مقالات

الخطاب البديل

التاج الإخباري – عبدالله المساعيد

إن أردنا أن نعرّف الخطاب البديل فنستطيع أن نقول بأنه الأداة التي تمتلك سلسلة من الاستراتيجيات التي تعالج المشكلة المجتمعية دون الاصطدام مع العقلية الجماعية مباشرة استناداً على دراسة شاملة حول مسببات سلوكيات هذا المجتمع .

ومن الأمثلة على سلوكيات المجتمع المقترنة بالخطاب العام له خطابات التطرف والكراهية.

إن ممارسة هذه السلوكيات مبنية على قناعة جماعية تشرّع ارتكابها دون أن تستند على أساس فكري وعلمي لها, فهي عبارة عن أفكار مندثرة وقديمة نمت في مجتمعات لم تمتلك أي خطاب يواجه هذه الأفكار ويمنع انتشارها لتتشكل في العقلية الجماعية على أنها الخطاب الأساسي لها،وهنا تأتي ضرورة مواجهة هذه الخطابات بخطاب بديل يمنع من انتشارها ويقلص حجم وجودها داخل العقلية الجماعية, وشكل هذا الخطاب مبني على ارتكازات علمية تحمل في مضمونها استراتيجيات التغيير التي تطرح نهجاً جديداً يوازي حجم المشكلة دون أن يصطدم مباشرة بها, حيث أن القضاء على التطرف لا تكون خطواته الأولى تجريمه قانونياً  فقط بل يوازيه  التوعية حول مخاطره وما يؤول عنه من مشاكل تصل إلى القتل والتناحر بين الجماعات وأيضاً يؤول إلى تشكيل الجماعات المسلحة كما شاهدنا من أمثلة واقعية في العقد الأخير في مجتمعنا كالتطرف الديني الذي نمى عنه وجود جماعات مسلحة كداعش مثلاً.

ضرورة وجود الخطاب البديل تأتي لمواجهة هذه الخطابات المتطرفة ومع عصر الرقمنة الذي أنتج مواقع التواصل الاجتماعي والتي سهلت وصول هذه الخطابات المتطرفة واستغلت الفراغ الثقافي والفكري لدى من يستخدم هذه المواقع وقامت بخداعه لأن هذه الجماعات المتطرفة أدركت عدم وجود خطاب بديل يواجهها مما سهل عليها استهداف الأفراد وضمهم لها وتوجيههم دون أي عناء, فمن الواجب علينا أن نقوم بمواجهة هذه الأفكار بخطاب بديل يعمل على تثقيف وتوعية الأفراد حول مخاطر التطرف ومدى تأثيره سلباً على المجتمع  وذلك من خلال تكثيف نشر المحتوى الذي يتقلد معنى الخطاب البديل والذي يرتكز على أسس علمية توضح نتائج التطرف وتثقف الأفراد حوله ليكون المحتوى بمثابة حاجز يواجه الأفكار المتطرفة ويمنع من اعتناقها لأنه قام من الأساس بتثقيف الفرد حول مخاطره ليستطيع الفرد تمييز الأفكار المتطرفة والابتعاد عنها مما يؤول إلى اضمحلال هذه الأفكار وتلاشيها على مستوى العالم الرقمي.

حيث أنه لا يمكن للدولة أن تقضي على خطاب الكراهية من خلال سن القوانين فقط وشهدنا ظواهر عديدة لم يستطع القانون صدها مثل التنمر والتعصب الديني والعنف المبني على النوع الاجتماعي , وذلك بسبب أن نظرة الدولة اتجاه هذه القضايا مبنية على عقلية صانع القرار الذي هو من ذات الصبغة المجتمعية ونستشهد بذلك حادثة ما قبل مقتل المفكر ناهض حتر حيث أن المسبب الأول على التحريض عليه كانت الدولة ذاتها لتمنع حدوث حالة من الغضب عند طائفة على حساب طائفة أخرى والذي نشب عن ذلك تصورعام يشرع قتله مما أدى إلى مقتل المغدور أمام المحكمة!, فأتى دور المجتمع المدني الذي درس سلوكيات المجتمع المحلي تبعاً لأساس علمي  وقام بنسج الاستراتيجيات مستخدماً الخطاب البديل ليستطيع من خلاله تخفيض نسب هذه القضايا من خلال التوعية وإقامة التدريبات التي يتضمن محتواها خطاباً بديلاً يحل محل الأفكار المجتمعية الثابتة التي لم يواجهها خطاب بديل يعمل على اضمحلالها .

يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه (مهزلة العقل البشري) :
“إن الشيء لا يمكن معرفته إلا بواسطة نقيضه”.

ونستطيع أن نستنبط من هذه المقولة بأن إيجاد الخطاب البديل في المجتمع هو من يشكل العقلية التي تفرق بين أنقاض الأشياء تبعاً لمفاهيم علمية واضحة فليس من الممكن أن يتجه الفرد نحو سلوكيات الكراهية مثلاً كالتنمر وغيره وهو يعرف مفاهيم المحبة والإيخاء, ومهمة الخطاب البديل هي الوصول إلى حالة من التفكير الجماعي المبني على التفريق بين الشيء ونقيضه تبعاً لتوعية قائمة على مفاهيم علمية واضحة توضح كلاهما وتجعل من عقلية الفرد حاجز يمنع من انتشار الشق السلبي منها .

إننا نشهد عصراً جديداً مختلف كلياً عن العصور التقليدية, حيث أن التكنولوجيا تخبرنا بأن العالم يتجه إلى الرقمنة وسيكون المستقبل القريب يعتمد على العالم الرقمي من أغلب جوانب الحياة ومنها طرق التواصل وتلقي الأخبار وهذه في الحقيقة موجودة من خلال منصات التواصل الاجتماعي وهذا ما يشكل الدافع حول ضرورة تكثيف نشر الخطاب البديل الذي يقضي على الظواهر المجتمعية الرقمية كالتنمر الرقمي وخطاب الكراهية والتطرف ليكون الخطاب البديل الممحاة التي تزيل كل هذه الأفكار التي أثرت على سلوك الفرد على أرض الواقع, فاستخدام منصات التواصل الاجتماعي وتشجيع صناع المحتوى على نشر الخطابات البديلة سيؤثر ايجاباً  على الفرد من خلال  تلقيه محتوى ثقافي مرتكز على أسس فكرية وعلمية تجعله يستخدم هذه المواقع بشكل آمن بل ويستطيع أن يمنع انتشار خطابات الكراهية والعنف من خلال رفضه لها والتوعية اتجاهها وشاهدنا على مواقع التواصل الاجتماعي مدى تأثير الخطاب البديل من خلال ما حدث مع المغدورة في فلسطين “إسراء” وكيف استطاع مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التعبير عن رفضهم لما حدث وكيف انعكس سلوكهم على أرض الواقع من خلال انشاء حملات تعمل على التوعية اتجاه منع العنف ضد المرأة وتشديد عقوبة من يرتكبها, وأيضاً شاهدنا كيف أثرت مواقع التواصل الاجتماعي في القضية المشهورة ب “متحرش المعادي” وكيف عكس تأثير الخطاب البديل على انشاء هاشتاغ يرفض التحرش بالأطفال ويعمل على التوعية وتشديد العقوبة اتجاهه مما أثر على أرض الواقع وهنالك أمثلة عديدة عن كيف أثر استخدام الخطاب البديل على مواقع التواصل الاجتماعي وعكس النتيجة الايجابية على أرض الواقع من خلال تبيان مخاطر الأمر مما يوضح للعقلية الفردية مدى هزالة الأفكار التي تبناها دون فهم عميق لها ولا أساس علمي تستند عليها.

إن حاجتنا إلى الخطاب البديل تعد حاجة ماسة حيث أن ضرورة وجوده تكمن بموازاة الخطاب الحالي الذي يرتكز على فرضيات خاطئة ونمطية تقليدية, فوجود الخطاب البديل يواجه كل ما يتمخض عن هذه الخطابات ويعمل على مواجهتها وتوعية المجتمع اتجاهها وذلك بطرق عديدة قد نستخدم فيها ذات الأدوات المستخدمة في نشر تلك الأفكار بصورة مباشرة أو باستخدام طرق غير مباشرة تعمل على تنمية التفكير النقدي للفرد واستنتاج خطورة الخطابات الحالية بمجهوده مما سيجعله يعمل على الكف عن نشرها بل وموازاتها بالخطاب البديل الذي أدركه من تلقاء نفسه وذلك يكون باستخدام منهجية التغيير المحوري التي تتزامن مع منهجية التغيير التدريجي والتي كل منها تستهدف فئات متنوعة سواء على أرض الواقع أو على مواقع التواصل تبعاً للحاجة الملحة لها.

يُختصر الهدف الأساسي من وجود الخطاب البديل بإقناع الفرد عن التخلي عن الأنماط التي يُختزل بها الفكر العام للمجتمع والذي يحرض وينشر خطابات الكراهية والعنف دون وجود أية أدلة عن ماهية هذا الفكر (الخطاب العام للمجتمع) أو عن أساسه المنطقي, فبالتالي الخطاب البديل هو السد المنيع الذي يمنع من انتشار هذه الخطابات ويعمل على الحد من انتشارها وتقليصها شيئاً فشيئاً ارتكازاً على أدلة وبراهين تغير من العقلية المجتمعية وتساعد على استدامة الأمن والسلم المجتمعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى