التاج الإخباري – قدم رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه، الخميس، استقالته للرئيس إيمانويل ماكرون الذي سارع إلى عقد اجتماعات مكثفة بالقصر الرئاسي لتجاوز مرحلة عدم اليقين التي دخلت فيها البلاد بعد حجب الثقة عن الحكومة.
ومن المتوقع أن يوجه الرئيس ماكرون كلمة للأمة مساء الخميس في محاولة لتحديد الوجهة في مرحلة عدم اليقين الذي تزيد أزمة الميزانية من حدته.
ولن يعيّن ماكرون رئيسا جديدا للوزراء في خطابه المرتقب مساء الخميس، بحسب ما نقلت فرنس بريس عن مصدر قريب من الرئيس.
ونقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية صورة لرسالة الاستقالة القصيرة والموقعة بتاريخ 5 ديسمبر الخميس.
ولا يزال رئيس الوزراء المستقيل وفريقه مسؤولين عن التعامل مع “الشؤون الجارية” في انتظار تعيين حكومة جديدة، على النحو الذي حدده الإليزيه.
وصل ميشال بارنييه، المفوض الأوروبي السابق الذي ينتمي إلى صفوف اليمين، عند الساعة العاشرة (الساعة التاسعة ت غ) إلى قصر الإليزيه وخرج منه بعد ساعة من دون أن يدلي بأي تصريح.
وأعلنت الرئاسة أن ماكرون “أخذ علما” باستقالة رئيس الوزراء الذي سيتولى مع حكومته تسيير الأعمال حتى تسمية خلف له.
وثمة ضرورة لحصول تحرك عاجل، نظرا إلى عمق الأزمة السياسية المستفحلة منذ قرر ماكرون حل الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى للبرلمان) في يونيو الماضي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها معسكره في الانتخابات البرلمانية الأوروبية أمام اليمين المتطرف.
وأفضت الانتخابات التشريعية المبكرة إلى جمعية وطنية مشرذمة وموزعة على ثلاث كتل هي تحالف اليسار ومعسكر ماكرون واليمين المتطرف من دون أن يكون لأي منها الغالبية المطلقة.
بعد مداولات استمرت خمسين يوما، شكلت حكومة تضم وزراء من اليمين والوسط مطلع سبتمبر.
وبعد ثلاثة أشهر على ذلك، سقطت الحكومة أمام الجمعية الوطنية بموجب مذكرة حجب ثقة للمرة الأولى منذ العام 1962. وهذه أقصر ولاية لحكومة في ظل الجمهورية الفرنسية الثانية التي أعلنت في العام 1958.
وطلبت رئيسة الجمعية الوطنية يائبل برون-بيفيه من ماكرون صباح الخميس تعيين رئيس جديد للوزراء “سريعا”.
تحرك سريع
وفي الأثناء، امتنعت أوساط الرئيس الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوى، عن تقديم أي جدول زمني للخطوات التالية لكن مقربين منه أشاروا إلى أنه ينوي التحرك بسرعة وربما اعتبارا من مساء الخميس، وأكد أحدهم “لا خيار له”.
ويبدو الانقسام واضحا بين اليسار والوسط واليمين، للاتفاق على حكومة ائتلافية جديدة.
وحذرت زعيمة مجموعة نواب حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي، الخميس، من أن حزبها لن يعطي الثقة في الجمعية لأي رئيس للوزراء لا ينتمي إلى تحالف اليسار المعروف باسم “الجبهة الشعبية الجديدة” الذي يضم الخضر والاشتراكيين والشيوعيين واليسار الراديكالي.
واعتمدت مذكرة حجب الثقة بتأييد 331 نائبا فيما كانت تحتاج إلى 289 فقط لإسقاط الحكومة ما يجعل الضربة مؤلمة أكثر على السلطة.
ولحجب الثقة عن الحكومة، صوّت نواب اليسار وحزب التجمّع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه دعما للمذكرة التي تتناول مسائل الميزانية فيما تعاني فرنسا من مديونية مرتفعة.
وسارع اليسار الراديكالي إلى المطالبة باستقالة رئيس البلاد والدعوة إلى انتخابات “رئاسية مبكرة”.
واعتمدت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن موقفا أكثر اعتدالا مقارنة باليسار الراديكالي، مؤكدة أنها ستفسح المجال أمام رئيس الحكومة المقبل “للعمل على بناء ميزانية مقبولة للجميع بشكل مشترك”. وقالت “لا أطالب باستقالة إيمانويل ماكرون”.
واستبعد ماكرون الذي انتخب في 2017 لولاية أولى وفي 2022 لولاية ثانية، الاستقالة.
ومع أن سقوط حكومة ميشال بارنييه كان متوقعا إلا أن الصحافة أعربت عن قلقها، الخميس، من “مرحلة الغموض التي تلوح في الأفق”.
الفرنسيون منقسمون
وانقسم الفرنسيون حول الوضع، فأيد 53 % قرار مجلس النواب فيما أعرب 82 % عن قلقهم من تبعاته على ما أظهرت استطلاع للرأي أجراه معهد “تولونا هاريس انتراكتيف” لحساب “ار تي ال”.
وأعرب مواطنون استطلعت وكالة فرانس برس آراءهم في أرجاء البلاد عن قلقهم من “الغموض” و”الحلقة المفرغة” و”الطريق المسدود”.
ويتطلب وضع الميزانية في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، تشكيل حكومة بأسرع وقت.
ويتوقع أن يبلغ العجز العام 6,1% من إجمالي الناتج المحلي في 2024 أي أكثر بكثير من 4,4% كانت متوقعة في خريف العام 2023 فيما سيؤثر عدم اليقين السياسي على كلفة الدين والنمو.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في مذكرة نشرتها خلال الليل إن سقوط الحكومة الفرنسية “يقلص احتمال تعزيز المالية العامة”.
رغم ذلك، ظلت الأسواق هادئة، فبعد الافتتاح على انخفاض طفيف (-0,28%) الخميس، ارتفعت بورصة باريس قليلا في منتصف النهار (+0.22%). وبعيدا من الارتفاع، فإن معدل فائدة الاقتراض الفرنسي في الأسواق كان يتجه نحو الانخفاض.