم في تحسين إدارة المعاملات التجارية والمالية، خاصة إذا اقترنت بجهود لتعزيز الإنتاجية وتحديث القطاعات الاقتصادية المختلفة.
من جهته، أوضح الخبير المالي زياد الهاشمي لـ«إرم بزنس» أن الليرة السورية اليوم تمر في مرحلة انتقالية. وقال إن الليرة كانت تُدار سابقاً من قبل نظام شمولي تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية، لكنها شهدت تحسناً جزئياً بفضل التخلص من السياسات النقدية السابقة التي كانت مقيدة وغير مدعومة من العملة الصعبة أو الذهب.
وأشار الهاشمي إلى أن السياسات النقدية الانتقالية نحو اقتصاد السوق الحر قد تؤدي إلى تحسين جزئي في قيمة الليرة السورية، خاصة إذا اتخذت السلطات الجديدة إجراءات لتحسين الوضع الاقتصادي. وأكد أن السلطات يجب أن تعمل على ضبط النفقات الداخلية، وتوسيع الانفتاح على الشركاء الإقليميين والدوليين، واستقبال الودائع المحلية والدولية في البنك المركزي السوري، بالإضافة إلى الحصول على قروض دولية.
الاستثمارات الأجنبية والآفاق المستقبلية
توقع الهاشمي أن يتم عقد مؤتمر دولي للمانحين لدعم سوريا بعد رفع اسم الإدارة السورية من قائمة الإرهاب، وهو ما سيسمح بتدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مختلف القطاعات، ما سيعزز من قوة الاقتصاد السوري. وأكد أن هذا التعاون الدولي، بالإضافة إلى التحسن في الاستقرار الأمني والسياسي، سيسهم في تحسين مناخ الأعمال ودعم الليرة السورية.
في النهاية، يتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد السوري تحسناً تدريجياً في الفترة المقبلة. لكن هذا التحسن يتطلب معالجات أخرى، مثل طباعة عملة جديدة وحذف الأصفار، مما يتطلب دراسة دقيقة للسياسات النقدية. كما أكدوا أن التحسن في الطلب على الليرة، الناتج عن استقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية، سيؤدي إلى تحسن مستدام في قيمة الليرة السورية.