ثقافة وفنمقالات

“قبلة” تهز عرش العفّة العربي!

التاج الإخباري – بقلم غيث حمور

مرّة أخرى، ينتفض الشارع العربي "الافتراضي" على السوشل ميديا، بعد مشهد درامي في مسلسل تلفزيوني.

القصة بدأت قبل أسابيع، عبر مسلسل ستيلتو، السوري اللبناني المشترك، والمأخوذ عن المسلسل التركي جرائم صغيرة، عند مشهد قبلة خاطفة جمع بين ممثلين (زوج وزوجة)، وهما السوري سامر المصري واللبنانية ندى أبو فرحات.

والآن يعود الجدل مجدّداً، بعد مشهد ثانٍ بقبلة أطول "وأكثر إثارة"، حسب وصف البعض، بين نفس الممثلين، ما أشعل وسائل التواصل الاجتماعي. 

الانتفاضة "الافتراضية" وصفت العمل والعاملين فيه بقلّة الحياء، والإساءة للأدب، واعتبرت الأمر خارجاً عن عادات وتقاليد مجتمعنا "العفيف"، ورأت أنّ عرض مشاهد من هذا النوع متعمّد من قبل القائمين على المسلسل لتخريب المجتمع وعفته.

الملفت في الأمر أنّ المعترضين ذاتهم يشاهدون الأفلام والمسلسلات الأميركية بشكل خاص، والغربية بشكل عام، دون أيّ اعتراض على القبلات والمشاهد الساخنة، لا بل يبحثون عنها ويفضلونها على تلك التي لا تعرض مثل هذه المشاهد.

الملفت أكثر أيضاً أنّ المجتمعات العربية تعاني من نسب انحلال أخلاقي عالية، فمثلاً في مصر 90% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 17 و28 عاماً تعرضن للتحرّش الجنسي خلال عام 2022. ووفقاً لشبكة الباروميتر العربي المستقلة، فإنّ أعلى معدلات التحرّش في العالم والعنف ضد المرأة تقع في 22 دولة عربية، حيث يُمارس في بعض البلدان العربية بشكل مستمر تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وتظهر التقارير أنّ النساء غالباً ما يقعن ضحايا للعنف الجنسي أو الاغتصاب.

فساد المجتمع لا يأتي من مشهد قبلة في مسلسل درامي، وعرش العفّة العربي لن يهتز من ثوانٍ خاطفة في مشاهد معينة

وبطبيعة الحال، هذه الأرقام المعلن عنها فقط، وهي صادمة طبعاً، أما الأرقام الحقيقة، فقد تكون صادمة أكثر بكثير، لأنّ العادات والتقاليد المجتمعية المتوارثة والبالية تدفع المتعرّضين للتحرّش أو الاغتصاب إلى السكوت وعدم الإفصاح، للحفاظ على "العفّة" حسب الادعاء، وعدم ملاحقة الجناة، ليتحوّل الجلاد إلى ضحية، والضحية إلى جبان.

بعيداً عن المسلسل، وما يقدمه وفكرته، ومستواه الفني، فإنّ فساد المجتمع لا يأتي من مشهد قبلة في مسلسل درامي، وعرش العفّة العربي لن يهتز من ثوانٍ خاطفة في مشاهد معينة، خاصة أنّ الفضاء الإلكتروني مليء بكلّ أنواع المشاهد والأفلام الإباحية المجانية، والتي يمكن لأيّ أحد أن يصل إليها، وهي أيضاً لن تهزّ شيئاً.

المشكلة الحقيقية في آلية التفكير، وأسلوب الحياة، و"التابوهات" المقدسة التي لا يمكن مساسها، وعندما تقترب مجرّد اقتراب من هذه "التابوهات" تبدأ "الانتفاضة" الافتراضية بالشتائم والتخوين وتقليل الاحترام.

ومن يعتقد أنّ مجتمعنا العربي "عفيف" فهو مخطئ كثيراً، فهو كما كلّ المجتمعات، فيه كلّ أنواع البشر، أشرار وأخيار، صالح وطالح. 

قبلة مسلسل ستيلتو إن وصفت بالجريئة فإنها يجب أن توصف على حقيقتها، بأنها عادية كثيراً وأكثر من عادية، وما يحدث في الحياة أكثر بكثير من هذه الثواني على الشاشة، إن كان داخل إطار الزوجية، أو حتى خارجه، ولكلّ منّا خطوطه الحمراء الخاصة، ولا يمكن أن نستمر في فرض خطوطنا على الآخرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى